صحيفة المثقف

الحركة الحروفية الإماراتية ومجالات التطور

محمد البندوريتتسم الحركة الحروفية الإماراتية الآنية بطابع التطور وارتياد المكانة اللائقة بها عالميا، حيث استطاعت أن تصنع أسلوبا فنيا متميزا، استثار بالاهتمام معظم المتتبعين والنقاد في الحقل الحروفي العالمي، فهناك نضج كبير ووعي جاد بارتياد المبادرة، خاصة بمراكز الخط العربي بالامارات التي استطاعت أن تسهم في صنع أساليب خطية قويمة وجديرة بالاهتمام، ومدارس حروفية عربية صرفة، من خلال مجموعة من الملتقيات الخطية الهادفة، وكل تلك الجهود تظل تمتح من الثقافة المحلية والعربية مكوناتها الأساسية، ومن الموروث الحضاري الإماراتي مكنوناته العميقة، مما يعطي صورة بديلة تنبذ التقليد وتتمرد على الجاهز لتحدث للفن الحروفي والخط العربي الإماراتي حيزا إبداعيا متطورا يضاهي الفن العالمي، بروح معرفية وفكرية وثقافية، وأيضا بتقنيات عالية ودراية وتجربة وخبرة. فالحركة الحروفية الإماراتية قد سادت في كل الأقطار وازدهر عهدها، وأصبحت لها أسس وقواعد وضوابط ومكانة عالية الشأن بتأطير مجموعة كبيرة من الخطاطين وذوي الاختصاص والمتتبعين والمثقفين المرموقين، وأيضا بمساهمة ثلة من الباحثين المميزين، لتنحت أساليب راقية في الخط العربي متعددة الدلالات والمناحي، تستوعب الموروث الفني الإماراتي في شموليته، على أنه نسيج في وجدان الأمة العربية والإسلامية، وتتخذ منه أداة للتحديث والعصرنة بأدوات وتقنيات معاصرة، لتشكيل أساليب خطية وحروفية غاية في التعبير، تستحضر القيم الفنية والجمالية، وفق تقنيات ووسائل عالية الجودة، وبطرق ممنهجة ومنظمة ومحكمة وحديثة، في انطلاق سليم إلى الآفاق السليمة.

ولقد ساهم حضور الوعي النقدي في الثقافة الخطية الإماراتية في دفع قاطرة الإنتاج والإبداع بخطى مضبوطة ودقيقة، مما خصب المعرفة والتجارب والخبرات، ودعم الأسس الفنية والجمالية الإماراتية، ومما أرسى أيضا قواعد العمل الفني للخط العربي الفاعل على جميع المستويات. ولقد تفاعل الخطاطون الإماراتيون والخطاطون من كل الدول العربية مع مختلف الأنماط التعبيرية المحلية والعربية والعالمية الجديدة من خلال مراكز الخط العربي بمختلف المناطق بالإمارات العربية المتحدة، فأضحى الخط العربي يشتمل على أساليب تعبيرية رائقة، مستمدا مادته من مرجعيات ثقافية وفنية خصبة، ومن سيميولوجية محلية. وبذلك أصبحت الحركة الخطية تتخذ من التحديث والعصرنة أداة لتأسيس الفضاء الحروفي بروح معرفية وفنية، تضخ الحياة في شرايين الخط العربي، وهو ما يضفي عليه أبعادا عميقة المضامين، تمتح من التطور استعمالاته الفنية والجمالية، وتمنح الوسط المحلي الاماراتي تشكلات خطية إضافية تغذي المشهد الحروفي والفني والثقافي بحرفية وخبرة وتجربة تضمن له التألق على المستوى العالمي.

إن تمتع الخطاطين الاماراتيين - الأوائل الرواد - بقدرة هائلة من الإصرار على الإبداع والابتكار، قد عجل بظهور مجموعة لاحقة فتية من الخطاطين القادرين على تجاوز الجاهز وتغيير بلاغة الخطاب الحروفي والمساهمة في تواجد ونمو حركة خطية فريدة وهادفة في المشهد الثقافي العربي والعالمي. لقد قويت هذه المادة وتقوى معها المجال النقدي، وذلك لخصوصية التطور السريع الذي يشهده المجال الخطي الإماراتي بفضل الخطاطين المشرفين على مجال الخط ورعايته. فكل ذلك شكّل مدرسة خطية إماراتية فاعلة على المستوى العربي والعالمي، تسبح في فضاء إبداعي ممنهج يحافظ على الثوابت والمكتسبات، وينتهل من التجديد والعصرنة كل المقومات الضرورية، في انسجام تام مع مقومات الحضارة الإماراتية الراهنة.

ولقد شكل معجم الرموز والعلامات والأشكال الخطية في المنجزات الفنية بالإمارات العربية المتحدة خزانا من الأدوات الجمالية التي تغذي يوميا المشهد الحروفي الإماراتي والعربي، بل إن التوظيف المتقن لهذا المعجم الخطي بكل آلياته، والزرع المحكم لمقومات الثقافة الإماراتية في الفضاء الحروفي، وصناعة نسق دلالي ملائم ومطاوع ومخترق لكل المفاهيم، قد منح الأعمال الخطية الإماراتية جماليات متعددة الأنساق والمرامي، وسما بها إلى مصاف الفن الحروفي المعاصر الراقي. فأكد الخطاط الإماراتي بذلك حضوره القوي في الساحة العالمية، ومركزيته ضمن الفنون المعاصرة الراقية، ولنا إسوة في مجموعة من الأسماء. كما أن خاصية التعدد في النسيج الخطي من حيث أنواع الخطوط ونوع الشكل قد وفر في المحيط المحلي إنتاجا يروم التربية الخطية المتنوعة الفارقة، إذ يمكن من خلاله أن نتحدث عن وجود مدرسة عربية أو مركزا عربيا رائدا في مجال الخط العربي. ولعل المتتبع لشأن الخط العربي بالإمارات العربية المتحدة يعي جيدا أن الخط العربي يشكل قاعدة رائدة ذات أبعاد دلالية وإيحاءات جمالية وفنية فريدة، قادرة على بلورة العمليات الخطية الإبداعية إلى أسلوب تعبيري غير مسبوق، كما أن التعمق في البحث في الخط العربي من الوجهة الحضارية، يضع القدرة الخطية الإماراتية في موضع القوة الباطنية، ويصنع أفقا غير متناهي. كما أن الصيغ الجمالية بكل أشكالها وأنماطها المتنوعة وأساليبها المتعددة، تضفي قيمة دلالية وجمالية في المشهد الحروفي الإماراتي، إذ يتم توظيفها كلية بحمولتها المعرفية والثقافية بتقنيات جديدة تتلاءم وغرض العمل الإبداعي. فهذا أيضا يشكل نسيجا جديدا وقيمة مضافة ليس في الساحة الثقافية الاماراتية فحسب، وإنما في المشهد الفني العالمي.

 

د. محمد البندوري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم