صحيفة المثقف

اليربوع الذي سرق عينا آدمية

فتحي مهذبثلاثون سنة ونيف

كل سنة حزمة من المسامير التي صنعت في ورشة الشيطان..

صار يتقن لغة المرايا المتحولةذات اللغة الزئبقية المشفرة..

لقد شهدت المرآة تحولاته الفيزيولوجية والروحية والعصبية على مر عقود ثلاثة وهذا يعزى الى العدسة اللاصقة التي أساء استعمالها طوال شهرين محدثة ضررا فادحا في عينيه الكستنائيتن المشبعتين بخضرة خفيفة.. مخلفة آثارا جانبية مزمنة..

تعرت شجرة أهدابه وامتلأت حواف عينيه بالقذى الذي ما فتئ يتجدد باستمرار مذهل كما لو أنه خلية سرطانية خبيثة..

لم يجد بدا من اللجوء الى مرآته ليتأمل هذا العراء الذي خلفته العدسة اللعينة ..

عبثا كان يزيل القذى المتجوهر في أطراف عينيه..ليتجدد بعد سويعات..

اختلف الى أمهر الأطباء النطاسيين

في هذا الاختصاص لكن لم يتغير

شيئ .. باءت كل الأدوية بالفشل..

العدسة كانت وراء هروبه من معتقلات الجسد الى جسد شفاف خارق مليئ بالأسرار يسمى مرآة..

وقد تعمقت علاقته الأيقونية الأثيرة بها .. اغتدى كائنا مرآويا مهجوسا بالتحديق في تفاصيل عينيه اللتين صارتا موضع   فضول الآخرين ..

كان يتوسل للمرآة أن تحول عينيه الي عيني الاه أسطوري خاليتين من الشوائب والمثالب ليقاوم خفافيش النهار التي تهاجمه حتى في غابة النوم المترامية الأطراف..

صار مولعا بالنظر الى كل شيئ ذي عينين..حتى الذبابة المهملة القميئة كانت مثار تأملاته العميقة..

-لماذا لا أملك نظرا ثاقبا مثلها..

وجناحين مدهشين يساعدانها على استفزاز أرنبة أنف الملك أو لسعة شحمة أذن المومس..

كان يرى استعمال النظارات ضربا من الحوب والمعرة وطفق بصره يغور مثل شمة في النزع الأخير..

كان لسوء استعمال هذه العدسة اللعينة التي غيرت مجرى حياته

وقلبت مفاهيمه رأسا على عقب..

انهالت على عقله طوابير من النيازك الهائلة محدثة تشققات فظيعة لا فكاك له منها..

هل ثمة حفرة عميقة داخل روحه?

كان يردد دائما أن روحه الهرمة كانت فيما مضى تسكن جسد يربوع أعمى لما دهسته شاحنة مجنونة ذات ليلة شتائية مرعبة

انتقلت الى حيز جسده الملعون

لما قذفته أمه مثل غوريلا متعفن في أحد المستشفيات ..

لكن لماذا يراوده احساس كابوسي بأن شيئاما ما عتم يجذبه الى سلالة اليرابيع صار يكره الأماكن العمومية ويأنف من معاشرة البشر

ويختلي في غالب الأحايين في المرحاض ..انه يجد راحة غريبة

داخل هذا المكان الشبيه بقبر متعطن .. يخرج مرآته.. يتأمل عينيه المتآمرتين اللتين دمرتهما

العدسة اللاصقة .. يمضي ردحا من الزمن مثل يربوع ضخم تلاحقه هراوات جحيمية وأشباح

هشة لأموات المذابح الطائفية..

ثم يدس المرآة في جيبه وينصرف

ثلاثون سنة مضت..

-ماذا فعل أطباء العيون ..

-لا شيئ..

لم تفلح وصفاتهم في تقليص هوة

الحزن التي خلفتها هذه العدسة الملعونة..

البائسة أمه نهرته مرارا ليستنكف من هذا الكائن الدخيل في عيني الجميلتين بيد أنه أصر على إيذاءهما بأصابعه التي تشبه مخالب يربوع هجين..

بعد زمن غير قصير اشتد حنينه الى استعمال هذه العدسة الكابوسية فتح عينيه المتهدلتين ثم أدخل هذا الكائن الغريب في حدقتيه ..

أحس بوخز شديد أضطر الى نزعهما بسرعة جنونية لكن هذه المرة لم ينزع العدسة بل قلع عينه

التي سقطت من بين أصابعه مثل

جرم زئبقي شفاف ليلتقطها يربوع

يترصد حركاته بدهاء مفرط متجها نحو المرحاض بسرعة نيزك .

 

فتحي مهذب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم