صحيفة المثقف

الإرضَة

عقيل العبودبملامح صفراء ووجه مستطيل تعلوه حمرة برتقالية شاحبة رُسِمَت خطوطها بمكياج صباحي عجول، هنالك عند زاوية من زوايا طاولة قريبة الى الملفات، بقامتها القصيرة وخصرها النحيف، تلك الاوصاف التي جاءت متجانسة مع سيقانها المقوَّسَة، وصوتها الخشن، اتخذت مكانا للوقوف منشغلة بكيلِ عدد من الاتهامات لأحدهم. اولئك الذين باشروا عملهم الصباحي.

راحت تنصت بفضول وقح الى احاديث بعض الحاضرين، بينما أطلقت العنان لنظرات عينيها الجاحدتين، وشفتيها المتهدلتين الممزوجتين بلعاب، أوبصاق يصاحبهما دائما، لكأنها تشم رائحة ما.

جلست دون استئذان بين زميلتيها رغم مزاجها العكر، كأنها لا تريد إضاعة فرصة لمعرفة نوع الحديث، بما في ذلك ردود الافعال، وكأنما مسؤولية ثانية أنيطت بها لنشر تقرير اخباري حتى عن انفاس من معها.

المكر ارتبط، بكيفية أدائها في إلتقاط هذا الحديث، اوذاك، مضافا اليه بعض الشائعات؛

حيث بإسلوب ما تـُسْتَنْفَذُ طاقة مَنْ يتم إستهدافه، بعد إيقاعه، اوالإحهاز عليه، ولو عبر إسماعه، كلمة مستفزِّة واحدة، ذلك كما إطباق انياب افعى سامة على ضحيتها.

ذو الابتسامة العريضة، كعادته دائماً، صرف أنظاره بعيدا، تجنبا لرؤيتها، كلماته بحذر راح يرسمها، مع تأمل لا يخلو من استغراب خائب ومقارنة بين ما يسمعه كل يوم من تصنيف وتعليق عنها، وبين شابة خجولة أضاء بها رؤيته وفقا لتفاصيل وملامح تسكن في ذهنه عبر فضاء آمن، وهي تسري كالملاك وفقا لبريق روحها المعطر بأنفاس عالم ملائكي.

الصورة انه تعبيرا عن احساس سالب، وتلافيا لما يحيط به من مفردات يومية، وتجنبا لشئ يضايقه، ابتعد عنها صاحبة الحقيبة الإخبارية، ذلك اللقب الذي اطلق عليها بعد ان أشاعت خبرا عن لقاء موظفة مع موظف في مطعم ما، والنتيجة ان مشاجرة بين تلك الموظفة وبينَ زوجها قد اتخذت منحى خطيرا، أسفر عن استقالة تلك الموظفة.

وعلى ذات الشاكلة، بقيت تلك اللحظة تنذر بالخطر بعد ترويج لقطة صورية عبر احدى وسائل التواصل الاجتماعي، حين تم تداولها من قبلها بغية الإطاحة بين زميلتين معها.

لم يكن احد يتوقع ان هذه التي تم نعتها بمسميات مختلفة والتي تبدو وكأنها طالبة في المرحلة الإعدادية، مطلَّقَة، وأم لطفلة بعمر ال سنتين.

احدهم أطلق تعليقة دون تردد وبصوت عال، "زوجها محق في طلاقها"، بينما قال الثاني ممتعضا" هذه افة، وليست من صنف الْبَشَر"، اما الاخر فقد وصفها بالإرضة.

والوصف الأخير تسمية، أحبها ذلك الجالس بعيدا، بعد مطابقته على جميع مفردات سلوكها حتى مشيتها.

لذلك الملاك، تلك الملامح التي تمسَّكَ بها صاحبي، كوسيلة للإبحار في شواطئه الآمنة، همس بإذنه مشيرا اليه كما عبر إيعاز سماوي، راح يحلق به بعيدا نحو زرقة هادئة، هنالك مع الملائكة، اصطفت جميع الأرواح الطيبة مبشرة بواقع جديد، بينما تساقطت جميع الأوصاف الخبيثة، راح يتمتم مع نفسه متجاوزا مَنْ حوله، هنالك لا يوجد هذا الصنف من البشر، كرر مع نفسه مرة اخرى، سمع الصدى لوحده، ذلك كان أشبه بإيحاء يأمره بإقصاء هذه المخلوقة التي اختلف الجميع معها، لعلهم اصحابه يستعيدون بعض طاقاتهم التي آلت الى الفتور بسببها.

 

عقيل العبود/ساندياكو

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم