صحيفة المثقف

الراحل الوردي في ميزان.. الانحراف الجنسي (6-7)

عبد الرضا حمد جاسمالمقدمة: ستجد عزيزي القارئ التالي:

1.في خاتمة هذا الجزء مقطع كتبه الراحل الوردي في كتابه خوارق اللاشعور يعني الكثير فيما يخص كتابه وعاظ السلاطين وانتقاداته للوعظ والوعاظ.

2.هل ان التفكير الوعظي الذي حاربه وشَّنَعَ به وانتقده الوردي بشدة، نقذ الوردي من السقوط في براثن "الشهوة واللذة البريئة" وفي أمريكا وحافظ عليه هناك وهنا؟

تابع هذا الجزء الطويل والذي تعمدتُ فيه بعض التكرار للتوضيح والتعزيز...مع الشكر ايها العزيز.

..................

1.في ص11 مهزلة العقل البشري كتب الراحل الوردي التالي: [قلت في كتاب وعاظ السلاطين ص9: ان الانحراف الجنسي يزداد بين الناس كلما اشتدت عندهم عادة الحجاب والفصل بين الجنسين فلم يفهم إخواننا هذا القول وسخروا به وكان دليلهم في ذلك ان الانحراف الجنسي موجود في جميع البلاد شرقية وغربية وجاؤوا بأمثلة تدل على وجود الانحراف الجنسي في المجتمعات التي لا حجاب فيها وذكروا ان في معظم العواصم الاوربية نواد وجمعيات خاصة باللواطة. إن هذا الدليل الذي جاؤوا به واهٍ من أساسه وهولا يجديهم في جدلهم شيئا. فأنا لم اقل بان الانحراف الجنسي معدوم في البلاد التي لا حجاب فيها انما قلت بان نسبته تقل في تلك البلاد وهذا امر بحثه العلماء ووصلوا الى نتائج تكاد تكون قاطعة.الخ] انتهى

2.ص14 مهزلة العقل البشري كتب [وخلاصة الامر ان الانحراف الجنسي ظاهرة اجتماعية معقدة تتدخل فيها عوامل شتى وليس من السهل ان نضع لها قانونا عاما انما يصح ان نقول: ان تحجب المرأة وانفصالها عن الرجل يزيدان في نسبة انتشار هذه الظاهرة بين الناس ولست أعني بهذا ان الحجاب يخلق الانحراف او يوجده من العدم كما ظن الذين انتقدوا كتابي الأخير] انتهى

3.في نفس الصفحة السابقة كتب:[الانحراف او البغاء او الجريمة او ما أشبه من المشكلات لا تنشأ عن سبب واحد]انتهى

مناقشة:ابدأ من الأخير(3) فأقول الموضوع يخص الانحراف الجنسي لكن الوردي هنا خلط كل الانحرافات" جريمة، بغاء او ما اشبه لا تنشأ عن سبب واحد". الدكتور الوردي يعرف جيداً ان لا أحد قال او يقول او سيقول يوماً ان كل الانحرافات تأتي من سبب واحد. عليه فأن هذا القول يريد به الوردي تشتيت القارئ والتمويه على اعتراض من اعترض عليه.

ان الوردي في مجتمع مثل مجتمعنا لا يعتبر البغاء "انحرافاً جنسياً" ربما على أساس ان البغاء "عمل" او "مصدر رزق"...لكن بعض اللواط كذلك كما اعتقد، صحيح ان ليس له مقرات "عمل" كما البغاء... لكن اليوم أصبحت له نوادي وأماكن. وهنا أيضا يتضح ان الراحل الوردي لا يعرف المجتمع الذي يتكلم عنه وكيف ينظر الى البغاء والبغي و"القوادات والقوادين و الكَحاب و الكَحبجية". ربما في عرف علماء الاجتماع في الغرب كل ذلك مقبول ومبرر ومعتمد وهووارد وربما يقدمون بناتهم وازواجهم كنماذج أو دليل على ذلك.

لكن ماذا يقول الوردي عندما يصطف مع أولئك العلماء ويكون معهم في رأيهم؟ اليس الاخلاق نسبية يا سيدي الوردي كريم الاسم والعائلة والتاريخ؟ نحن نتكلم هنا عن 1951

كتب الوردي"...ولست أعني بهذا ان الحجاب يخلق الانحراف او يوجده كما ظن الذين انتقدوا كتابي الأخير" هذا رد الوردي بعد ان وجهت اليه انتقادات على ما ورد في كتابه "كتابي الأخير" وعاظ السلاطين وبدل ان يعتذر تراه يحاول ان يسفه انتقادات البعض له وعَمِلَ على الإشارة الى قصور فهمهم لما قاله في كتابه الأخير...

الان انقل لكم ما كتب الوردي في "كتابي الأخير" واقصد وعاظ السلاطين حيث كتب في ص8: [دأب وعاظنا على تحبيذ الحجاب وحجر المرأة فنشأ من ذلك الانحراف الجنسي في الرجل والمرأة] انتهى

لاحظوا لطفاً كلمة/مفهوم "فنشأ" وما علاقته ب "يخلق" الذي ظن الوردي ان نقاده ظنوا انه قال يخلق. انهم يا سيدي الوردي فهموا معنى ينشأ وردوا عليك وفق ذلك ولم يظنوا إنك تعني انه "يخلق"...لاحظوا الجهد الذي بذله الوردي في التصرف بين يزيد وينشأ ويخلق...وهذا دليل تحايل واعتداء على النفس والغير كما اعتقد.

ان الوعاظ لم يظنوا أن باستطاعتهم منع الانحراف بالوعظ وحده لكنهم فكروا ولمسوا انه واحدة من عدة طرق او وسائل لمنع انتشاره وتفشيه وغايتهم حسب معرفتهم وايمانهم انهم بذلك يساهمون في التحذير من ذلك. ان الراحل الوردي يقول ان الوعاظ يحبذون أي انهم لا يجبرون ولا يأمرون وانما يُوَّعون/يرغبون / يتمنون حسب فهمهم بذلك وهذا فضلاً منهم عظيم... ثم ان الوعاظ لم يأتوا بجديد لا في وعظهم واعتماده ولا في "تحبيذهم" الحجاب انما استندوا الى نصوص مقدسة تراكمت في "قواقعهم الفكرية وثقافتهم الاجتماعية" لعشرات القرون وعشرات الأجيال فهم معذورين وليس من الحكمة التجاوز عليهم. والوردي هو من كتب التالي في كتاب خوارق اللاشعور الفصل الثالث/الإرادة والنجاح/ص128: [ان كلمة تكرر قولها على نفسك مرة بعدة مرة لقادرة ان تطبع في عقلك شيئا من الايمان بها قليلا او كثيرا والايمان يزلزل الجبال كما يقولون. ينتقد بعض الكتاب القران لأنه يكرر القصص وآيات الوعظ مرة بعد مرة ويذكر الله واثاره في الكون في كل صفحة من صفحاته وما درى هؤلاء المغفلون بان هذا التكرار الذي ينتقدونه هو الذي طبع في نفوس العرب ذلك الايمان العميق بالله وجعلهم يحطمون ايوان كسرى وعرش قيصر في سنوات معدودة...] انتهى

ان الوعاظ يا سيدي الوردي اهتدوا بقولك هذا وحاولوا تطبيقة والاستفادة منه في موضوع تحبيذ الحجاب متأملين ان تكرار ذلك سيفعل فعله في المجتمع.

في كراسة /شخصية الفرد العراقي/بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث/1951 كتب الوردي في ص13 التالي: [ومن الملاحظ ان رجال الدين ورجال الفكر قديما أحسوا بهذه الحقيقة واعتبروا النفس الإنسانية ميدناً لنزاع مرير بين هدى الله ونزعات الشيطان، او كما قال الفلاسفة بين وحي العقل واندفاع العاطفة. اجل لقد أدرك القدماء هذه الحقيقة بشأن الشخصية لكنهم فشلوا رغم ذلك في دراسة الشخصية دراسة واقعية فقد كان دأبهم الموعظة والارشاد وان ينصحوا الانسان بان يكون عاقلاً او خيراً من غيران يقفوا لحظة يبحثون فيها عن السبب الذي جعل كثيرا من الناس منجرفين مع تيار العاطفة متنكبين عن طريق العقل او بعبارة أخر "متبعين لأوامر الشيطان تاركين أوامرالرحمن"] انتهى

و اليكم ما سجله الوردي عن العقل الذي يمتدحه هنا حيث كتب في/ خوارق الا الشعورص32 التالي :(إني اشتهي أن أجعل هذا الكتاب الذي أقدمه بين يدي القارئ صرخة مدوية ضد هذا الدين السائد بين شبابنا المتعلم في هذه الايام و الذي جعلهم يؤمنون بالعقل و يتخذون منه إلاهاً يُعبد) انتهى

ملاحظة: لاحظوا لطفاً التناقض في موضوع العقل!!!!

ثم يأتي الوردي ليدحض نفسه ويقوض كل طروحاته عندما كتب في ص15 من نفس الكتاب[فإذا رُبيَّ الانسان في مجتمع معين واقتبس منه قيمه وتقاليده فمن السخف ان نطلب منه الاصغاء الى نصائح الحكماء التي تخالف ما تعود عليه] انتهى

أقول:ان الوعاظ تربوا كما يعرف الوردي في مجتمع معين واقتبسوا منه قيمه وتقاليده فمن السخف ان يتهجم عليهم الحكيم الوردي ويطالبهم بالإصغاء الى نصائحه التي تخالف ما تعودوا عليه. والسخف الأكبر والأعظم ان يتهمهم الحكيم الوردي بأنهم يستسيغون الانحراف الجنسي وان الانحراف الجنسي يكثر في صفوفهم لسبب بسيط هو انهم تأثروا بما تربوا عليه.إذا كان انتقادهم سُخف فأن اتهامهم جريمة كان يجب ان يعاقب عليها المُتَهِمْ عقاباً شديداً قانونياً و اجتماعياً.

ان "إخواننا" كما سَّماهم الوردي فهموا ما كتبه ولم يسخروا منه لانهم ردوا عليه كما يقول و كان دليلهم علمياً اجتماعياً صحيحاً كما أتصور، لكن الوردي كعادته في اغلب ردوده على منتقديه يقوم بالتحريف بشكل يتيه على القراء البسطاء وقد اشرت الى ذلك سابقاً في: [الراحل الوردي في ميزان/الانحراف الجنسي 37/قوم لوط(2)] الرابط

http://www.almothaqaf.com/a/b1d/928989

انهم "إخواننا" هؤلاء لم يقولوا إِنك قلت ان الانحراف الجنسي معدوم في البلاد التي لا حجاب فيها ولا/ولن تستطيع قول ذلك...ان دليلهم غير واهي وانت لم تقل ان نسبته تقل في البلاد التي لا حجاب فيها لأنك لا تستطيع اثبات ذلك مطلقاً حتى لو استندت الى دراسات علماء الاجتماع الغربيين لأنهم اصلاً يعرفون ان مجتمعهم غير متحجب. ربما هم استندوا الى دراسات حول الجنود وابتعادهم عن الحياة الاجتماعية/انفصالهم عن النساء لفترات طويلة وهذا نسبي ايضاً.

اليكم ما كتبه الراحل الوردي في ص 8 وعاظ السلاطين ذلك الذي اعترض عليه "إخواننا" لتجدوا كيف حَّرَفَ الراحل الوردي قوله بدل ان يعترف بالخطأ...كتب التالي: [دأب وعاظنا على تحبيذ الحجاب وحجر المرأة فنشأ عن ذلك عادة الانحراف الجنسي في الرجل والمرأة فالإنسان ميال بطبيعته نحو المرأة والمرأة كذلك ميالة نحو الرجل فإذا منعنا هذه الطبيعة من الوصول الى هدفها بالطريق المستقيم لجأت اضطراراً الى السعي نحوه في طريق منحرف. ودلت القرائن على ان المجتمع الذي يشتد فيه حجاب المرأة يكثر فيه، في نفس الوقت، الانحراف الجنسي من لواط وسحاق وما اشبه"

ظن وعاظنا انهم يستطيعون ان يمنعوا الانحراف الجنسي بواسطة الكلام والنصيحة وحدها. غير دارين بأن الانحراف طبيعة اجتماعية لا بد من ظهورها في كل بلد يحجب النساء فيه عن الرجال] انتهى

اقول: تجدون تحريف الوردي واضح وضوح الفرق بين: "فنشأ" و "يزداد" فالفرق كبير بين المفهومين ثم ان الوردي لم يَقُلْ ان الانحراف الجنسي يَقِل في البلاد غير المحجبة. وان قال ذلك فكيف يُثبته ووفق أي جدول او حساب اوخط بياني. والاخلاق نسبية كما يؤمن الوردي أي لا يقاس مجتمع على دراسات تمت على مجتمع اخر. ثم مَنْ هُمْ العلماء الذين بحثوا وتوصلوا الى "نتائج تكاد تكون قاطعة"؟ وان تم ذلك،كيف يعتمد باحث مثل الوردي على نتائج "تكاد تكون قاطعه" عن دراسات على مجتمع مختلف ويجعلها قاطعه في طروحاته على مجتمعه؟ ((اعتذر عن التكرار المتعمد)).

اليكم ما قاله الوردي عن دراسات أولئك العلماء حيث كتب في ص314 /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي التالي: [مهما يكن الحال فأننا ينبغي ان لا نكون مقلدين للباحثين الأجانب تقليداً اعمى، ونتبعهم في جميع ما يهتمون به او يهملونه من مواضيع. ان مجتمعنا يختلف عن مجتمعهم في كثير من النواحي. والواجب العلمي يقضي ان ندرس مجتمعنا في ضوء ظروفه الخاصة به. ربما توصلنا في دراستنا الى نتائج تختلف عما توصلوا اليه.] انتهى

لم أجد أي رأي او فرضية او "نظرية" او اقتراح او وجهة نظر طرحها الوردي فيما قرأت له لم يعتمد فيها "قال العلماء في الغرب" وقال"عالم الاجتماع المعروف"وقال"ابن خلدون" حتى انه يحشر الكثير من تلك الاقوال حشراً في غير محلها.

وهنا سؤال أعتقد انه مهم وهو: ألم ينتشر الانحراف الجنسي في البلدان غير المتحجبة /السافرة؟ او بصيغة أخرى: ماهي أسباب الانحراف الجنسي المكتسب في البلدان غير المتحجبة والتي تُراعى فيها "الشهوة" و"اللذة البريئة"؟

اما بخصوص ميل الذكر الى الانثى والانثى للذكر، فان هذا الميل لم يقتصر على الرجل والمرأة انما يشمل كل الحيوانات تقريباً وربما النباتات لا نعرف، فما الجديد في ذلك وهو معروف منذ الحيوان الأول وعرفه الانسان الأول حتى قيل ان العوائل الأولى كانت من زواج الأخ بأخته لعدم وجود نساء اخريات والرجل يميل للمرأة فلم يجد امامه غير اخته. ولا اعتقد ان هناك مَنْ مَنَعَ او يستطيع منع هذه الطبيعة من الوصول الى هدفها إذا كانت ضمن الحدود المعترف بها؟ ما هو هدف هذه الطبيعة البشرية "الميل المتبادل"؟ هل هو "الشهوة" و"اللذة البريئة" فقط؟وما هو الطريق المستقيم هنا ومن يحدد استقامة الطريق.هل الحدود المتعارف عليها ام التفكيرالوعظي وهل هناك تأثير للتفكير الوعظي على تحديد تلك الحدود؟

ثم كتب: [ظن وعاظنا انهم يستطيعون ان يمنعوا الانحراف الجنسي بواسطة الكلام والنصيحة وحدها.] انتهى

أقول: من قال ان الوعاظ ظنوا هذا الظن؟ هل ناقشتهم في ذلك؟ جوابي كلا فالراحل هو الناقد او الكاتب ربما الوحيد الهارب دائماً من النقاش وان حَظَرَ نقاشاً تَهَّرَبَ منه بالتبرم واللف والدوران وكل من قرأ للوردي لمس ذلك كثيراً. ثم ألا يمكن اعتبار تلك النصائح وذلك الكلام واحدة من الحلول التي توصل اليها الوعاظ او التي لم يفهموا غيرها فاجتهدوا ولهم الشكر على اجتهادهم وهو أحسن من السكوت او الكتابة المنعزلة ومن خلف الجدران الأربعة الصماء؟ الم يكونوا بطرحهم أحسن من الراحل الوردي الذي اكتفى بالكتابة والنشر في موضوع يخص مجتمع لا يقرأ...الامية فيه ضربت اطنابها؟

ثم كتب: [وإني لأعترف بما اعتراني من دهشة اثناء تجوالي في بلاد الغرب المختلفة على ما رأيت هناك من عناية بأمر الطبيعة البشرية ومن مداراة لها فهم يمنحون الانسان حرية كافية يفصح فيها عن نفسه فلا يشتدون في وعظه ولا يمنعونه من اشباع شهوته وانانيته ضمن حدود معترف بها] انتهى ((ذكرت ذلك سابقاً)).

الراحل الوردي كتب عن مجتمع كان فيه دون ان يعيش حالة هذا المجتمع...كانت امامه فرص كثيرة اضاعها على نفسه وعلى المجتمع وبالذات بعد التغييرات الهائلة في المجتمع العراقي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي...حيث دخلت المرأة كل مناحي الحياة وهي سافرة وغزت المصانع والمعامل والمدارس والجامعات والدوائر بالذات بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية وزج الشباب في جبهات القتال حيث هي من أدارت/ساهمت في الإنتاج في كثير من مواقع العمل...

اثناء الحرب العراقية الإيرانية انطلقت المرأة في العمل وسدت الفراغ الهائل الذي تركه الرجل الذي تم حشره في جبهات القتال. وكان عملهن يتطلب احياناً العمل في الوجبات الليلية ودائماً في الأعياد والعطل الرسمية "دعماً للمجهود الحربي". في تلك الفترة ارتفعت نسبة النساء الى نسبة الرجال في المجتمع وازداد عدد العوانس والارامل في مرحلة تم فيها الاستعانة بالعمالة العربية والأجنبية فصار المجتمع سافراً تحت تلك الظروف وبأمر ورغبة الحكومة كل ذلك لم يحرك الراحل الوردي لدراسة مجتمعه والمتغيرات التي تجري على سطحه وفي اعماقه واكتفى يعيد ويصقل بما انتجه غيره...

وهنا اسأل هل ارتفع الانحراف الجنسي في المجتمع الجديد "السفور" ام انخفض بسبب السفور؟ هل ارتفعت نسبة اللواط بين صفوف الجنود العراقيين في جبهات القتال المنقطعين عن الحياة الاجتماعية وبأعمار تبدأ من الثامنة عشر الى حد ما بعد الستين بالنسبة لقواطع ما سُميَّ بالجيش الشعبي؟

اعتمد الراحل الوردي على اقوال علماء الاجتماع الغربيين بهذا الخصوص وغِطائَهُمْ الفكري او قوقعتهم الفكرية ونظمهم القانونية التي تبيح وتتيح اللواط في ""كل"" وقت ومكان بعكس حالنا فلو ضُبِطَ جندي يلوط باخر تكون عقوبته الإعدام او ارساله للحجابات ليُقْتَلْ هناك.علماء الاجتماع الغربيين الذين يحاجج بأقوالهم وينهي عن اتباعهم/بحوثهم لم يدفعوا الراحل الوردي الى التفكير بمعنى الحجاب عندهم ومعناه عند عامة الناس في العراق.

وفي ص9 وعاظ السلاطين كتب الوردي ما يأتي:[ وقد عجبت حقا حين رأيت الجامعات الغربية تعني بالشهوة كل العناية فلا تستحي ولا تعظ فهي تخصص لطالباتها وطلابها أماكن للاختلاط والرقص وتساعدهم على التعرف بعضهم ببعض وتهيئ لهم اجواق الموسيقى و تشملهم جميعا بجو من المرح و اللذة البريئة و قد ابديت دهشتي هذه لاحد الأساتذة هناك فأجابني الأستاذ :"اننا اذا منعنا طلابنا و طالباتنا عن الاختلاط المكشوف لجأوا الى الاختلاط المستور بعيدا عنا في جو تملؤه الريبة و الاغراء اننا اذ نعترف بما في الطبيعة البشرية من قوى و نهيئ لها ما ينفس عنها في جو من البراءة و الطمأنينة نكون بذلك قد وقينا الانسان من مزالق الشطط و مغريات الخفاء وأنهى الأستاذ كلامه قائلاً: "عَّود ابناءك على حياة النور تنكمش فيها نزعة الظلام] انتهى

كتب في وعاظ السلاطين:

1. في ص8 التالي: [وإني لأعترف بما اعتراني من دهشة أثناء تجوالي في بلاد الغرب المختلفة على ما رأيت هنالك من عناية بأمر الطبيعة البشرية ومن مُدارات لها. فهم يمنحون الإنسان حرية كافية يفصح فيها عن نفسه فلا يتشددون في وعظه ولا يمنعونه من اشباع شهوته أو انانيته ضمن حدود معترف بها] انتهى.

2.في ص9 وعاظ كتب الراحل الوردي التالي: [وقد عجبت حقا حين رأيت الجامعات الغربية تعني بالشهوة كل العناية فلا تستحي ولا تعظ فهي تخصص لطالباتها وطلابها أماكن للاختلاط والرقص وتساعدهم على التعرف على بعضهم ببعض وتهيئ لهم اجواق موسيقية وتشملهم جميعا بجو من المرح واللذة البريئة] انتهى [اعيد المقطعين للضرورة]

في المقطعين أعلاه يركز الراحل الوردي على "الشهوة" و"اللذة البريئة"...وهو هنا كما قلت في الجزء السابق تاه بين "عجبت" و"ابديت دهشتي" فتَيَّهَ علينا تلك الحدود التي قال عنها "حدود معترف بها"!! وتاهت علينا معاني "الشهوة"...لكن يفاجئنا بقوله"...الجامعات لا تستحي ولا تعظ"...لا اعرف ماذا يعني بكلمة/مفهوم "لا تستحي"؟ هل يعني الدكتور الوردي ان الطلاب والطالبات يحصلون على "الشهوة" وهم عُراة وامام انظار الجميع بما فيهم المسؤولين عن إدارة الجامعة؟

ولا افهم ايضاً حشره لكلمة/مفهوم "ولا تعظ"؟ هل يعني ان الجامعات وعلماء الاجتماع والسلطات لا تحذر ولا تنصح ولا تُذَّكر بالالتزام بتلك الحدود المعترف بها؟ ام ان الطلاب والطالبات "بوعيهم العالي" ينتبهون وهم في لحظة "الشهوة" الى تلك الحدود؟ أم ان تلك الحدود المعترف بها هي عبارة عن حدود مفتوحة؟الحمد لله لم يظهر وقتها مرض الايدز.

المهم الاخر الذي طرحه الوردي بعد "الشهوة" هو "اللذة البريئة" لكنه بعكس "الشهوة" ترك عنها توضيح سطره في هامش نفس الصفحة حيث كتب التالي: [اقصد باللذة البريئة ما كان يعتبر في نظرهم، والأخلاق نسبية كما لا يخفى...فما يعدو في نظرهم بريئا قد يعتبر عندنا فسقا وفجورا. وربما تنقلب الأحوال عندنا في المستقبل فيصبح مقياسنا في شؤون الاخلاق مخالفا لمقياسنا الحاضر. لست أنكر أني قد انذهلت حين رأيت في جامعات الغرب ذلك الاختلاط العجيب بين الجنسين لأول مرة واعتبرته من قبيل الإباحية والفسق حيث كنت آنذاك تحت تأثير التفكير الوعظي الذي نشأت عليه في بيئتي الشرقية المتزمتة] انتهى

أقول: هذه "اللذة البريئة" التي كانت تشجعها الجامعة ضمن الحدود المعترف بها...وقد ربطها الوردي بالتفكير الوعظي الذي نشأ عليه ولما كان يعيب ذلك الأسلوب الوعظي ويهين الوعاظ بسبب مثل هذا الوعظ، هنا هل يمكن لي ان استنتج انه يريد ان يكون السفور/الا حجاب وفق تلك النظرة المضادة "لبيئته الشرقية المتزمتة التي كان عليها؟ وهل يمكن ان نستدل على ذلك من توقعه" ربما تنقلب الأحوال عندنا" انه يدعو اليه لتكون الحال بنفس تلك الأحوال؟ وبخلاف ذلك فهذه ال "ربما" تعني ان الوردي لا يعرف او يتجاهل مقومات الثقافة الاجتماعية في "المجتمع" العراقي وأسس بناء "القوقعة الفكرية" لا فراد ذلك "المجتمع"

((""انا هنا ومع تدقيقي بهذه العبارة وانا الذي اقترب من السبعين من العمر شطح خيالي الى هناك حيث تواردت صور في مخيلتي كيف كان عليه الوضع عند تمتعهم "الطلاب والطالبات" ب"الشهوة و اللذة البريئة" فتحركت اعصابي باتجاهات كثيرة...حاولت كبحها و تمكنت بصعوبة فائقة""، فكيف كان حال الوردي وقتها وهو تحت تأثير التفكير الوعظي المتشدد. تصورته يترك تلك المراقص والساحات والاجواق الموسيقية ليختلي مع نفسه أمام المرآة ويفكر ب"الشهوة واللذة البريئة" ليستريح. الله كان في عونه وهو الشاب القادم من بلاد مناخها "حجابها" قائض بفعل التفكير الوعظي وهو الممتلئ حيوية ونشاط.)).

اطرح هنا سؤال المقدمة: من حمى الوردي من الانزلاق في تلك الأجواء؟؟؟؟؟ألم يكن التفكير الوعظي ؟؟؟

ماذا "كان سيقول" الراحل الوردي لو ان أحد زملاءه نشر كتاب يتطرق لتلك "الشهوة واللذة البريئة" وأشار/ذكر فيه ان الراحل الوردي اندفع مع ذلك الانفتاح والسفور وشارك في تلك "الشهوة واللذة البريئة" لوان التفكير الوعظي الذي استنكره الوردي لم يحميه ويدفعه الى احترام تلك الثقافة الاجتماعية المتشددة التي جاء منها؟ اجزم أن الوردي لم يفكر بهذا السؤال/الاستفسار مطلقاً عندما كتب هذا المقطع ولم يتوقع سماعه مطلقاً ولو كان غير ذلك لما تطرق لهذا الموضوع بتلك الصيغة وربط بينه وبين الحجاب والتفكير الوعظي الذي ذمه. كان على الوردي ان يُثني ويشكر الوعاظ الذين صَّدَعوا تفكيره بتلك النصائح التي حمته من الانزلاق وإلا لكان الوردي على كل لسان وحديث كل مجلس.

ان الوردي لم يكن دقيقاً كما اتصورفي طرحه لهذه المسألة المهمة والحساسة والتي مست كل"المجتمع العراقي" ويمكن ان يفسر موضوع الطريق المستقيم والطريق المنحرف بأنه دعوة الى الفساد والإفساد لأن السؤال هنا هو: ما هو الطريق المستقيم الذي يريده الوردي غير طريق الزواج؟

في ص7 وعاظ السلاطين كتب الوردي التالي:[و مما يجدر ذكره في هذه المناسبة قصة ذلك الازهري المتزمت الذي سافر الى فرنسا... برفقة البعثة التي أرسلها محمد علي الى هناك عام 1826...يقول هذا الازهري في مذكراته التي كتبها حول هذه السفرة انه اندهش جدا حين رأى سفور المرأة الفرنسية و تبرجها و اختلاطها بالرجل فهو يعيب ذلك الامر و يعتبره من الفواحش و البدع و لكنه يعطف بعد ذلك فيذكر من محاسن الفرنسيين انهم لا يميلون الى اللواط او التعشق بالصبيان فهو يقول عنهم ما نصه:{عدم ميلهم للأحداث و التشبيب بهم فهذا امره منسي الذكر عندهم فمن محاسن لسانهم و اشعارهم انها تأبى تغزل الجنس في جنسه فلا يحسن في اللغة الفرنساوية قول الرجل عشقت غلاما فان هذا الكلام المنبوذ. لقد مدح هذا الازهري الفرنسيين لكونهم لا يعشقون الصبيان وذم نسائهم على سفورهن واختلاطهن بالرجل وما درى انهما امران متلازمان فلا يوجد أحدهما الا حيث يوجد الاخر} انتهى

أقول: يجب ان يعرف الوردي ان هذا الازهري ذهب "بقوقعته الفكرية وثقافته الاجتماعية" وذلك التفكير الوعظي الى فرنسا كما ذهب الوردي الى الولايات المتحدة الامريكية. وقال مثل ما قال الوردي لكنه زاد على الوردي في انه تطرق الى"عدم ميلهم للأحداث والتشبيب بهم"فهل الوردي تعمد عدم ذكر ذلك حيث لم يخبرنا عنه في تلك الجامعات أو

المجتمعات الغربية التي زارها؟

ذهب ذلك الازهري وهو يحمل "اطاره الفكري" الذي يقول بأن تلك المجتمعات إباحية لذلك شاهد السطح الذي أمامه ولو جاء هذا الازهري الى بغداد وقت الوردي لرفض ما كتبه الوردي عن اللواط والانحراف الجنسي لأن اطاره الفكري يحمل قيم" عبد القادر الكَيلاني "و"أبو حنيفة" "والخليفة علي ابن ابي طالب وأولاده".إذا كان هذا الازهري نقل ما وقعت عليه عينيه فلا يجب ان يعتمد ذلك باحث في المجتمع مثل الوردي ويستشهد به...أن هذا الازهري شاهد سفور المرأة لأن غايته كانت تلك وهو يعرف تأثير ذلك على مجتمعه ولم يشاهد اللواط لأنه لم يبحث عنه ولو بحث عنه لوجده في الغرفة المجاورة لسكنه وفي المقهى الذي تردد عليه وفي الساحات والمتنزهات...

ما نلمسه و نعيشه في فرنسا اليوم من علاقات الذكر بالذكر "اللواط والمثلية الجنسية "و الحمل من غير زواج و العيش العائلي من دون زواج لم يأتي للمجتمع الفرنسي لأن هناك حجاب و انما كان و سيبقى المجتمع الفرنسي على ثقافته الاجتماعية ومع هذا السفور الخليع جداً في المجتمع نجد ان اللواط والمثلية وصلت لتحصل على حق رسمي بالزواج من نفس الجنس وهذا لم يأتي الا من جذور عميقة له لا علاقة لها بالحجاب او فصل المرأة عن الرجل... وقد يقول قائل انه انحراف طبيعي أقول: ان كان انحراف طبيعي فلن يكون بهذه النسبة وان كان مكتسب فلاكتساب جاء في وقت التعري وليس السفور فقط وهذا يعارض رأي الوردي ومذكرات الازهري.

...............

كتب الوردي في ص9 وعاظ السلاطين: [حدث لي ذات مرة في بدء دخولي الحياة الامريكية ان حييت فتاة من فتيات صفي الحسان فردت لي التحية بغمزة من عينها وغمزة المرأة في أمريكا لا تعني غير اللطف وحسن المجاملة اما انا فقد فسرت تلك الغمزة تفسيرا شرقيا خبيثا وبقيت طوال يومي انظر وجهي في المرآة واضرب اخماس بأسداس ان ما نشأت عليه في بيئتي الشرقية المتزمتة من وقار مصطنع جعلني أحس لدى تلك الغمزة البريئة بهمسة من همسات الشيطان ومن السهل ان يغري الشيطان انسانا اعتاد على الوقار المصطنع والتزمت الشديد] انتهى

أقول: تفسير حيرة الوردي ووقوفه امام المرآة وضربه أخماس بأسداس يشير الى شيء...ربما هو ان الوردي لعن الشيطان لحظتها وشكر الوعاظ على النعمة التي غرسوها فيه...والله ورسوله اعلم.

خاتمة: اليكم عن رأي الوردي في الوعظ و الوعاظ لتتبينوا القلق الذي عاشه الراحل الوردي و الذ به نسف كل كتابه:وعاظ السلاطين:في ص128/خوارق اللاشعور/فصل3/الإدارة و النجاح كتب التالي: [ان كلمة تكرر قولها على نفسك مرة بعد مرة لقادرة ان تطبع في عقلك شيئا من الايمان بها قليلا او كثيرا والايمان يزلزل الجبال كما يقولون. ينتقد بعض الكتاب القران لأنه يكرر القصص وآيات الوعظ مرة بعد مرة ويذكر الله واثاره في الكون في كل صفحة من صفحاته وما درى هؤلاء المغفلون بان هذا التكرار الذي ينتقدونه هو الذي طبع في نفوس العرب ذلك الايمان العميق بالله وجعلهم يحطمون ايوان كسرى وعرش قيصر في سنوات معدودة...الخ] انتهى""مكرر""

 

عبد الرضا حمد جاسم

.........

الى اللقاء في الجزء التالي والذي سيكون /تراث/ارث علي الوردي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم