صحيفة المثقف

دهشة السؤال في مقام سيدي العريف

محمد طلعت الجنديإن لغز الاستفهام هو محور الوجود الدائر في فلكه العقل البشري منذ بداية الخلق، وإذا كانت بداية الخلق هي الكلمة، فإن بداية العقل هو السؤال. وفي ضوء هذه الإشكالية جاءت رواية مقام سيدي العريف للكاتب "زكي سالم" عن المجلس الأعلى للثقافة.

يتوغل النص الروائي إيلاجا من عتبة نصية إلى أخرى بسهولة متنقلا بين فصوله الأقرب إلى الأحوال والمقامات. ومن فيض ذلك أحالت عنونة النص"مقام سيدى العريف" الذهن إلى التراث الصوفي والإرث الشعبي البسيط المتعلق بمقامات الأولياء.

بدا عيبا على جدار المقام -الغلاف- وهو عتبة العنونة أي شكل وحجم الخط المكتوب به، الذي لم يأت موفقا لمتن الحكاية وجلال موضوعها، فكان من الأحرى به أن يأتي في لوحة فنية إطارية تزينها فنون الخط العربي مع ضبط التشكيل اللغوي للعنوان.

يعرج النص الروائي على معارج النص القرآني في بدايات وأوساط ونهايات النص البشري عند زكي سالم في مقام سيدي العريف، حيث رحلة الإسراء التي يصطحبنا فيها الراوي مرتكزا على محاكاة النص القرآني في سورة يوسف" نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك..." ص1.

وهكذا تتنوع فضاءات السردية بثمة تلاوات مختلفة لآيات يوسف لتفتح أبوابا تأويلية يترنم بها النص البشري، ومن ثم يختتم بـ" لقد كان في قصصهم عبرة..."ص87، وهي النهاية الأكثر عبرة ليس في جوهر الحكاية فحسب، بل في تفنن طرق البوح بها بداية من البوح المقدس مرورا إلى البوح البشري.

وبين البداية والنهاية يتشابك القص الفني مع القص القرآني ليس من باب الإتيان بمثله، بل من باب حضرة المريد الواقف على عتب القطب المحيط المغمور في المدد الإلهي لينقل إلينا ما شهده وما فُتح له. حالات من شدة وضوحها وتراكيبها الحسية جاءت لتعلن عن ميلاد ولي جديد بمذاق عرفاني خاص. تكمن فلسفته في بساطتها وأساليب إعلانه وبوحه الطفولي.

وعلى الرغم من جماليات العديد من الملامح الصوفية وتزيين الجمل اللغوية بالفكر والروح الإلهي في بث المعاني العليا في الحب والاتصال والانفصال إلا أن اللغة في بعض الجمل قد خانت صاحبها وجاءت في بعض من المواقف بسيطةلا تتناسب مع المقام والقالب. أي فقدت خصوصية الحال والتجربة اللغوية التي كانت يجب على الراوي أن يأتي بجديد فيها.

وقد يغفر ماسبق، إن دهشة الاستفهامية هي محور النص، وكأنه مسطور يسعى في تجربة السؤال الملائكي الأزلي حول الخلق، وتجربة السؤال البشري السرمدي والمتكرر حول مخلوقات الله، فضلا عن صناعة علامة استفهام أقوى حول الكيفية التي بها تسعي هذه الكائنات الإنسانية لمعرفة الله والتقرب إليه.

نص"مقام سيدى العريف" من النصوص التي ستعتلي مكانة خاصة في المدد الصوفي من حيث الشكل والمضمون والحكي والسرد باعتبارها مادة ترويجية لامتداد الفكرة الصوفية، وذلك من خلال مغزل البساطة التي قد يعاب عليها، ولكنه ميزة في ذات الوقت؛ فالبساطة الصوفية التي تغلب على ملامح النص" مقام سيدى العريف" على أساس المضمون سوف تمد الحكاية العربية بزخات أسلوبية تفتح الأفق الروائي برحابة صوب العالم المستهلك في موارده النفسية بهدف انتقاء ما يفيد الروح الإنسانية.

 

د. محمد طلعت الجندي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم