صحيفة المثقف

الكاتب والمخرج

حين يمنحك الله ملكة الكتابة، تحلم بالألوان الزاهية وبالمدينة الفاضلة التي تنتصر للإنسان، تغار على مدينتك وأنت تراها تهرم من الكذب والرياء والنفاق، فحبك لن يعيد شبابها المسروق، فعليك أن تثور في وجه كاتم الصوت تصرخ، وتصرخ حتى الحياة .. فلن يستقيم الوطن ولن يكون هناك تغير مادام المثقف عبدا ينام في حضن السياسي ويجيد فن التطبيل أملا في عظمة و في الأزمات لا يثور إلا من خلف جدار ولا يعلو صوته إلا داخل بيته موهما نفسه أن الثقافة شكلا لا مضمونا .

لست ساذجا ولا غبيا حتى أؤمن أننا في المدينة المثالية نزرع الورود، ونتنسم الروائح الطيبة وأن الانتهازيين، المتسلقون سيتبخرون من عالمنا ولن يكونوا حجر عثرة، دود ينخر شجرة المعرفة حتى يسقط كل محاولات تمنحنا حق النجاة،لكنني سأفكر بصوت عالي عسى أن نخرج من تحت القبعة ويستقيم الأمر ويكون لي شرف المحاولة، فالمتطفلين ذيول الفئوية والحزبية، ينتشرون بيننا ليصادروا حقنا بالتنفس .. فكيف لنا أن نحترم مثقف جبان تنازل عن دوره بالتنوير ورضي أن يكون في الطليعة محرك الجماهير وأصبح عبدا لحزبه.. كيف سنحترم كاتبا يحمل السوط ليكتم الصوت،كيف سنحترم كاتبا ضعيفا ترك المعركة وتنازل خوفا وانساق كالخراف

فسحقا لمن يشارك في مهزلة الأنا ويستقوي على الضعفاء، ويحرمهم من حق التعبير

سحقا لكل ضعيف ينحني أمام ظالمه خشية على لقمة العيش وينسى قول الله "وفي السماء رزقكم وما توعدون "

سحقا لأدعياء الثقافة الذين يجيدون فن التسلق وللجبناء الذين ينحنوا ليصنعوا من ظهورهم مصعدا

مأساتنا أننا لا نريد دولة مؤسسات يحكمها القانون وتحترم الإنسان قتلتنا الأنا، فمعظم الأشخاص الذين يعتلون المناصب يعتقدون أنهم خارقين ومبدعين ليس لهم مثيل، فيخدرون من حولهم بأساليبهم الالتفافية لتفشل أي قوة لانتزع الكراسي من أجسادهم، لذا يكبر النقص في مجتمعنا ويشعر الفرد بالدونية

فنحن نعيش أزمة أخلاق وانحدار في كافة مناحي الحياة ومثقفنا مخصي، فقد نفس المقاتل، يدفن نفسه في الرمل ويتمسح بالسياسي ... أثنا عشر عاما ونحن نموت، نذبح، نعيش القهر ونورث ثقافة الموت والانهزام وأدعياء الثقافة يختبئون في جحورهم، يهربون من المواجهة فأين صوتكم يا من امتصصتم رحيق المرحلة واحترفتم التسلق .. أين أنتم من معاناة الناس أين أقلامكم التي من المفروض أن تفجر ثورات وتنتصر للحريات و تتصدى للجرائم، لم نرى فيكم يوما لا معين ولا محمود ولا غسان فعيشوا في الظل كما أنتم ...

أقول لكم المثقف مرآة الأمة ... تعلمت من تجارب الشعوب التي ثارت على الجهل والتخلف أن من يشعل الثورة المثقفين فهل يستطيع المثقف مسلوب الحرية أن يقود نفسه ؟

يبدو أن مثقفنا المهزوم توهم أن إبداعه يكمن في غموضه، فالرجل الغامض بسلامته يحتسي القهوة ويدخن السيجارة

ويتشدق بالمفردات ويحفظ معلومات ومصطلحات ينفخنا بها ويخطب خطب صماء يسردها عن عالم ليس لنا

فلنخجل من ضعفنا، فالمهزوم الذي لا ينتصر لنفسه كيف سينصر شعبه

فوضى الانقسام جعلتنا جميعا عراة، نرى صورتنا القبيحة في المرآة، لم يخرج من بيننا رسولا يدعو للمحبة أو يعلم الناس الثورة ... لذا علينا أن نحترم أنفسنا ونرتقي بها، علينا أن نفكر كيف نبني لنحمي الانسان ونعيد للمثقف الفلسطيني دوره النضالي .. كما قال الشاعر الفلسطيني معين بسيسو "نعم لن نموت ولكننا سنقتلع الموت من أرضنا " واقتلع الموت يكون عندما يتحرر المثقف من تأثيرات السياسي ومن مرض الأحزاب التي لا تراه الا أنفسها فليتركوا لنا بيتنا الصغير فنحن أصبحنا بالغين لا نحتاج للوصاية

نريد أن نتنفس حرية،نريد أن نشعر بالاستقلالية، نريد كتاب يفكرون، يبدعون ويغيرون

فعار علينا أن نبصر الكون بعين واحدة .

مصطفى النبيه

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم