صحيفة المثقف

سفينةعلى امواج بحر هائج (2)

جوزيف الفارس(المشهد الرابع)

(صوت صراخ ينبعث من احد العمال متالما من شدة التعذيب)

رئيس العمال: كيف تنشر خبر وجود فتاة على ظهر هذا المركب؟

العامل: اقسم انني رايتها بام عيني .

رئيس العمال: امتاكد انك شاهدت الفتاة، (يجلده بالسياط على ظهره)

العامل: (يتالم وصارخا) صدقوني انني شاهدتها بام عيني .

رئيس العمال: (مستمرا بجلده) هيا قل انني كاذب واعترف بانها كانت اكاذيب ملفقة بحق سمعة قبطاننا .

الجمع المحتشد: هيا اعترف بالحقيقة وقل انك كاذب .

الاخر: انقذ نفسك من الموت والعذاب المهلك .

رئيس العمال: هه، ماذا تقول؟

العامل: ولكنني رايتها ياسيدي، بام عيني، وهي تسيرامامي من فوق ظهر هذا المركب، كأنها ملاك، تسير بخطوات فيها شيئا من الانوثة والرقة والاحساس ، وعطرها الاخاذ والمنبعث من جسدها مع هبوب انسام هذا المحيط، ياويلاه من رائحة هذا العطر الذي انعش غرائزنا المكبوتة، وهيج مشاعرنا واحاسيسنا، عندها جعلتني احسس انني محتاج الى النصف الاخر من جسدي .

رئيس العمال: اسكت ياهذا، انك بالحق مهووسا ومجنونا ، وهذه السياط ستعيدك الى رشدك، والى رجاحة عقلك . (يجلده بالساط) هيا قل الحقيقة، وانقذ نفسك من هذا الهلاك .

العامل: حسنا حسنا، كف عن جلدي .

القبطان: (يظهر كالفريسة والتي تتهيأ لافتراس فريسته، ضربة قوية من الموسيقى، سكون، قهقهة عالية من القبطان) اما زال مصرا على انه شاهد الفتاة بام عينيه على ظهر هذه السفينة؟

رئيس العمال: نعم ياسبدي، الا انه عبر عن ندمه، واعترف بحقيقة كذبه .

العامل: (بصرخة قوية) صدقوني انني رايتها، رايتها بام عيني متجهة الى كابينة هذا القبطان .

رئيس العمال: (يجلده جلدا مبرحا) رحمة بجسدك واعترف بانك كاذب .

العامل: (يتأوه من العذاب)

القبطان: (يامر بتوقف الجلد) كفى ياهذا كفى، توقف عن الجلد، ودعني اقدم توضيحا، كيف استطاع هذا الصعلوك ان يشيع الفوضى والاظطراب على ظهر هذه السفينة، وبالذات بين صفوف هؤلاء العمال والبحارة النجباء .

رئيس العمال: لقد شجع على احتجاج العمال والبحارة ، مما دفعهم على تقديم طلباتهم بمرافقة النساء لهم اثناء ابحارهم، والا سيظربون عن العمل، والاعتصام داخل السفينة، وتجميد اعمالهم، والامتناع عن مواصلة الابحار .

القبطان: هكذا اذن .

رئيس العمال: نعم ياسيدي .

القبطان: اذن وزع الشراب على جميع البحارة وعمال السفينة، وحاول زيادة تعيينهم من المواد الغذائية وتحسين نوعيته، مع زيادة حصصهم من اللحوم البرية،واما بخصوص هذا العامل الشجاع والبطل، فانه محق بادعائاته مما شاهد على ظهر هذه السفينة وانما اخفق في كيفية نقل الصورة الحقيقية لاخوتي العمال .

رئيس العمال: (باستغراب) ماذا تقول ياسيدي؟

القبطان: مثل ما سمعت، فلا تتعجبوا مما شاهده هذا العامل ، لقد شاهد حورية من حواري هذا المحيط، واشتاقت نفسه لمضاجعتها وبهذا لم يحافظ على حرمتي، واما من جانبي فسأكافئه على صدق ماراه وتحدث لكم عنه، لانه كان صادقا بروايته .

رئيس العمال: (مستغربا) ولكن ياسيدي، كلامك هذا يدل على اننا قد ظلمناه، وقسونا عليه !!!!

القبطان: بسيطه، نعتذر لهاذا ونبدي اسفنا له، وسنحاول رد اعتباره .

رئيس العمال: (باستغراب) كبف؟

القبطان: (يضحك ضحكة عالية) انت مساعدي الحميم، وتسالني كيف؟ ياللعجب،

(بصوت عالي) لنكافئه بلقاء مع حورية البحر ، برميه في قاع المحيط، لنجمعهم في مشهد غرامي يليق بواحد متعطش للحب والغرام، هيا عجلوا ونفذوا الامر صفدوه بالقيود والسلاسل، وارموه في قاع المحيط ليلتحق بحوريته البحرية0 يضحك مستهزأ .

رئيس العمال: حسنا ياسيدي (محاولا سحب العامل لتقييده بالقيود الحديدية والسلاسل لرميه في قاع المحيط) .

العامل: (يصرخ مولولا) كلا ياسيدي، رحماك يامولاي .

القبطان: (لرئيس العمال) تمهل، لا تقيده بالاصداف والسلاسل، انما اربط في قدميه صخرة كبيرة لعلها نمنحه فرصة للنجاة بنفسه، هيا نفذ الامر .

(العمال وبعض البحارة مع رئيس العمال، يربطون صخرة كبيرة في قدمي العامل ويرموه في قاع المحيط، تدوي صرخة استنجاد قوية من العامل وتنتهي مع ضربة موسيقية) .

(المشهد الخامس)

(في نفس السفينه)

العامل 1: مالعمل ياصديقي؟

العامل 2: لا شيىء، سوى الرضوخ .

العامل 1: سيأتي يوما ويقضي علينا جميعا !!

العامل 2: نحن الان بين فكي وحش مفترس، خوفا من ضغط فكيه علينا، عندها سنكون في عداد الموتى .

العامل 1: وكيف سنتوخى شره، يجب علينا اخذ الحيطة والحذر من اعوانه، ونحن هنا بعيدين عن اليابسة، وليس لدينا اية وسيلة للنجاة الا الرضوخ لعبوديته !!

العامل 2: انك على حق ياصديقي، اننا وسط اذان تسرق السمع للوشاية بنا لدى القبطان، ان هذه السفينة مليئة من اعوانه، انهم العيون الساهرة على مصالحه، و ليس امامنا سوى الرضوخ .

العامل 1: انما هذا الرضوخ ياصاحبي مذلة واهانة لكرامتنا، واجحاف لانسانيتنا !!!!!

العامل 2: كلام فارغ، اية كرامة وحقوق انسانية في هذا المركب الذي يسيطر عليه دكتاتوريا ووحشيا مغرم بمص الدماء، ان هذا الدكتاتور قد خدعنا وانكشفت حقيقته، كانت لنا به امال في النجاة، الا ان امالنا قد خابت، اتذكر احاديثه وشعاراته فبل استلامه لقيادة هذا المركب؟

العامل 1: نعم اتذكر ذالك، كان يقدم لنا الافيون على طبق من فضة، اقوالا ووعودا بتنفيذ شعاراته الرنانه، والتي جعلتنا نرقص ونصفق فرحا وابتهاجا به، الا انها كانت كالسراب، واحباط عزائمنا باتجاه العيش برغد وسلام، كانت امالنا للحرية من خلاله ليست لها حدود و انما مع مزيدا من الاسف، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن (موسيقى حزينة مناسبة للمشهد)

العامل 2: بفضل اسياده، وبمؤازرة اعوانه وازلامه، وبصورة غير شرعية ودستورية، استطاع هذا المنافق الدكتاتوري السيطرة على قيادة هذا المركب، ونحن ليس لدينا سوى الرضوخ لظلم جبروته، او الموت المحقق على يديه، فيما اذا ابدينا اي اعتراضا على سياسة قيادته للمركب .

رئيس العمال: اتسمحون لي مشاركتكم هذه الجلسة يارفاقي الاعزاء؟

العامل 1: (باستغراب واندهاش) اتكلمنا نحن ياسيدي؟

رئيس العمال: نعم، انتما بالذات .

العامل 2: تفضل ياسيدي، انت تامر ونحن ننفذ .

رئيس العمال: اولا، لا احب ان تضعوا مسافات مابيننا، وثانيا، من دون كلمة اسيدي،افضلها يااخ .

العامل 1: (باستغراب) يااخ؟

العامل 2: كل منا وحسب مرتبته الوظيفية ياسيدي على ظهر هذا المركب، هناك فرق مابيننا نحن الصعاليك، وبينكم ياسيدي، انتم اصحاب الكلمة الناهية، فكيف يصح مساواتنا مع معاليكم وسعادتكم ياسيدي .

رئيس العمال: ماسات ذالك العامل، اعادتني الى رشد صوابي، صراخه بات لا يفارقني ليلا ونهارا، في يقظتي ومنامي، في صحوتي واحلامي، انه ضحية ذالك المتغطرس الدكتاتوري:

العامل 2: اسمح لنا بالذهاب ياسيدي، نحن لا نفهم بالسياسة شيئا .

العامل 1: ان اردتنا ان نهتف يايعيش، فسنقعل .

العامل 2: وان اردتنا ان نهتف يايسقط، فسنهتف .

رئيس العمال: ها انتما تتكلمون بالسياسة، وتفهمون لغتها، فعلام الخوف؟ ان وحدنا صفوفنا، ونظمنا معارضتنا، واتحدنا بقوة متماسكة باتجاه العدو، فسنتغلب عليه، ان احببتم ذالك، واما ان عارضتموني، فسيكون حليفكم النير والعبودية، اوتحبون ان تبقوا عبيدا لذالك الوحش الكاسر؟، سياتي اليوم وسيطبق بفكيه على اجسادكم ويمزقها اربا اربا باسنانه الحادة، وبانيابه يمزق اجسادكم، وبمخالبه سيهرش لحمكم وعظامكم، واما ماسيسيل من دمائكم على ظهر هذه السفينة، فسيلعقه بلسانه، تشفيا بكم، واه على مصيركم والذي سيكون على ايدي هذا السفاح المنافق، فاختاروا مابين الحياة او الموت،انني اشفق عليكم يااخوتي، ولا اريد لكم الموت، بقدر ماارغب لكم حياة سعيدة تمضيانها مع اسرتكم واطفالكم: ها، ماذا قررتم؟

العامل 1: الا قل لي يااخي، ماسبب ضغينتك للكابتن، بحيث اصبحت لا تطيقه؟

رئيس العمال: حبي، حبي لكم، هو السبب في هذا التحول، وحياتي ايضا اصبحت اخاف عليها منه،

بالحقيقة، بعد تلك الحادثة المأساوية بحق ذالك العامل، اصبحت اخاف منه، وان لم نتعاون من اجل الحد من جرائمه، فسيأتي يوما ويقضي علينا جميعا .

العامل 2: لقد تفشت الامراض بين العمال، والجوع والحرمان، واننا ياخي نبذل جهدا اكثر من المطلوب ومن دون جدوى، ملابسنا رثة، وارزاقنا بائسة، وامننا مسلوب حينما نتفاجأ بفقدان عامل من العمال ومن دون العثور عن اسباب اختفائه، وحينما يصل الخبر الى مسامعه، لا يكتفي بالوعيد والتهديد لمن كان السبب في اختفاء بعض العمال، ومن دون اتخاذ اية اجراءات احترازية .

العامل 1: فقط صراخ وعويل وتهديد، ووعود كاذبه .

رئيس العمال: صدقوني هو لا يكترث لاي واحد منكم، مايهمه فقط مصلحته الشخصية، لاعلمكم عن سر من اسرار اعماله الا جرامية بحقكم جميعا، ان مايزيد من طعامه الفاخر، يرميه للحيوانات البحرية المفترسة والموجودة في مخابىء هذا المركب السرية، يغذيها على هذا الطعام، اضافة الى هذا، يغذيها من اجساد ضحاياه من العمال المفقودين .

العامل 2: ماذا تقول؟

رئيس العمال: صدقني مااقوله هو الحقيقة بعينها، هو لا ياكل الا مالذ وطاب من الاطعمة المطبوخة وعلى ايدي امهر الطباخين، بينما انتم، لا تاكلون، الا من المعلبات الفاسدة والتي قد انتهى موعدها، اسألوا انفسكم عن سبب انتشار مرض الاسهال المعوي والالتهابات المعوية بين اقرانكم من العمال والبحارة، مااسبابها؟ ومن اين جائتكم؟ امتنعوا عن تناول هذه المعلبات الفاسدة، عندها ستعثرون على الجواب الشافي .

العامل 1: ولهذا فوجئنا بانتشار الامراض المعوية بيننا !!!

رئيس العمال: نعم ايها الاخوة، هو السبب في انتشار هذه الامراض ومن دون اي اجراءات صحية ووقاية تقي عمالنا من الاصابة بهذه الامراض التي اخذت تقضي علينا .

العامل 2: وماالعمل؟

رئيس العمال: لا تخافوا، انا معكم، ساقف امامه واتحداه بملىء قوتي وايماني من اجل خلاصكم من العبودية والدكتاتورية، فقط لتنالوا حريتكم، وتعيشون احرارا وغير مقيدين على ظهر هذا المركب، وانني اعاهدكم بانني سأ قود هذا المركب الى بر الامان .

(صوت تلاطم الامواج بقوة وصوت صفير الباخرة –موسيقى)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم