صحيفة المثقف

لحن اورفيوسي

عقيل العبودبعيدا عند تموجات ذلك الصوت، فيروز كما اعتاد عليها، لحن تمتزج أغنياته مع كلمات تعوم كما اسماك زينة في حوض زجاجي يطل على حافة زاوية متعبة من زوايا بيت قديم.

قلب تخفق نبضاته، صاحبي تلك الملامح التي ما زالت يرتدي أهداب أحزانها نظرات مسكونة بالخيبة، لولا بصيص أمل متجول.

هو جالس ينصت عبر سماعة اذن اعتاد ان يستخدمها تلافيا لضجيج الجالسين، ورغبة ينتابها البكاء للعودة الى ماض ما زال يسكن ذاكرته، نشوة امتزجت صبغتها حتى تَـالفت مع هيبة اريد لها ان تحيا وفقا لأنغام فن لم يمت.  

المكان قاعة كبيرة تضج بأعمار، ستينية وسبعينية ويكاد ان يشارف بعضها على الثمانين والتسعين؛ فضاء مغلق يشبه نادي الجامعة- الكافتيريا ايام زمان.

الكبار كعادتهم يجلسون كل صباح مع موعد تناول الافطار وتداول الأحاديث باصوات متناوبة، حوارات عامة مع لعبة الدومينو والبليارد، يرافقها أكواب من القهوة بالحليب، في فضاء ترفيهي عام، وبضمنها ايضا زاوية مخصصة لممارسة بعض ألعاب الرياضة.

اما ذلك الجالس فتراه متسمرا في مكانه كأنه يتحدث الى نفسه فقط.

ابتسامته هي الاخرى تأبى ان تفارق اثار محبتها، تشاركه الكبرياء.

هو أشبه بقصيدة بقيت كما ضوء يشع من كاتدرائية تم تعليقها عند سقف تتلألأ عند أطراف زواياه صورة موناليزا من نوع جديد، قلادة يحملها في قلبه ذلك الاسم الذي ما زال يتردد على لسانه منذ ذلك الزمان.

لم أكن اعرف ان حكاية هنا تكاد ان تفرض دموعها لتكون على نمط أسطورة اورفيوسية تم تركيبها تازرا مع لحن فيروزي تحالفت بعض بصماته مع مشاعر قطعت أصابعها ذات يوم ليبتعد الكلام.

العاشق لم يتسن له ان يطلق ألحان أحزانه يوم ماتت معشوقته التي الم بها المرض مُذ قطعت أصابعه التي هي الاخرى اريد لها ان تطوف بعشقها مع أوتار ذلك العود الذي بقيت انفاسه لعله ذلك القلب الذي أتعبه الخفقان يقدر ان يمارس طقوس محبته التي لم تمت؛ يعبر عنها بطريقة ثانية.

 ***

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم