صحيفة المثقف

ربيع التنومة: سقوط الطاغية

قصي الشيخ عسكرالصور والتماثيل تتهاوى. والوجوه تكشف عن أقنعتها.صورة واحدة ظلت عالقة بالأذهان لجندي عراقي يهوي على حذاء جندي أمريكي. عمي الله يخيلك لاتقتلني! هذا هو تمثال الرئيس وتلك هي صورته.لم يكد الفجر يطل حتى غازلت ضفاف التنومة المعزولة عن العشار نداءات متباينة من مكبرات الصوت:

الله أكبر!

يا أهالي البصرة الله أكبر!

الطاغية سقط.

بشرى الطاغية يسقط!

لم يعد هناك طيران في الجو. ولاأي صخب كنا نسمع الأصوات الهابة من العشار نقية صافية لاشك فيها. شيء ما.. أمر أبعد من أن يصدق . حدث غير عادي. تاريخ يسجل نفسه من جديد، وجميع أهل شط العرب ينصتون إلى مكبرات العشار:

إنها الثورة!العراق كله يلتهب! اسمعوا..لا تخافوا..

الحكومة فقدت سيطرتها !المحافظات كلها تلتهب.تعلن العصيان.. لانريد حاكما يجرنا إلى هزائم!

دولة من دون جيش!بل هو الجيش الذي عادمنكسرا من الكويت رجع يزحف على بغداد..لا تخافوا!أية دولة هذه!لا وسائل اتصال سوى مكبرات الصوت من المساجد والحسينيات وفوق البيوت تعلن التمرد والعصيان..

زعقت كمجنون:

إنها انتفاضة!! انتفاضة

اندفعت عن غير وعي.حاولت أختي الكبرى أن تعترضني عند الباب،فأزحتها ولحقني صهري إلى الطريق.كانت سورة الغضب تدفعني نحو المسجد.خاطرة بلمح البصر تجتاح ذهني وفكرة تتوقّد لو نجحت لغيرت صورة التنومة كثيرا.سنصبح مثل العشار ثائرين..مثل العمارة..والناصرية والكوت والنجف..هم ليسوا أفضل منا والتنومة تقدر أن تقدم الكثير..انصرف ذهني إلى اللواء المنتشر في بستان أصفر القريب منا وبعض الدبابات بين البساتين ودبابة في مقدمة البستان على بعد أمتار من مقر الفرقة الحزبية.لم أتدرب على السلاح ولا أعرف كيف أستخدم الرشاش فقط صادقت كاري كوبر وكوردن مشن ورأيتهم يقتلون اعداءهم كان أبي موظف الموانيء الطيب يغفر لي كل تسيبي متعللا بعاهتي،أما والدتي فكانت متحكمةفي البيت..أحيانا أزعجها فتخاطبني أعرج كن عاقلا..لم يكن بوسعي أن ألعب مع صبيان الحارة الذين يتجمعون عصر كل يوم ليتباروا في كرة القدم..ولم يفكر أي من الفريقين أن يجعلني حارس مرمى إلا مرة واحدة..وفي لحظة الهياج واختلاط الامور كان ترتنتي يقتل أعداءه وينفخ فوهة المسدس وهو يقول kiss kiss ..الفكرة الخارقة تلح علي وتصور لي نفسي قادرة علىفعل عمل مهم.كان هناك أناس يتراكضون، وحزبيون يهرولون في الشوارع والأزقة.حثثت الخطى باتجاه المسجد،وكنت أتعاون مع صهري في تشغيل المولد الكهربائي الذي مازالت فيه كمية ضئيلة من البترول.حمل صهري مكبر الصوت إلى مكان بعيد.كان أكثر خبرة مني في شؤون الحرب.أربع سنوات جعلته يلزم الحذر كثيرا. قال لو تركنا مكبرة الصوت في المسجد فقد يظنها طيران التحالف هدفا أو تلفت نظر طائرات الهيليكوبتر ..لايمكننا أن نصدق أن الجيش فقد كل شيء.مدَّ سلكا طويلا ربط أحد طرفيه بالمكبرة وخطى خارج الجامع على بعد مسافة فتسلق نخلة علق عند أعلاها المكبر.وثبت طرف السلك بلاقطة المايكرفون أمام المنبر.

كان كل شيء على مايرام...

البيان الأول جواب أهل العشار!

في هذه اللحظة خفت حدة التوتر من جسدي ومالت سورة الغضب إلى كلمات .كنت أقف أمام المايكرفون والكلمات تسعى على لساني سهلة لذيذة حلوة حماسية:

أيها اللواء البطل..

لقد انهار الجلاد والثورة تشتعل في كل المحافظات.

يا أبناء شط العرب الأشاوس:

يا أهالي التنومة...ظننت نفسي أحلق بعيدا..أقود أناسا يعرفونني ..جيوش تستسلم لي.هي المرة الأولى أقف خلف ميكرفون.. لا أصدق عيني. بل لاأصدق نفسي. أيُعقل أن يستسلم لواء كامل لنداء شخص أعرج مثلي؟ولو رأيت جنودا مسلحين يقصدون الجامع أو مدرعة تتجه إلى مكاني لزغت بلمح البصر..تيمور لنك الصغير.. أمن الخيال أم الواقع أن يترك الجيش دباباته ومواقعة لمجرد نداء من شخص لايعرف كيف يستخدم السلاح؟

نكتة تبدو وقتها من بعض الخيال لكن سيأتي يوم تصدقها أجيال وأجيال.

كانت الفوضى تعم شط العرب كلها..الجنود رموا أسلحتهم وتركوا مواقعهم. خرجت من الجامع وبقي صهري وحده يراقب المولّد الكهربائيّ والسماعة.في الطريق قابلت للمرة الثانية كامل الرامي.كان متحمسا للنداء. قرب نهاية بستان أصفر على بعد خطوات من الفرقة الحزبية وجدنا الدبابة ماتزال في مكانها والجندي فوقها.اقترب كامل منه وزعق:

ولك ألم تسع النداء!

رفع الجندي يديه علامة استسلام.هكذا يكون الأبطال في فلم الكابوي. ربما الأستاذ كامل مثلي لايعرف الرمي ولم يكن معنا أي سلاح في تلك اللحظة:

hands up!!

- عمي أنا معكم لاتقتلوني!

- سألته بصوت هاديء :

من اين أنت؟

- من الموصل!

- هل تريد أن تذهب إلى أهلك حيا!

- أرجوكم أنا لم أفعل شيئا " وأضاف يائسا لكن من دون خوف" احترقت روح الذي جاء بنا هنا! وعقب يؤكد كلامه: أنا مجرد جندي أنفذ الأوامر

- لاتخف لاتخف هناك فرق بين الجيش والأمن.

ورد الأستاذ كامل ساخرا:

- أنت تعرف الخرفان على أبواب القصابين الخروف يعلق مع خصيتيه فيعرف الزبائن أن الذبيحة ذكر وليست أنثى لكن ربما تكون أنت أول خروف يعلق من دون خصيتيه على ذلك العمود!"أشار إلى عمود الكهرباء وواصل"أو هل ترى ذلك النصب السريالي في وسط الفلكة إنه غير مفهوم لأهل التنومة سنضع جثتك مكانه على الأقل يصبح لدينا نصب مفهوم!

وتدخلت أطمئنه:

- نحن لانريد منك شيئا فقط توجه إلى مقر الفرقة ودمِّره بمال لديك من قذائق كل القذائف وجهها وحين تنتهي آخر قذيفة تستطيع أن تغادر إلى أيِّ مكان من دون أن يعترضك أحد!

أصبح مقر الفرقة كالمنخل.الرفاق أبطال القادسية الثانية غادروه منذ أول إعلان لعلع في العشار ويبدو أن الطيران الأمريكي ترك لنا المقر كي نستأثر به فصحت مع سيل القذائف:

- كامل أستاذي العزيز انتصرنا!

كان يرقص داخل ممر الفرقة الحزبية ويهتف ضاحكا:

- ألم اقل لهم إني سوف أدخلها فاتحا!

تحول المشهد إلى فوضى عارمة.المدينة يمس دماءها جنون لانتقام فظيع وأنا أكتشف في نفسي جرأة محمومة.مجاميع توجهت إلى مقر الفرقة الحزبية وأخرى إلى مركز الشرطة تنهب مافيه.فرَّ الرفاق ولم يبق إلا شخصان في دائرة الأمن.تركت مجموعة دائرة البريد المقابلة لمركز الأمن وتعالى صوت:

- عليكم بهما!

كان على مايبدو أحدهما الضابط التكريتي المسؤول والآخر ابن الرجل طيب القلب الذي اعتقل عام 1963الشاب الذي نسي تاريخ عائلته وانخرط في الأمن.أطلق الرجل النار باتجاه المجموعة فردوا عليه بوابل من رشاشاتهم ولما بلغ اليأس منه منتاه استدار إلى السيارة فجمحت به على حافة الشارع. كان حجم سيارة اللاندروفر وضيق الدرب يمنعانه من الاستدارة الكاملة كي يفلت باتجاه طريق كردلان،فنط محتميا بالجدار وباب السيارة المفتوح ولاذ بالفرار داخل بستان أصفر فكان الرصاص المنهمر يخترق في تلك اللحظة جسد ابن التنومة الخائن!

التنومة فقدت أول ابنائها العاقين أمام عيني!

ربما هو الأول وربما غيره في مكان آخر برصاص مجموعة أخرى...

كنا ننتقم من الأشياء ولانعرف أسرارها. لاندرك كيف نسوق العجلات الواقفة ونحرك الدبابات الجاثمة كالتماسيح على الأرض.تركنا العجلات والمصفحات في أماكنها، وخلال عودتي إلى المسجد رأيت الذي قضى في الاسر سنين فبدا عاقلا متزنا رأيته وكأنه غير مبال بل لم يحث نفسه لنهب بندقية أو أي شيء من مؤسسات الحزب. كان أشبه بالتمثال فأين حكمته من حكم أستاذي كامل الساخرة وهو يفاجؤني ينظرية جديدة. كل شيء سيعود إلى حاله .أمريكا لن تسلم العراق لإيران بسهوله وخير الناجين من وقف على التل وتفرج.أبو هريرة من جديد. لم أصدقه وهمهمت مع نفسي: حقا إنها لغريبة مدينتنا التنومة بعد سنين طويلة ثاب كامل الرامي إلى رشده فربحت التنومة واحدا وخسرت اليوم آخر. لابد لنا من تصنع العقل لكي نكون حكماء فننجو من الحسد وأنا مثلي مثلهم يوم حملت فانوسا وذهبت في النهار إلى المشفى.جعلنا غياب الكهرباء المزمن والماء حكماء . في ذلك اليوم أول يوم للانتفاضة حسمت التنومة أمرها. كانت تتجمع مثل السيل وتقول لا بصوت واحد.أكثر من سيل يتحدث. وفي مثل هذا المشهد تعود المدينة كلها إلى ذاكرتها فيختلط على الرؤية أشخاصها ولفحات البرد الهابة من العشار تبدد مابقي من التوجس في النفوس لتبسط ظلها إلى اقصى الحدود.أبدا لم يعد للخوف موضع في القلوب.هؤلاء نهشونا منذ عام 1968..خندق واحد أم خندقان؟. فخ جديد فما أغبى الشيوعيين.السيد النائب الحمل الوديع هناك من يدعي أنه سوف ينقلب معهم في خندقهم والبصير البصير لايرى إلا خندقا واحدا لايسع لحزب آخر.

عجيب أمرنا نحن أهل التنومة كنا نتهم بالعمالة لموسكو عام 1963 ثم جاءت موجة البعث عام 1968 فاتهمتنا بالعمالة إلى إسرائيل لنتحول بعد الحرب إلى جواسيس خمينيين.أليس من حقنا أن نحب ماركس ولينين وعبد الكريم والخميني وجيفارا .. الأسماء كثيرة.. أي اسم كان مثلما يحب المراهقون والمراهقات اسماء عبد الحليم وفريد وأم كلثوم.أنا كنت أحب ممثلي الكابوي.شارلي شابلن يمشي مثل مشيتي،وأشاطر ابن أختي متابعة توم وجيري..الأستاذ كامل كان قبل انقلابه العبثي قوميا ناصريا أحببناه بكلتا حالتيه وكان أقرب الناس إلي انا تلميذه وأحب معلم من معلمي مدرسة التنومة إلى قلب والدي نحن مثل أي بشر يحبون ويكرهون أم كتب علينا القدر أن نرغب ونهوى وفق هوى الآخرين ونعشق بقلوب غيرنا؟كنتِ أيتها التنومة تزهين بألف بيت، ناحية تتخايل بطولها الفارع من الزريجي إلى باب سليمان.ناحية تحتضن الحدود الجنوبية.تهيج فيها مرة موسكو وأخرى فلسطين.تعيش بدروبها شوارع العالم بلا عُقَدٍ ثم تصبح بمرور الزمن قضاء. تكبر وتنتشر بيوتها كحبات القمح كالطاعون..كأيّ شيء جميل أو قبيح. كانت مثل دجاجة تنفش ريشها أمام هرٍّ يستفز صغارها وهي تسمع نداءات العشار،وتنصت إلى صرخة الجامع استغربت كثيرا فهذا الصوت لايشبه صوت صهري صبيح الذي تركته في المسجد وخرجت :

الطاغية سقط بشرى لأبناء التنومة.

ثم تغير الصوت:

أكملوا المشوار هو الزحف!

هرولت باتجاه المسجد وفي منتصف الطريق سمعت جلبة وضوضاء ورأيت حشدا من الشباب مدججين بالسلاح.رمقت الدرب الفرعي المفضي إلى منطقة الكلاب فوجدت الأسير الفيلسوف مازال كالتمثال واقفا في باب منزلهم يتأمل المشهد من دون حراك.كنت أ سمع صوت نار كثيف... الاصوات الصادرة من المسجد تشدني وقد تركت الرامي وحده يعبث بأوراق الفرقة التي ازدحمت بحشد قدم عبر ضفة النهر عن طريق بيت زعير. وبينما كنت اتخذ طريقي إلى المسجد سمعت صوته يهتف بي :

عبد الله إلى أين أنت ذاهب!

إلى المسجد لأعرف ماذا يجري!

دعك من المسجد ما الذي تجدفيه؟تعال معي!

هل هناك من أمر!

الكلب راجي المزروع أطلق النار على بعض المحتشدين!

مات أحد؟

شخص واحد!

ووضع يده في معصمي مؤكدا:

تعال نر كيف يموت الكلب!

يداك فارغتان ماذا وجدت في مقر الفرقة؟

ضراط!

ليس ثمة من وثائق؟

أقول لك ضراط! وأكد وهو يضع يده على كتفي:

لاشيء دعنا نر كيف يموت أحد الكلاب!

..ولعلني لا أكون مغاليا حين أقول إن تلاميذ الأمس الصغار قد ينسون سني الطفولة وبعض ملامحها فهم قبل كل شيء أنقياء لايبغض بعضهم بعضا قط. قد يكرهون بعاطفة آبائهم وأمهاتهم ويحبون بعواطف أخرى لكنهم سرعان ماينسون فيتشاجرون ويتخاصمون ثم يعودون سريعا إلى اللعب والمرح أما الأمر الذي زادنا نحن زملاء الطفولة وغالبية أهل التنومة كرها ونفورا من المزروع فهو زيارة الرئيس لبيته بداية الحرب العراقية الإيرانية.لم يختر فخامته أي بيت. التنومة التي خسرت الكثير من أبنائها في الحرب يجيء إليها الرئيس فيختار من بين بيوتاتها بيتا بمواصفات خاصة. تجاهل الرئيس أو من نظموا برنامج زيارته بيوتات عريقة كثيرة.

هل جاء الرئيس في زيارة مفاجأة أم شريط آخر غيرشريط القادسية الذي احتل الأزمنة والأمكنة.مكان السوق حيث تباع الخضار والفاكهة واللحم والسمك يصبح مسرحا وشاهدا على الحدث الجديد الأول من نوعه بيت المختار... شيخ بني تميم... شيخ العيدان... عميد بني أسد .. ولم يقصد بيت أبي مجبل السنيّ ، ولا الحاج محمود عبد الرزاق الذي زوج بناته الأربع لشباب من عوائل شيعية،وربما للحاج عثمان سوابق أيسرها أنه اعتقل في الحملة على الشيوعيين عام 1963،بيوتات عريقة تركها سيادته واختار ابن المزروع البدوي الوهابي.تلك الزيارة منحت آل المزروع امتيازا خاصا في شط العرب فحالما صرع في الحرب مسؤول الفرقة الحزبية اختار البعثيون ابن المزروع مسؤولا للفرقة.ربما فهمنا متأخرين لم اختاره معلم الدين القومي مؤذنا وإماما للصلاة فلم نكن نعي بعد أن فخامة الرئيس الذي يفخر بجده الإمام علي سوف يسجل أحدث باخرة تمخر شط العرب باسم الوليد ويغير الدعيجي إلى عتبة ومدرسة التنومة إلى المهلب.نسي سيادته اسم جده وباغتنا في بحثه اليائس عن أبي لؤلؤة وقارون فبقيت التنومة تحن لماضيها الأول ولعلها تبحث في أدق التفاصيل لتؤولها بصيغة غير مألوفة.

كانت التنومة في تلك اللحظة تستعيد ذكرياتها القريبة والبعيدة فتتوجه إلى منزل المسؤول مدججة بالسلاح!تمثيلية تجري بإشراف معلمنا القديم الرامي بطلها أحد تلامذته العاقين، وتلميذ آخر أعرج يتبعه.. لم يكن ابن المزروع لحظة الانهيار الكبير في مقر الفرقة.ولم يتوار في مكان ما مثل بقية البعثيين الذين آذووا الناس!

كان في داره كأنه يتحدى الجميع!

ولم يكن في نية أي من الثائرين أن يقتله لولا أنه أطلق الرصاص من على السطح باتجاه الشارع العام فقتل أحد المتظاهرين.كان يمكن أن يبقى ساكنا مستسلما فيتم أسره أو تصحبه جماعة إلى المسجد فيتبرأ من البعث ويعلن توبته غير أن السيف كما يقول المثل سبق العذل.اندفعت مجمايع نحو المنزل.هربت زوجته من الباب هي وحموها وأولاد لها فاعرض عنهم الناس وأقبلت بعض النسوة نحو عائلته يطمئِنَّ المرأة وأولاده وأخاه الأصغر.العائلة لاذنب لها. تحدث أكثر من صوت، وسمعت صيحة امراة:

- أنتم لاذنب لكم.

- هو المجرم!لن نأخذكم بجريرته!

تسلق متظاهرون مسلحون جدار منزل مجاور وأشارت يد أن اتبعوني. صاح مسلح:

أنه ينط من سطوح البيوت باتجاه الرقعة الخراب.

قد يتسلل منها نحو النهر فيختفي بين البساتين!

في لحظات سدت المجاميع المسلحة مداخل محلة " الكلاب" ومخارجها.كدت أضيِّع الأستاذ كامل لكني سمعت صوته يحث الناس قريبا مني:

- هذا شخص مسلح لاضمير له قد يطلق النار عليكم!

- احتموا بجدران البيوت من رصاصه.

راح المسلحون ينطون على السطوح وآخرون يهرولون نحو الخربة خلف البيوت.فاتني أن اشهد حفلة الإعدام لكني سمعت صوت إطلاق نار كثيف داخل الأرض الخربة .قلت لنفسي إنه النمر ذاته فأنا كنت أؤدي دور الظبي..هكذا هو الدور الذي لم يرسم ملامحه إلا معلم مدرستنا الذي اختار النص وأخرجه فشاء القدر له أن يموت في حرب الخليج الأولى،فيأتي الرامي مشرفا بديلا عنه..وعندما وصلنا إلى هناك رأيناه جثة هامدة في بحر من الدماء وأحد المتظاهرين يدعك وجهه بحذائه وآخرون يقذفونه بسيل من البصاق وعرفت موتورا فقد أباه وعمه وثلاثة إخوة بتهم الإسلام واليسار والعداء للحزب يرقص على صدره ويزعق متفضا دون وعي:

- أديروا وجوهكم فلن أجد مرحاضا أبول فيه غير هذا!

أشحت بوجهي عن المشهد،وآمنت حقا أن صفحة معتمة لطفولتنا تنتهي وفق تلك الطريقة البشعة من العنف.سمعنا عن أخبار بشعة ونحن صغار. رووا لنا مصرع العائلة المالكة البشع.وأخبار السحل.وقتل اليساريين في الشوارع، وإعدام الزعيم غير أننا لم نمارس القتل بايدينا.نعم مثلنا دور الوحوش في الغابة ونحن صغار،والآن لانقتل اتقانا عمن سبقونا،.راجي المزروع الذي مثل دور النمر أصبح ظبيا.. أرنبا.. ضبعا ينهزم من دار لدار،والغابة العامرة بالأشجار صارت خربة يُقتَل فيها أما أنا تيمورلنك فقد تحولت من ظبي إلى أحد النمور..زمن فيه تنقلب كل الأمور..من لم يكن معنا نقطع لسانه عبارته الشهيرة.ربما تكون ساعة تشف وشماتة. أنا لست بملاك.حقا زمن الملائكة مضى.ترتنتي ومجموعة الممثلين تحاصرني. هذه المرة ليست kiss kiss مع الرمي والمسدس والإطلاق..إنها تف تف مع الرمي.الأستاذ سليم بن البلام أول عضو فرقة سقط بداية الحرب حسان الدويك أو الديك وفق فحولته آخر عضو في الفرقة نهشته الحرب.أكلت الحرب أبناء التنومة والآن كتب عليها أن تأكل أبناءها بنفسها. تمزقهم بمخالبها.إنه قدر أعمى وضعها بين انيابه.رئيس الفرقة ابن المزروع صار منخلا برصاص أصدقائه،وأنا أشفق من المنظر إلى حد البكاء.لابد أن تخطر ببالي جثة حسان الدويك معلم العربية والصف الثالث الابتدائي وموضوع اليتيم في العيد لذلك يقفز إلى ذهني اليتيم كلما وقع بصري على ابنه الصغير من زوجته الثالثة..أتذكر مشهدا قديما للموت والفوضى عشته قبل أوانه مع راجي المزروع والدويك وآخرين من طلاب الصف.ظبيّ يتهادى ومجموعة حيوانات كل منها يفخر بقوته،أما الظبي فهو دوري أنا رحت أتهادى بين الحيوانات أفخر برشاقتي وقفزاتي بين الجبل والصحراء..ربما هي عقدة النقص التي فهمتها متأخرا..تناسى الدويك عرجي واختارني ظبيا..جمال وحسن كحسن التنومة ورشاقتها حين يداعبها نسيم شط العرب أيام الغروب في الصيف.فجأة توقفني أنت.أنت النمر.المعلم حسان الدويك قال لك أنت يا راجي المزروع تؤدي دور النمر.احفظه جيدا عن ظهر قلب تهاجم الظبي تخاطبه أنا النمر أنا النمر فأين من يدي تفر! أنت الآن ممزق.مثل وحش أصابه شلال رصاص. عين تبكي وأخرى تغازل ترنتي وفي ذاكرة الأهالي أن جثة المزروع ظلت في الخربة فأكلت بعضها الكلاب أما أهله فقد آوتهم إحدى عوائل التنومة طوال أيام المحنة، ودفعت الشفقة كامل الرامي فتطوع ودخل الخربة من غير أن يعترضه أحد.سكران أم صاح لايهم..لا أحد يصدق أنه صاح أية ساعة لا يعلمها إلا الله..كان الناس على ظنهم الأول فيه من السكر والعبثية فدفن الجثة على طريقته.الإمام والدفان رجل سكير فأي عقاب ينتظر الميت المقبور.سمعت كغيري أنه جاء بالمسحاة وأهال التراب على الجثة ظانا أن القبر يكون وفق مافعل..لايدري ماذا فعل..ليست هناك من حفرة كما يتهامس الناس..بعد ذلك جاءت كلاب سائبة وأزاحت التراب عنه من جديد، وحين قُمِعَت الانتفاضة ذهبت عائلة القتيل إلى مكان دفنه فلم يجدوه فرجعوا إلى الرامي الذي رد عليهم إنه متأكد من دفنه كما هو متأكد من يديه هاتين ومسحاة الحفر أما كيف خرج من القبر فلا علم له به كيف اختفى...

ربما قام كما فعل المسيح.بهذا تهامس الشامتون المقهورون..

ربما نبش العصاة القبر ونقلوا الجثة إلى مكان...

هكذا ظن أهل القتيل وسارت في الناس حكاية أخرى أن الأرض لفظته،وبين هاته وتلك فهناك من يترحم ومن يتشفى..موت الرفيق أصبح خرافة ومصرعه أضحى مدعاة لفقدان الثقة بالرفاق وسببا في تيار العنف.ودفع مصرع متظاهر آخر المجموعات المسلحة إلى مداهمة بيوت كبار البعثيين، فطورد أحدهم عند البيوت المجاورة لمدرسة شط العرب حيث أبدى شراسة اليائس قبل مصرعه.لم يُقْتَلْ أحد لكن الحادث خلف أربعة جرحى. كنا بأمس الحاجة إلى طبيب يعالج جروح المصابين فاستقل أحد الفتيان شاحنة قديمة سارت تبحث عن طبيب فعادت بعدئذ بطبيب بيطري. وتغير الوضع في المسجد.أصبحنا نعاني مشاكل لاقبل لنا بها.لاكهرباء. لاماء..اضطرننا أن نتعاون فنذهب إلى شط العرب نعبيء الماء،أما الجامع فقد تغير الوضع فيه.خرج عن يدي بالكامل قبل أن أتطفل أخيرا فأقوم بمحاولتي الساخرة لاعن تخطيط ولا عن دراسة فيستسلم لندائي لواء كامل ويترك جنوده أسلحتم فيتوارون برمشة عين!

ترنتي قادم..لامحالة قادم..ياترى هل فعلت مثله.لكنه استولى على سلاح الرجل الشرير ثم قتله، وأنا لما أزل لاأعرف الرمي. السيارات العسكرية مكدسة في مواضعها...الدبابات...الأسلحة في مقر الحزب.. ومركز الشرطة ومواضع الجنود والجيش الشعبي.. الناس تنهب، وكامل الرامي يفتش في مقر الفرقة عن كتاب مهم أو وثيقة سرية..صهري جمع بنادق كثيرة ثم جاءنا أناس يطلبون سلاحا فزودناهم مما رزقنا الله. كانت إحدى أختيّ تقف خلف البوابة تلتقط أية رشاشة من كدس بجانبها وتناولها لأي عابر يدق بابنا يقصد الذهاب للقتال.وعندما بقيت في بيتنا أربع رشاشات وحاصرنا الوقت ألقيناها في بالوعة المرحاض. سلاح كثير... في كل مكان ونحن لاندري ماذا نفعل ومنا من لايعرف كيف يطلق النار وبأية طريقة تعمل الدبابة.أصبح المسجد القريب من بيتنا مركز أية حركة. كنت أدخله مثل أي غريب.بعضهم يعرفني وآخرون يقع بصري عليهم للمرة الأولى،شاهدت أناسا غادروا البلد منذ سنوات وعادوا يقودون المجاميع المنتفضة فيسيطرون على الشوارع ومداخل الازقة والحارات،ومن الغرباء من راح يدون أسماء ويسجل عناوين. وغطت الحيطان بعد يوم من الانتفاضة صور معممين ورجال دين عراقيين وغير عراقيين ثم انتشرت العدوى إلى البصرة والعشار والخورة والسيبة.كانت هناك أياد تعمل نراها ونحس بها فلا نميزها.مَنْ هؤلاء ولِمَ كل هذه الصور المثيرة للريبة؟قد تكون فعل البعثيين أنفسهم وربما يكون هو غباؤنا الذي جعلنا لاندري - بعد أن حملنا السلاح- مانفعل،وصدق ذلك الذي أسر لي أنه يدعي كونه عاقلا خوفا من الحسد إذ اعتكف في بيته مبتعدا عن المعمعة.كنت أرافق من أهل محلتنا أحد الجنود السابقين في قسم المدرعات إلى إحدى الآليات لعل عنده معلومات تنفعنا في أن نشغل بعض الدروع المهملة الجاثمة في بستان أصفر.فيروح كلما دخل مدرعة يلعب ببعض أجزائها يفكّ ويركِّب ثم يُخرج حفنة من البراغي ويعقَّب ساخرا:الروس كرماء زيادة عن الحد كل هذه البراغي فائضة عن الحاجة زائدة لاتضر ولاتنفع ربما لو فتحتم أية دبابة أمريكية أو إنكليزية لما وجدتم مثل هذه الكمية من الفائض فماهو سبب العطل ياترى؟

كان يهز رأسه مؤكدا أنها لوالب فائضة عن الحاجة ويدعي أنه لايملك المفكات والأدوات الضرورية كيما يصلح العطل.أصبحنا كلنا في لحظات..في ساعات..حكماء نعرف كل شيء. نفهم في الدروع والكهرباء والنفط ونحمل رشاشات لانعرف كيف نصوبها ثم نجد أية حجة نغطي بها فعلتنا. هي المرة الأولى التي نحب أن ننهزم فيها،أنا نفسي ظننت أن إطلاق النار سهل مثلما يفعل ترنتي وكاري كوبر ..فهل أدرك شوارسكوف هواجسنا؟ كنا على يقين أنه سيواصل زحفه إلى بغداد، وما هي إلا بضعة أيام وتصبح العاصمة في قبضة النسر.سيلتقطون صدام حسين مثلما تلتقط البوم جرذا من ذيله.

انتهى يارجال كلّ شيء فلا تخافوا..جنود القادسية يتركون أسلحتهم ويلوذون بالفرار..ياعالم.. ياناس..هذه هي أمريكا.. أقوى دولة في العالم..لا قادسية ولا إيران ولا تركيا ولا بطيخ...

إذاعة الجامع تبث الأناشيد الحماسية .

التنومة تعج بالحركة.

العطش وشحة الماء.

في المسجد يوزعون الطحين والرز.لجنة تتشكل من بعض الأهالي واللاجئين العائدين من إيران والغرباء تسجل حاجات الناس وتحرض على الثورة.المحافظات جميعها انتفضت.وأنا مثل غيري أذهب إلى الجامع أسأل عن سكر وخبز وطحين.التنومة حبلى بأبنائها العائدين من الحدود الشرقية، وحبلى بالغرباء ومليئة بالحيوية والتعب والصخب الصادر من سماعة المسجد،ومن مكبرات صوت انطلقت من بيوت وحسينيات وأماكن تعجز الذاكرة عن حصرها،وكانت جدران البيوت المطلّة على الشارع العام تنطق عن هذيان غريب، وصور تثير الشكوك،ولم ينتبه أحد إلى أنّ مابيننا والعشار أصبح مقطوعا تماما منذ أن دمرت ضربة للتحالف جسر التنومة فلم يجرؤ بعدها احد بالمغامرة حتى خلال سماع الهتاف من مركز العشار وسقوط ساعة سعد.أي جنون يدفعك لأن تستقل زورقا وتغامر بالعبور ومن أين تاتي الزوارق...ظل شط العرب بسيله الصاخب تارة والهادئ تارة أخرى مثل سكين تشطر رقيّة إلى نصفين فيبدو حشوها بحمرة باهتة ولزوجة ذي صديد يزكم الأنف..وكأن كلّ قطعة من مدينتنا تتحرك وفق هواها..ثيران هائجة جريحة لا تقرّ على قرار..سقطت الفرقة الحزبية ومقرّ القضاء، وقتل ضابط الأمن التكريتي، ومن معه،وهلك المزروع وبعض الرفاق وقبع آخرون في بيوتهم ولا أحد يدري ماذا يفعل..أصبحت غريبا أذهب إلى المسجد وحدي أشحذ الطحين والخبز..في الوقت نفسه راحت الصور التي تثير الريبة تنتشر على الجران.. تنشطر مثل البكتريا،ومعها تبين للعيان شعارات غريبة..

ولابدّ أن يكون العشار مثلنا بل مركزالبصرة.. والقرنة وأبي الخصيب.. لا أظن أحشاء البصرة التي شطرها شط العرب بموجه الحاد تختلف عنا..

كنّا نسمع أصوات مركز المدينة ولا نقتحم الشط لنصل إليه، ولعلهم سمعوا صوتا من التنومة لكنهم بالتاكيد لم يعوا أنّه صوتي..لقد استفقت على نداء العشار وهبت التنومة على ندائي ولا أحد يعرف أحدا في هذا الهيجان العارمالذي يبدو لانهاية له..

ثمّ...

فجأة...

بدأت ملامح القصة الغامضة تنكشف للعيان.لاشيء محال. عدو اليوم صديق الغد، وصديق الامس عدو اليوم.

هكذا من دون أن يتوقع أي أحد ذلك التغير العجيب...

يوقف الجنرال شوارسكوف زحفه...

وتنطق خيمة صفوان عن خبر جديد..

الجنرالات يتصافحون..

الغالب والمغلوب على مائدة واحدة..وفي ساعة ما..أو دقيقة..أم لحظة انفجر البالون وتناثرت أشلاؤه بعيدا فأدركت التنومة نفسها..أدركت أنها كادت تنتحر...أصوات المكبرات التي سمعناها في العشار اختنقت..صمتت ومن كان يقف على ضفة التنومة أبصر تلك الساعة دبابةً تجثم جنب تمثال السياب وتصوب فوَّهتها نحونا..صور اختفت و بقدرة قادر ظهرت بلمح البصر صور كثيرة للرئيس في السوق.. على الطرقات داخل المحلات. واجهة مركز الشرطة، واحتطنا ونحن في بيوتنا فعلقت كل عائلة على الحائط في غرفة الضيافة صورة للرئيس..خلال رمشة عين تلاشت صور وقامت مقامها أخرى!.

صورة واحدة في كل بيت ومبنى وشارع!

كنا مدينة صور وعدنا كذلك!

قتلتك يابنت شط العرب والبساتين صور على الحيطان كما قال فيلسوف مجنون يدعي أنه عاقل وأودت بك صيحات تعج بها الشوارع: ماكو ولي إلا علي نريد قائد جعفري،فيتوقف الجنرال شوارسكوف لحظة يتأمل ولايبتسم لسخرية القدر..ما عليه إلا ان يظهر بقسماتٍ جادة مثل ملامح لاعب البوكر ومن حق الرئيس بوش وحده أن يبتسم وهو يرى العراق كله مغطى بشعارات وصور تبعث في نفسه الريبة والخوف.سوف يسقط العراق بيد إيران. أمريكا تقدم بلدا كاملا بملايينه وشعبه وخيراته لقم.

لا أحد يتوقع الخبر.

خيمة صفوان حاضرة، وتعود إذاعة بغداد للحماس والتلويح:

شكرا لكم ايها الجنود الابطال لقد دافعتم عن الرئيس وحققتم هدف أم المعارك!

هكذا كانت..مثلما بدأتهُا لعبة من الجامع المجاور لمنزلنا..بدأتْ لعبةأخرى اشد قسوة من الأولى وبهذا الشكل انقلبتْ الموازين.

هل نحن في حلم أم حقيقة.؟اليوم الذي أملنا أن يُلتقَط الفأر فيه من ذيله فيُحَلَّق به بعيدا انمحى من الذاكرة.أقصى مانأمله أن جيش التحالف سيلقي القبض على فخامته كما فعل مع الرئيس البنمي نورييغا.هناك سيقولون له شكرا انتهى دورك. أنت الآن تعيش معنا لك هذا البيت الواسع الكبير.. ساحة تنس.حوض سباحة أثاث..ملايينك كما هي في بنوك سويسرا .ماكنا ياصاحب الفخامة لنجرؤ على العودة إلى الخليج لولا جهودك. بفضلك حملت بواخر البدو أعلامنا وبجهودك جئنا ومعنا جاءت تبارك جيوش الإنكليز والفرنسيين والعرب أيضا.

ستكون محترما هنا أكثر من صاحب الوجه الأناناس نورييغا...

لكن لِمَ توقف الجنرال شوارسكوف!

بغداد كما خيّل للعالم بدت غريبة الأطوار.. علاء الدين مشغول بملاحقة اللصوص،السندباد يصارع الموج فلا ينجو هذه المرة.. المغول على الأبواب، أما الخليفة فقد كان يعد صناديق الذهب ويستنشق قوارير العطور..فمن يصدق أن شوارسكوف تأمّل قليلا ثم أوقف الزحف..أتراه خشي من صورة على الجدار أم بعث في نفسه الريبة والشكّ شعار؟ذهول.. وجوم.. يأس من جديد. سيعود الرفاق أكثر شراسة.وسوف تتعرض التنومة إلى حملة إبادة أخرى.بيتنا يغلي. نفتح أنا وصهري غطاء البالوعة فنرمي فيه البنادق.آخر جيب بقي للمقاومة. التنومة من جديد تبحث عن الموت.ولكي نصدق أننا لسنا في كابوس ثقيل نجد طائرات الهليكوبتر تحلق فوق البيوت،ويهز سياج حديقة بيت الجيران شيء ما فأصعد السطح مستطلعا.كان جندي دبابة جاثمة عند مدرج المعبر الشعبي في ضفة العشار يطلق النار على أية حركة تصدر عن حارتنا فأصابت إحدى قذائفه سياج الجيران.تحققت النبؤة المشؤومة.سقطت جميع جيوب المقاومة في البصرة، وبدأت المجازر، أصبح الجيش يباشر ببناء جسر عسكري يربط بيننا والعشار.

الانتفاضة اندحرت.فأين المفر؟

 

د. قصي الشيخ عسكر

.....................

لابدّ أن أشير إلى أني خلال زيارتي إلى البصرة قبل أعوام بالضبط قبل إلقاء القبض على رئيس النظام السابق بثلاثة أيام وخلال مداهمة وكره كنت أستنطق بطل الرواية الرئيس وهو على فكرة هو ليس بأعرج لكني جعلته أعرج لغرض فني فكري فلسفي إذ لا يمكن أن نتعاون مع الواقع كما هو في صياغة عمل روائيّ لأني لا أسجِّل فقط كما إن الرامي لم يترك الخمر إلى أن مات رحمه الله وهم أنفسهم- أي أشخاص الرواية ماعدا الرامي الذي كان قد مات - طلبوا ني أن اتخذ لهم أسماء مستعارة خشية من أعمال ثأر محتملة.

استغرقت الرواية سنتين وحين بعثتها إلى شيخ النقاد المصريين الأكاديمي الدكتور يوسف نوفل أخبرني أنها من الأعمال العظيمة ويجب أن ترى النور وقبل سنوات أرسلت نسخة منها إلى الناقد الأديب الكبير الدكتور صالح الرزوق فأسف أن الرواية لم تر النور إلى الآن وأرسل مشكورا صفحتين منها إلى إحدى الصفحات الورقية فأخبرته إني سأقوم بنشرها على حلقات في المثقف.

فشكرا لهذين الناقدين الجليلين كما أني اشكر كل من علق وابدى رايه في الرواية عندي نشري الحلقتين السابقتين ومن هؤلاء الناقد القدير جمعة عبد الله.

الرواية في قسمين الانتفاضة القسم الأول والسجن القسم الثاني وهي بحدود مائتي صفحة كل قسم بمائة.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم