صحيفة المثقف

الصَّمْتُ مَوْتٌ في الزَّمَنِ النَّازِي

علجية عيشطالما تساءلت ونفسي كيف يمكننا مواكبة العولمة ونحن مازلنا مجردين من كل الأسلحة، لا أقصد أسلحة الحرب المدمرة التي صنعها غيرنا، من هم أقدر منّا على الابتكار، إذن هي مجموعة من المعايير لم نتعلمها في حياتنا اليومية ولن نتعلمها ما حيينا..، فالالتزام، العدل، الحق، احترام الآخر، والرأي الآخر، الأخلاق، المصداقية، الصدق في القول والعمل، الضمير، وقيم أخرى تجاهلناها في غمرة من الزمن، من أجل تحقيق غاية ما، كنت أتساءل في همس: أنحن في حاجة إلى زمن آخر غير زماننا لنعيد حساباتنا؟، لنبني حياتنا؟، أم يكفي أننا نكتب باستمرار لنعبر عن واقعنا، وإذا كتبنا فهل يوجد قارئ؟.

الكتابة تحتاج إلى لغة شفافة، حتى يتحول الحوار إلى سياق إنساني حيّ، وإلى قارئ لا يقبل بالسطحية، حين يقرأ ينفعل ويفتعل، قارئ يعي ويتدبر، يقرر ويندد، ولا يقف متفرجا، الكتابة موقف، قالها أحد الكتاب الحداثيّين، بل هي التزام بقضية المجتمع والعالم ككل، هي نوع من النضال الواعي، لإبرام عقد جديد مع المجتمع، ويتجدد السؤال حول ماهية النضال ومدلوليته، هل يشترط على المناضل أن يكون منخرطا في حزب أو جمعية أو حركة أو منظمة؟ ليرسم صورة المجتمع البائس، ينقلها إلى من هم أعلى منه درجة، أقصد الذين في يدهم صنع القرار، وسرعان ما يخاطبني عقلي: الكتابة نضال متواصل، نحطم به جدار الصمت..، الصمت موت في الزمن النازي، يا أنتَ..فجِّرْهَا، وارفع صوتكَ وقل "لا"، لأنك عاجلا أم آجلا ستموت ..اليوم أو غدا، لا تخف من الموت، فنحن موتى بالحياة، لأننا نعيش في اللاّ معنى..

هذه رسالتي لكم أنتم الذين قتلتم روح الإنسان وهو على الأرض، أبيتم إلا أن يسكن تحتها قبل الأوان، قتلتك روح ذلك ألإنسان، ومشيتم في جنازته وحضرتم تشييعها، قلتم مسكين لقد مات وهو في قمة العطاء، وتجاهلنا أنكم أنتم المجرمون الذين قتلتم صوت الحق، وعلى المشرحة أعلنتم موت الحياة، نشرتم التعازي في صفحات الجرائد، كتبتم مات الرجل، ولم تكتبوا "و ماتت معه جرائمنا" (عفوا أسرارنا)، يا أنتم.. أنتم الذين أيديكم ما تزال ملطخة بالدماء.. دماء الأبرياء وأنّات اليتامى والأرامل، فإن كانت الكتابة هي صوت المجتمع ومرآته، حريٌّ بكم يا كُتّابْ ويا مُثَقَّفِينْ ويا أحْرَارْ أن تزرعوا بذور الحق في الفضاء الذي تستحقه، إنه "الموقف"، وأمامه يقف الإنسان عاري الرأس، مكشوف الوجه، حافي القدمين، مرتفع القامة ليقول كلمة حق حتى في وجه جلاده..

الصمت موت في الزمن النازي، زمن ضاعت فيه كل القيم، زمن ضاعت فيه قيمة الإنسان حتى وهو على نعشه يقتاد إلى مكانه الأصلي، نقف هنا أمام نوعين من الناس، النوع الأول يمضي وهو مبتهج لأنه رحل عن عالم ينبذ الضعفاء، يمضي حاملا معه ثمار بذور خير زرعها في حياته، يمشي مطمئن البال، أما النوع الثاني يمضي تاركا وراءه القصور والدكاكين والأموال مكدسة في البنوك، يمضي تاركا وراءه أبناءً يتقاتلون وهم يقتسمون التركة، يمضي هو فهو يبحث عن جواب يقدمه : من أين لك هذا ؟، وتراه يتوسل الغسّالون لكي يرفقوا به، ينتظره عذاب عسير، أما القبور فقد تحولت إلى حظيرة حيوانات، لا تصلح أو ترفض البتة استضافة روحه النتنة ( أفلا تعقلون؟)..

من مرارة الزمن الموبوق نكتب، ونصرخ في العالم المستكين، كصرخة أمل دنقل الذي لم يسمعه أحد حتى موته ونقول: نحن أمّة تقتل مبدعيها، وتقدس اللامعنى، أمّة تعيش اللامبالاة والفوضى، فبقيت بلا وجه، بلا هوية وبلا وطن، حكمها هو القاضي وهو الجلاد في زمن العبودية، يحكمها بسوطه وسلطته، سألت كل الفلسفات، وكلما أقف على واحدة من هذه الفلسفات، إلا وتزداد حيرتي، فكل الفلسفات التي تدعو إلى الإحساس بالناس ومشاعره بدت لي خرافة قراناها ونحن على مقاعد الدراسة، وهي مصطلح لمفهوم العدمية.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم