صحيفة المثقف

رؤية (تجمع عقول) في تظاهرات العراق

قاسم حسين صالحشهد العراق منذ العاشر من تموز (2018) تظاهرات جماهيرية عفوية غاضبة بدأت في محافظة البصرة وانتقلت الى محافظات الجنوب والوسط، استهدفت بعضها احراق مقرات احزاب شيعية في السلطة، واقتحام مبنى حكومتي البصرة وكربلاء.

وبحسب وكالات الانباء (سكاي نيوز، سبوتنيك، الاتجاه برس) فانه قتل 14 متظاهرا لغاية 23 تموز 2018 وجرح واعتقل 1224، فيما أفادت المفوضية العليا لحقوق الانسان قيام قوى الأمن بهجوم مصحوب باطلاق نار حي على المتظاهرين واخرى بالسلاح الابيض، فضلا عن استخدامها الغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه الساخنة، ضد تظاهرات العشرين من تموز 2018 في محافظات الديوانية ، النجف، ذي قار، اسفرت عن مقتل احد المتظاهرين في الديوانية وآخر في النجف، فيما أكدت تقارير صحفية استشهاد سبعة عشر شابا من (البصرة، العمارة، كربلاء، الديوانية، النجف، المثنى، وبابل..) وجرح المئات من المتظاهرين وافراد القوات الأمنية خلال تظاهرات تموز.

وبحسب جريدة (المدى 17 آب 2018)، قتل متظاهر بنيران قوات الشرطة بناحية عز الدين سليم بمحافظة البصرة، فيما يستمر المعتصمون بالمبيت في شوارع مدينة السماوة منذ تموز الماضي، فيما نقلت فضائية (العربية 18 آب 2018) تظاهر العشرات عند نصب الحرية في ساحة التحرير مجددين المطالبة بتوفير الخدمات وتشكيل حكومة بعيدة عن مبدأ المحاصصة الحزبية ومحاسبة الفاسدين.

ومع ان غالبية المتظاهرين هم من المحرومين المطالبين بتوفيرالكهرباء ومعالجة المياه المالحة وتأمين فرص للعاطلين، فان بينهم خارجون على القانون يستهدفون السرقة والتخريب، وأخرون مدفوعين من اشخاص خسروا الانتخابات، وآخرون لهم ارتباطات بالمشاكل بين امريكا وايران والسعودية.

ان استمرار التظاهرات يثير تساؤلا جديا وخطيرا:

الى أين نحن ذاهبون؟.هل يستمر الحكّام يسخرون من المتظاهرين فيصيب الناس الملل وعن التظاهر يكّفون ؟، أم انهم سيحققون هذه المرّة ما كانوا قد يئسوا منه مرات؟.وهل سينجحون في تصعيد مطالبهم من الخدمات الى الغاء الدستور وحل مجالس المحافظات ومحاكمة الفاسدين..؟، أم أننا الى فتنة كبرى سائرون، تبدأ بحرب الشيعة ضد الشيعة!؟

ان ما حصل ويحصل ناجم عن الآتي:

• عدم امتلاك احزاب السلطة لبرامج سياسية ورؤى تستهدف تأمين حياة كريمة للمواطن، وبناء وطن محترم ينفرد بامتلاكه ثلاث ثروات: تحت الأرض وفوقها وفي العقول..تؤمن الرفاهية لأهله.

• فشل العملية السياسية باعتماد المحاصصة وتوزيع مؤسسات الدولة على احزاب السلطة وعوائل قادتها، واستفراد احزاب السلطة بالثروة.

• شيوع الفساد بشكل لم يشهده تاريخ العراق السياسي ولا دول المنطقة، وعدم وجود اجراءات رادعة للحد منه، اومسعى جاد لاسترداد اموال تكفي لأعادة اعمار بلد خرج من حرب كارثية.

• استمرار استهانة السلطة بمطالب المتظاهرين المشروعة التي بدأت في شباط 2011، وارسلت حينها أحد (مناضليها) لأعطاء الأوامر من فوق سطح العمارة المطلّة على ساحة التحرير لضرب المتظاهرين، وعدم الأستجابة لها على مدى سبع سنوات من صبر العراقيين عليها.

• وحقيقة سيكولوجية اخرى هي أن حكّام الاسلام السياسي الشيعي تحديدا ، يعيشون حالة غطرسة ناجمة عن انهم احاطوا انفسهم بمستشارين يعظمّونهم ويقولون لهم ما يحبون ان يسمعوه، وانعزالهم نفسيا ولوجستيا بـ( خضراء) يعيشون فيها بأمان ورفاهية، وتعّمد اغفالهم الحديث عن الحال البائس للعراقيين لأنه يذكّرهم بأنهم هم السبب، ليس فقط بما حصل لهم من فواجع بل ولأنهم اساءوا للدين الاسلامي بشكل تجاوزوا فيه اساءات الفاسدين من خلفاء الدولتين الأموية والعباسية..الذين لعنهم التاريخ والأحفاد.

اننا في (تجمع عقول) ندين بشدة قيام القوات الأمنية باطلاق النار على المتظاهرين والتعامل معهم بقسوة او اهانتهم، او اجبارهم على توقيع تعهدات بعدم المشاركة بالتظاهرات بالطريقة التي استخدمها الطغاة، وان على الحكومة الاستجابة لمطالب تعدّ امرا عاديا ومتوافرا في بلدان فقيرة لا تملك عشر ميزانية العراق.

ومع اننا نعطي الحكومة الحق في ضبط الامن وحماية النظام من سقوط قد يدخل العراق في نفق مظلم، الا ان ذلك يجب ان لا يكون على حساب كرامة المواطن وهدر حقوقه والتجاوز على ما تضمنته وثيقة حقوق الأنسان الدولية لحرية التعبير والتظاهر.

من جانب آخر، يحيي (تجمع عقول) المتظاهرين الذين اعادوا للشعب العراقي اعتباره، وأثبتوا صدق ما وصف به بأن العراقيين ما استسلموا لظالم ولا انبطحوا لسلطة، ونريد لتظاهراتهم ان تكون بأسلوب حضاري يليق بهم.وندين في الوقت نفسه اعمال التخريب والحرق والتجاوزات على الملكيات العامة والخاصة، وننبه الى ضرورة الحذر من مندسين ومغرضين وسياسيين يعملون باجندات خارجية عربية واجنبية.

اننا نخشى من نهاية مؤسفة لتظاهرات العراق لخمسة اسباب :

• عدم وجود قيادة للتظاهرات تتمتع بالحنكة السياسية وثقافة التفاوض وتحظى بثقة المتظاهرين.

• غياب الانسجام في مطالب المتظاهرين.

• ضعف او انعدام الاسناد الجماهيري للتظاهرات لاسيما شريحة الموظفين.

• ضعف ثقافة الاحتجاج وشيوع ثقافة الضعف والاستسلام.

• قدرة احزاب السلطة على المطاولة في تعاملها مع المتظاهرين باعتمادها على قوى الامن بما فيها الطائرات المروحية.

وعليه فان (تجمع عقول) يرى الآتي:

1. تشكيل قيادة محلية بكل محافظة من الأشخاص الذين لهم دور فاعل ومثابر، وتوحيد تنسيقياتها بقيادة مركزية في بغداد تمثلها، تخول بالتفاوض مع الحكومة بأهداف واضحة ومحددة وفق استراتيجية علمية تنفّذ بمراحل عملية..و(تجمع عقول) يشرّفه القيام بهذه المبادرة الوطنية التي تجنب الوطن واهله من اخطار كارثية، ويأمل من السيد حيدر العبادي استثمار هذه الوساطة من عقول عراقية تضم مفكرين واكاديميين ومثقفين وفنانيين واعلاميين.

2. تعهد ضامن من الحكومة العراقية بتشكيل محكمة من قضاة مستقلين تتولى محاكمة الفاسدين مبتدئة بمن وصفتهم المرجعية بـ(الحيتان) ومعتمدة مبدأ (من اين لك هذا).

3. توظيف التأثيرات الايجابية في خطاب المرجعية المتعلق بحركات الاحتجاج والتظاهرات، ومسؤوليتها الدينية والانسانية والتاريخية نحو شعب العراق.

4.قيام العراقيين في الداخل والخارج بايصال قضية التظاهرات الى شعوب وبرلمانات وحكومات دول العالم.

5.تشكيل وفد من العراقيين يقوم بزيارات لمؤسسات دولية رسمية واجتماعية لعرض ما حل بالعراقيين من فواجع كارثية وبؤس اقتصادي وتفكك اجتماعي وخراب وطن لفشل العملية السياسية باعتمادها المحاصصة ولانفراد احزاب الاسلام السياسي بالسلطة والثروة.

6.ان يكون الاصلاح الفعلي للعملية السياسية والادارية والقانونية، احد اهم مطالب التظاهرات، وأحياء الشعور بدولة المواطنة.

7.استطلاع رأي الملحقيتين الثقافيتين الأمريكية والبريطانية بخصوص موقفيهما من التظاهرات، والمسؤولية التاريخية للدولتين نحو شعب العراق.

والحقيقة المؤكدة ، ان الحكومة العراقية (الحالية او القادمة) لن تستجيب لمطالب المتظاهرين سواء بانهاء المحاصصة ومحاكمة الفاسدين، او بتأمين احتياجاتهم الخدمية ومعالجة البطالة والتردي في الميادين الصحية والتربوية والزراعية، والجرائم الخطيرة التي ارتكبتها احزاب السلطة بحق المواطن والوطن..ما يعني أننا امام احتمالين:اما لجوء السلطة الى القضاء على التظاهرات باية طريقة كانت، او استمرار التظاهرات وتصعيد مطالبها بما يجبر السلطة على الاستجابة للممكن منها..وبدونهما فان العراق سيدخل في نفق مظلم..بنهاية كارثية..سيندم عليها كثيرون أنهم كانوا متفرجين.

 

أ.د.قاسم حسين صالح - امين عام تجمع عقول

18/8/2018

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم