صحيفة المثقف

سفينةعلى امواج بحر هائج (3)

جوزيف الفارس(المشهد السادس)

(نفس المشهد، عمال كثيرون وهمسات واصوات همهمات وحركة غير طبيعية على ظهر المركب،)

القبطان: (يظهر مفتعلا الحزن والالم)

الخادم: (يؤشر بيديه و غايته اسكات العمال والبحارة) اصغوا ايها الاخوة، اعيرونا اسماعكم .

المراسل: (يصرخ باعلى صوته) ياامعه، التزموا بالصمت .

القبطان: (يلطمه على رقبته) لا تهين عمالي .

الجميع: (يلتزم بالصمت)

القبطان: (يؤشر بالهدوء والسكينه) ايها الاعزاء، ايها الغالين على قلبي، لا احب الوقوف الان امامكم، وحنجرتي مليئة بنيران الاحزان على خبر مؤلم، انه الخبر الذي سانقله لكم هو خبر رحيل فقيدنا وعزيزنا رئيس العمال الى عالم الخلود،

العمال: (همهمة واصوات مختلفة) ماذا؟

الاخر: ماذا اصاب رئيس عمالنا؟

الاخر: من قتله؟

القبطان: لم يقتله احد، انما هو اختار الحياة الاخرة، وبالرغم من توجيه نصيحتي له وارشادي الابوي ومنعه، الا انه لم يعر لي اذن صاغية لي، فكان له مااراد، لقد استيقظ في وسط هذه الليلة وكانه يبحث عن نهايته المحتومة بيديه، لقد استيقظ ليخبرني عن رغبته في السباحة في هذه المياه القاسية، وبالرغم من نصيحتي له، الا انه لم ياخذ بها، وهكذا كان له ماراد راميا نفسه في قاع هذا المحيط واذا فجأة بسمكة القرش كبيرة ومفترسة حادة الاسنان وقوية الفكين، تطبق على جسده (يبكي بافتعال) وابتلعه، وهكذا افل هذا الكوكب، وفقدنا اخا وعزيزا على قلوبنا، وليس لنا الا الدعاء بالرحمة له، والراحة الابدية لروحه الطاهره، ولهذا ارتايت وللمصلحة العامة، ترشيح الاخ العزيز البحار اكس، ليحل محله، ونحن من وراء هذا لا نبغي الا التعجيل بتوصيلكم الى بر الامان، وانا لله وانا اليه راجعون (يختفي ليدخل الى كابينته) .

العمال: لنقتل القرش المفترس، لنقتل هذا الخطر المحدق بنا .

الاخر: ليس لنا حياة امنه على ظهر هذا المركب، ان لم نقضي على هذا القرش المفترس .

رئيس العمال الجديد: (بحذر وانتباه ملتفتا الى كابينة القبطان، وبصوت خافت) السكوت والهدوء، ليس العبرة القضاء على هذا القرش الذي في البحر،، انما انتبهوا لي لما ساخبركم به، هنا وعلى ظهر هذا المركب قرشا مفترسا اشرس واخطر من ذالك الذي في البحر،

احدهم: (باستغراب) ماذا تقصد ياسيدي؟

رئيس العمال: كل منا يبحث عن الخلاص والنجاة، انما نحتاج الى شيئا من الفراسة والحكمة والبصيرة الثاقبة في تحليل الكثير من ردود افعال رؤسائنا واللذين نصبوا انفسهم اسيادا علينا ومن دون شرعية منتهكين حرمة قوانين وانظمة الدستور ورميها في عرض الحائط، اننا ايها الاخوة نحتاج الى شيئا من الشجاعة واتخاذ مانراه صائبا وحكيما والاخذ به، نحن يااخوتي عشنا حرمانا وحياة ميئوسة منها، حياة مليئة بالبؤس والشقاء، وهذا ليس بارادتنا، وانما فرض علينا ومن دون ارادتنا، ابحثوا ايها الاخوة عن الاسباب، وثوروا ضد كل ماهو ضد ارادتكم، وتهديم كل الحواجز التي تقف بينكم وبين تحقيق طموحاتكم في الحياة السعيدة، انكم احرارا ايها الاخوة وليس من قيد يقيد ارادتكم ورغبتكم من اجل تحقيق حياة سعيدة ويوم افضل مما هو عليه الان على ظهر هذا المركب، فانهضوا يااخوتي، وهبوا هبة واحدة من اجل الحرية والانعتاق،

العامل: كلامك صحيح ياسيدي، الحياة غالية والاخرين يستهينون بها،

رئيس العمال: تصدوا لكل من يستهينوا بحياتكم وقدراتكم .

العامل: في وقت ما وقعت اعين القبطان عليا وناداني (يقلده): تعال ياهذا ، مكلفا ايايا حراسة كابينته، وانا مستغربا من هذا التكليف .

رئيس العمال: لتمنع العمال من اقترابهم من كابينته؟ ومن يتجرأ على الاقتراب منه؟

العامل: اراد ان يمنحني فرصة لمد جسور الثقة مابيني وبينه .

رئيس العمال: هو بالحقيقة، لا يخطو اية خطوة، مالم يحسب لها الف حساب .

العامل: الا انه كافئني !

رئيس العمال: اعتقد انها كانت مكافئة قيمة .

العامل: قيمة وثمينة ومؤلمة، عشرون جلدة على جسدي، لذنب لم اقترفه .

رئيس العمال: وما هي جريمتك لتستحق هذا الجلد؟

العامل:صدقني لا شيىء، انما ادعى انني كنت استرق السمع من كابينته .

رئيس العمال: ومع من كان يتحدث؟

العامل: (بتردد) كلا ياسيدي قد اكون مخطئا .

رئيس العمال: تكلم، صارحني، لا تخاف .

العامل: على مااعتقد انها كانت سيدة كانت معه في الكابينة .

رئيس العمال: (باستغراب) سيدة في كابينته؟

العامل: نعم، من حديثهما، علمت انهما كانا يتبادلان اطراف حديث العشق والغرام .

رئيس العمال: وانت تسترق السمع؟

العامل: كلا ياسيدي، لم يكن هذا هدفي ، وانما بحكم وقوفي قرب الكابينة لحراستهم، وصلتني مناجاة عشقهم وهيامهم .

رئيس العمال: نصيحتي لك، احذر التقرب من المسؤولين المتنفذين وكسب مودتهم يصورة غير شرعيه وان فعلت هذا، فسيكون ذالك على حساب كرامتك ومذلتها .

العامل: كلا ياسيدي، سترضى عني انشاء الله .

رئيس العمال: وهذا املي فيك .

السكران: (احد البحارة وهو يترنح نتيجة احتسائه الخمر بكثرة، وفي يده زجاجة الخمر، وهو يغني) الله ياشفاء العاشقين ودواء الهائمين المحبين، اشتاق اليك ولروحك ولانفاسك، ولاناملك تداعب شعري، لانفاسك الجذابة كقلبك فيه سحر وحب وعطر، وشهوات جسد تنبعث منه حرارة دفىء المحبين العاشقين الصادقين في ليلة شتائية، لماذا؟ لماذا باعدتنا الايام وظلمتنا؟ لماذا عشنا في اوهام وانحرمنا؟ حبنا كان اية للمحبين، كان مراة للعاشقين، كان عنوانا للمعذبين،، هكذا ياحبيبتي ذبلنا كما ذبلت اوراق الياسمين، هكذا هي الحياة يامليكتي، لقاء وحب وفراق، وعذاب واهات وممات، ولا يبقى من الدنيا سوى الذكريات، ايتها الزجاجة الملهمة لاشعار العشق والغرام، (يلاحظ رئيس العمال ومعه العمال) انتظري، بالله عليك ياصديقتي ومليكتي، انتظري، هاهو رئيس العمال الجديد سيقرأ عليا جنجلوتيته، من البداية وحتى نهاية ماحرمه الله علينا وحلله عليهم، تفضل ياسيدي ان اذناي تصغيان اليك (يقترب منه) وقدماي متوجهتان اليك، فاقذف ماعندك في وجهي من الشتائم وقباحة الكلام (يضحك مستهزءا)

رئيس العمال:(الى السكران) كالعادة انت سكران !

السكران: بل قل كالعادة انك ولهان، ومتى مافارقتني هذه الزجاجة، ساعيش حالة من الحرمان، فلا تحرمني من متعتي وصحوتي .

رئيس العمال: (مستهزءا) صحوتك؟! واية صحوة هذه التي لا تجعلك ان تفرق مابين الاسود والابيض؟

السكران: كلا ياسيدي انك مخطىء، فكيف لا افرق مابين الاسود والابيض، البابنجان اسود، والبيض ابيض، فالبابنجان يخرج من الارض، والبيض يخرج من ال: (يضحك) كلا حرمة للسيدة الدجاجة واحترامي لها، لا استطيع ان اتفوه الفاظ سيئة بحقها، وسيبقى هذا السؤال من دون اجابة ، انما هي مشكلة يجب ان يتدارسها مجلس اصحاب الكروش الكبيرة، واصحاب العقول النيرة، وان تعذرعليهم ، فاليحيلونها الى الجمعيات العالمية للرفق بالحيوان، انما هي مشكلة وستبقى مشكلة يصعب حلها، مسكينة السيدة الدجاجة، فان كانت البيضة كبيرة، فكيف ستقذفها الى الخارج وعن اي منفذ ؟ تلك هي العلة يانفسي رئيس العمال: تعال وشاركنا الجلسة .

السكران: اتسمح لي يالسؤال؟

رئيس العمال: لك ماتريد .

السكران: اهي جلسة سياسية تامرية، ام ماذا ؟

رئيس العمال: ويحك ياهذا، ماذا دهاك؟

السكران: الحق حق ياسيدي، لاتاكد اولا، قبل ان اصبح طعاما لقرش البحر !

رئيس العمال: انا من حرصي عليكم، وخوفي من ان لا يكون مصيركم طعاما لاسماك القرش، ادعوك ان تجلس بجانبي وان تشاركنا الحديث .

السكران: امتاكد من انك لا تضمر لنا شرا و توقعنا في شراك نصب يهلكنا ويقضي علينا؟

العامل: هيا يااخي، وامتثل لاوامره، انه رئيسنا الجديد، رئيس عمال هذا المركب .

السكران: من؟ اقلت انه رئيس العمال الجديد؟ على الرحبة والسعة، اامر ياسيدي .

رئيس العمال: هيا اقترب واجلس بجانبي .

السكران: كلا، احب مجالسة هذه الزجاجة واختلي بها، انها تخفف عني هموم الحياة وتؤنسني .

العامل: تعال واجلس معنا، لنتسامر مع اجواء انسام المحيط .

السكران: قل لي، انت من هذه الجهة (يحاول الاشارة الى جهة اليسار) ام من تلك الجهة (يحاول الاشارة الى جهة اليمين) .

العامل: لا افهم قصدك، ماذا تقصد؟

رئيس العمال: يقول انك يساري ام يميني؟

العامل: (وكانه علم مايقصده) هه هه ! لست من هذا ولست من ذاك .

السكران: اذن انت من اللذين تلعب على الحبلين او انك من اصحاب الحلول الوسطية (يؤشر باصبعه) .

العامل: خير لك ان توفر معلوماتك لنفسك

رئيس العمال: لقد اخبرك صديقنا انه لا يميل الى اية كفة ميزان .

السكران: اتقصد انه فوق الميول والاتجاهت؟

رئيس العمال: صدقت .

السكران: (يضحك) رحمه الله، كان هذا هو شعاره، اضافة الى هذا، اضاف شعارا اخر الى شعاراته، عفا الله عما سلف، الا انه لم ينفذ من حتفه الاخير على ايديهم .

رئيس العمال: من هو؟

السكران: مامن احد، سوى انها كانت حكاية من حكايات هذه السفينة، وتلتها حكايات كثيرة وغير مستقره، والان ياعزيزي، هات ماعندك، فانا ساجلس بالقرب منك لاسمعك جيدا، تكلم ياسيدي، انني مصغي اليكم .

العامل: لي كلمة ياسيدي احب ان اوجهها الى اخي السكران .

رئيس العمال: تفضل .

العامل: لكي تطمئن لي ويستقر ذهنك على تفسير ميولي واتجاهاتي، فاعلمك، وبملىء ارادتي، وانا في كامل قوايا العقلية والنفسية، بانني اسير بخطواتي على استقامة واحدة ومن دون تعرجات قد تودي بحياتي .

السكران: مخطىء، ثم لست وحدك من يفكر بمثل هذه الاوهام، ان شئت ام ابيت، فالعدالة السماوية خلقت في هذه الدنيا كفتين متصارعتين لتحلو الحياة، وكل كفة تحاول استمالتك الى جانبها، وان رفضت، فالويل لك، ستصبح من المتامرين على سلامة هذا المركب وامنه .

العامل: اطمئن، فانا اتجنب مثل هذه الامور .

السكران: لا تستطيع، لا تستطع وانت تواجهك مغريات شتى تعمي البصيرة وتفقدك السيطرة على ارادتك، ستواجهك وعودا كاذبه وتنخدع فيها، وستنساق ورائها، الا انك ستصطدم بواقع مرير، لا يروق لك . (الى رئيس العمال) انت ياسيدي، الاحظ بان صيوان اذنيك قد انتصبت لتستقبل هذا الحديث، فما هي وجهة نظرك؟

رئيس العمال: بالحقيقة:

السكران: (مقاطعا) نعم نعم، انا اعلم بانك ستبتدىء بجنجلوتية كبيرة وعريضة مقدمة لبداية حديثك، الا اننا سوف لا نفهم منها شيئا، كأنك ستقول (يقلده) بالحقيقة والواقع اننا سوف، وانني ساعتزم، سابني لكم،:: ومن بعدها سيقطع حديثك تصفيق حاد يبدأها ابناء الملاعين من اعوانك، لا لشيىء، سوى لانك قد استوقفتك عبارة لم تتذكرها، واذا باولائك الملاعين من اعوانك سيساعدونك على التذكير بالعبارات الاحقة، وبهذا سيساعدونك على التخلص من هذا الموقف المحرج، والان هات ماعندك .

رئيس العمال: نعم نعم، انني بالحقيقة:

السكران: (مقاطعا) اية حقيقة هذه ياسيدي؟ طعام المعلبات الفاسدة والتي انتهى مفعولها الصحي؟

العامل: يااخي، دعه يكمل حديثه ويفصح عن افكاره ومشاريعه واصلاحاته .

السكران: نفس الكليشة للاعلانات التجارية في عالم السياسة، كل منهم لديه اعلانات تجارية يخطونها على لوحات وبوسترات ليعلنون عن بضاعتهم التسويقية، واذا جئت الى الحقيقة، فليس هناك شيئا جديدا سوى ان الوجوه تتبدل بوجوه جديدة، انها لعبة شطرنجية يلعبها الكبير، كش الملك، مات الملك، جاء الملك، وهلم جره، ونحن الضحية، (بعصبية) نعم يااخي نحن الحطب الذي يحترق من اجل ان يعتلوا مناصبهم، وعندما يمسكون بالكرسي، والمدعومين به من الكبير، سيصبحون مطية لهذا الكبير، صحيح انهم سيعتلون الكرسي، انما الكبير سيركب على ظهورهم وسيسوقهم وحسب اهوائه ومخططاته، انما هم فقط الواجهة البراقة والتي ينخدع بها من مثلنا وامثالنا .

العامل: من كلامك افهم انك ايضا ضحية من ضحايا هذا الوضع الخسيس والذي نعاني منه جميعا، مارايك لو انك انضممت الى فريقنا؟

السكران: (يضحك مستهزءا) واي فريق؟ الذي يهتف باليا يعيش واليا يسقط؟

العامل: كلا نحن لا نمارس السياسة، انما نتحد من اجل المطالبة بحقوقنا .

السكران: وممن؟ وعن طريق من؟

العامل: (يؤشر على رئيس العمال) عن طريق هذا الاخ، رئيس العمال الجديد في المركب .

السكران: (مستهزءا، وبلهجة شعبية بغدادية) لا قيم الركاع من ديرة عفج .

رئيس العمال: اسمع ياخي، انتم ضحايا الكثييرين من اللذين خدعتم بهم، الحق الى جانبكم، فاخرجوا اصواتكم وطالبوا بحقوقكم وانا في مقدمتكم ساتصدى لكل من يحاول المساس بحياتكم، كنتم ضحية وعود كذابة، وحينما اعتلت اصحابها قمة الهرم اصبحتم انتم تحت اقدامهم لا يعيرونكم اي انتباه .

السكران: الجميع هكذا ياسيدي، وجهان لعملة واحدة، نحن عبارة عن سلالم صعودهم،، ويل لنا من انتظارنا لهذه الوعود و لقد نفذ صبرنا، وخابت امالنا، ومازلنا نتطلع الى الفارس الموعود، ليمنحنا الحياة السعيدة ويكسر قيودنا لنسير باتجاه الحرية التي نحن موعودين معها .

العامل: فقط لو انك ترمي هذه الزجاجة من يديك، وتكتفي بهذا القدر من الشراب !!!

السكران: (يبتسم وهو ينظر الى زجاجة الخمر والتي بين يديه) حريص عليا يااخ؟؟ انا احييك، واقدم لك احتراماتي ان كنت صادقا بما تكنه لي، انما خوفي من انك قد انجرفت مع اللذين انجرفوا، والان، اسمحوا لي ان اترككم مع احاديثكم، وانا اغني مع نفسي وهذه الزجاجة العزيزة على قلبي (يبدا بالغناء وهو يبتعد عنهم) هيا يابدر الدجى، انشر ضياؤك على جموع الراحلين، والصاعدين الى العلا، حاملين متاعب همومنا على ظهورهم، وليس من يعيل عوائلهم سوى الامل ، القباطنة جمعهم متشابهون بالنهب والسرقة، انما لم نفقد الامل بالقبطان الحقيقي، والذي سيقود المركب الى بر الامان والسلام، ليشبع الجائعين ويروي العطاشى من العمال والبحارة ، ويكسو العراة ليقيهم قسوة البرد القاتل، ونحن على امل لهذا اللقاء (مرددا) ونحن على امل هذا اللقاء .

(موسيقى، اظلام تدريجي باستثناء بقعة ضوئية في اسفل

يسار المسرح، حيث يظهر القبطان في اعلى كابينته ومع نفسه، امام عموم ركاب السفينة من العمال والبحارة فنتبين اشباح اجسادهم بتسليط بقع ضوئية سبوت لايت، وهم منهمكين باشغال تهمهم وكل منهم وحسب مايوجهه المخرج من حركة مسرحية)

القبطان: واخيرا انا في قمة هذه السلطة القيادية على ظهر هذا المركب،وليس بوسعي ان افعل شيىء؟ كيف سانفذ وعودي لهؤلاء المعدمين من العمال والبحارة والعاملين على ظهر هذا المركب؟ سبق وان وعدتهم بتقديم افضل الخدمات لهم، وتحسين احوالهم الاقتصادية والترفيه عنهم وانا من جهة اخرى تحت اوامر المستثمر القاسية والتي لا يمكنني الانحياد عنها، ومن دون هؤلاء المعدمين من العمال والبحارة لا يمكنني مواصلة الابحار، انا من باع ظميره لخدمة الاسياد المستثمرين، والويل لي من غضب هذه الجموع الحاشدة ان ضاق بها الدهر، اذن لا بد من البحث عن منفذ نجاة لانقذ نفسي من مصير لا يحمد عقباه؟

السكران: (في اسفل يمين المسرح وتحت حزمة ضوئية قوية) هي انت الذي هناك، اتسمح لي بالحديث معك، اني اراك مهموما ومشغول البال، واذا لم اخطىء،اعتقدجازما انك تكلم نفسك .

العامل: (واقف بجانبه، وبهمس وحذر) ويحك ياهذا، ماشانك والقبطان؟

السكران: اصحيح؟ اهذا هو القبطان، انه جميل جدا، انظروا الى خديه كيف احمرتا من شرب النبيذ المعتق، ونحن نشرب من هذا النبيذ السيىء السيط .

العامل: هيا انفذ بجلدك .

السكران: ولماذا؟ ايكون هذا القبطان صاحب مدبغة للجلود؟

القبطان: (بصوت اجش ونظرات قاسيه) ماذا قلت ياهذا؟

السكران: عفوا ياسيدي، انهم يسمونني السكران، وهذه التسمية اعتز بها، لانني استحقها .

القبطان: ولماذا يسمونك بالسكران ؟

السكران: من اجل المصلحة العامة ياسيدي .

القبطان: وماشأن المصلحة العامة بهذه التسمية؟

السكران: حرصا على عدم تعرية السارقين والناهبين لرواتب هؤلاء العمال والبحارة، فلو كنت انا من الصاحين يامولاي، لحاولت تشخيص السرقة والنهب وتعرية اللصوص، ولهذا فمن المصلحة العامة ان اكون دائما في حالة السكر، اطمئن (يؤشر بيديه على فمه بالانسداد وعدم التفوه، ويتكلم هذه العبارة التالية باللهجة الشعبية البغدادية) صدكني اربع وعشرين ساعه مقفول، وهذا ايضا يدخل من باب الحرص على المصلحة العامة، والان جاء دورك للاجابة على اسئلتي يامحترم، نحن في زمن الديموقراطية، فلا تستغرب ان بادرتك بالاستجواب يا: سيدي (يلاحظ علامات الانزعاج والنرفزةعلى وجه القبطان) السؤال، لماذا لا تجالسنا وتشاركنا اطراف الحديث،لتتعرف على احتياجاتنا، اوليس هذا من مهام واجباتك ايها القبطان؟

القبطان: لقد اوكلت بهذه المهمة لرئيس العمال .

السكران: وهل منحته من الصلاحيات باتخاذ مايلزم من الاجراءات؟ ان يديه مكبلتين، ولسانه مقصوص بحد السيف، ولهذا تراه لايستطيع ان يحرك يداه، ولا ان يتخذ اي قرار يراه مناسبا لمصلحة العمال والبحارة ان لم يعود لاستشارتك !!

القبطان: لان نظامنا هذا كنظام مجلس الشورى، ولهذا يجب ان نتباحث فيما بيننا ويستشير واحدنا للاخر، كي يتسنى لنا قيادة هذا المركب الى بر الامان !!

السكران: اذن احدكم يكذب علينا، اما انت واما هو، طبعا اذا تسمح لي بهذه الجراة الادبية، لاننا في عهد زمن الديموقراطية ياسيدي، وانت من المشجعين لها، اليس كذالك؟ احلفك بشرف تلك الفتات التي تودي واجباتها الامينة والرصينة في كابينتك، من منكم هو الصادق انت، ام وكيلك هذا؟

القبطان: دعني انا اسئلك سؤالا، لربما انني قد تنازلت من موقع المسئولية، انما لايضر ذالك، لاننا في زمن الديموقراطية، ولهاذا رايت من الواجب ترجمتها على صعيد الواقع .

السكران: تفضل .

القبطان: (بعصبية ونرفزة) اتعتقد ان هذا المركب هو خان جغان؟ كل من يعمل على ظهر هذا المركب، لا يمكنه ان يتخذ اي قرار من دون الرجوع اليا .

السكران: كما انك لا تستطيع اتخاذ اي قرار من دون الرجوع الى اسيادك المستثمرين !!

القبطان: من اين اتتك هذه الجراة واعطتك الحق في مسائلتي؟

السكران: من خلال الديموقراطية والتي تنادي بها ليلا ونهارا، هذه الديموقراطية ياسيدي جعلتها فقط شعارا تخفي ورائها ويلات وكوارث انسانية لا حصر لها في العد والتعداد،

القبطان: انت تكذب، انا منحتكم الحرية على ظهر هذا المركب وانقذتكم من نير العبودية والدكتاتورية .

السكران:حريتك هذه والتي من خلالها، كبلت قيود العاملين المثقفين والمهرة من العمال اللذين اجتهدوا في سعيهم الدراسي للحصول على نتائج جيدة، متاملين منها خدمة هذا المركب وتكييف حياتهم على هذه الديموقراطية، فماذا كانت حصيلتهم؟ لقد اصطدموا هؤلاء البؤساء بديموقراطيتك التي اعلنت عنها، واصبح الكلاب المأجورين يسرحون ويصولون بحرية، والمخلصين العاملين ليس لهم الا ان ينفذون مايؤمرون به، ومن دون ان يتفوهون باية كلمة يدافعن بها عن ارائهم، اهذه هي ديموقراطيتك ياكابتن؟

القبطان: وكيف يكون شكلها اذن؟

السكران: (ينفجر ضاحكا) ويح لي، اتسال شخصا سكرانا عن الديموقراطية؟ فاليكن، مع انني متاكد، بان نهاية حياتي ستكون في قعر هذا المحيط، انما لا يهم، الاف الضحايا من اللذين شنقوا ظلما على اليابسة ولم يهابون الموت، ومهزلة الجلادين اللذين يخفون اوجههم باقنعة تخفي ملامح الخوف والرعب من هذا المشنوق (يضحك مستهزئا) فاليكن جسدي جسرا تعبر من عليه الالاف من هؤلاء العمال والبحارة، وانا سعيد في مثوايا الاخير، صدقني ايها القبطان، نهاية كل حر صادق جريىء، هو قاع المحيط، افضل من اللذين يهتفون باسمك جبنا وخذلانا، واما الاحرار من الكادحين ياقبطان من اللذين قيدتهم واخفيتهم في سراديب هذا المركب هم ضحية هذه الديموقراطية المستوردة من خارج هذا المركب، لا تقل عني هذا سكران انما صدقني، ان الحقيقة والصراحة لا تخرج الا من افواه السكارى، وهاهي يدايا وقدمايا تفضل وقيدهما بالاصفاد والقيود، ودع جلاوزتك يرمونني في قاع البحر لانني لست افضل ممن سبقني الى قاع هذا المحيط، واما انت، ابقى وردد: الشهداء اكرم منا جميعا، واعلنها على لافتة كبيرة وعريضة تخدع بها هؤلاء المساكين، وانت متربع على عرش قيادتك ايها القبطان لخدمة اسيادك المستثمرين لاستثمار هذا المركب، واما اولائك العمال والبحارة تسفك دمائهم ويصبحون في ذمة الخلود، وانت تردد الشهداء اكرم منا جميعا .

القبطان: (بعصبية) سالقنك درسا ايها المتامر على سلامة هذا المركب (ياخذ مسدسه من جنبه وبرمي السكران بالرصاص فيرديه قتيلا) اصوات الامواج الهائجة تعلو وصوت صفير المنبه للباخرة يصفر ويزمجر، ممتزجة مع موسيقى مناسبة لنهاية المسرحية)

( انتهت)

***

تاليف جوزيف الفارس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم