صحيفة المثقف

الطريق

قصي الشيخ عسكرفي البدء كانت الحكاية….

وعن الغالي عبد حفيد الوليّ يجري هذه المرّة الكلام.

فمع الحداء الشجيّ العذب كان يغفو مبكّرا تلك الليلة الّتي ضحكت فيها النجوم وغنّى القمر أغنيته الجديدة بانتظار صباح الغد إذ تصحبه الدّاهية والخادم ملكة الليل إلى العشار فتشتري له بدلة وحقيبة ودفاتر وأقلاما لكي يدرس ويتعلّم فيصبح عظيما مثل أبيه وأجداده، وتابعت الدّاهية قائلة، وهي تحثّه على النّوم مبكّرا: لو كان في زماننا مدرسة لرأيت كيف أصبحنا أنا وأمّك الحاجّة الآن.

أمّا الرّاوية فقد أضافت:

كان يعرف أنّ له أمّا كبرى تدعى الحاجّة، وصغرى تسمّى الدّاهية . كلتاهما ربّته، وأجهدت نفسها من أجل رضاه، ففي بآبي العيون سكن، ومن نافلة القول أن يذكر أنّ الأم الكبرى هامت به أكثر، لأنّ صداقة حميمة شدّته إليها، فكانت له ملجأ وملاذا، سواء خوفا من عقاب، أو طلبا للنّصح، وقد سعدت الدّاهية وسرّها اهتمام الحاجّة به، وانصرافها بالحديث اليه، وثرثرتها معه، كما لو أنّها أعرضت عن الكلام مع غيره. كانت تقضي وقتها بعد وفاة الباشا بالتأمّل، والصمت حيث تتخذ مجلسها جنب عتبة الباب، فتطوف نظراتها الذاهلة من المسبحة الطويلة السوداء إلى الفضاء الرحب الواسع المجلل بالزرقة وحفيف السعفات، ولم تكن لتعترض على أيّ أمر، ولا تعنى بأحد، أو تجيب آخر إلاّ إذا سئلت، حتّى يأوي إليها الصبيّ، فتخرج عن صمتها، وأفكارها البعيدة، فإذا ما جنّ الليل، وتهافتت النجوم مزدحمة في السماء، أو توهّجت جمرات الموقد أيّام الشتاء، راحت تقصّ عليه من حياة الغابرين وسِير الأيّام السالفة حلوها ومرّها، سعدها ونحسها، حوادثها المرعبة، وأنسها، الأمراء العشّاق، والملوك ذوي البأس، ومن مسخهم الله سلاحف، ومخلوقات غريبة، فيرى كلّ شيء مبسوطا أمامه من دون عائق، ويلمس أبعد الأشياء بأنامله. لقد زاده عالم القصص، وأجواؤها الملوّنة البعيدة تعلّقا بأمّه الكبيرة، فمع عالمها البعيد نما وترعرع، وصلب عوده، فلم يكن ليتصوّر أنّ القمر لا يتكلّم، والنجوم لا تغنّي وترقص. كان الذهب يسيل أنهارا تحت قدميه، والرياح تجري خيولا به إلى المدن البعيدة السعيدة أو المسحورة، فيخطر في ذهنه إن تفلت الحكاية من وقتها ومحلّها إلى ما يصادفه من أحداث تجدّ في اليوم التالي، فلم لا يكون الغريب الشحاذ الذي لقيه في طريقه مصادفة ملاكا هبط من العالم البعيد، فتنكّر بزيّ عجوز فقير يشحذ ليختبر نوايا البشر، والأحرى بعبد بن الداهية حفيد الوليّ صاحب الضريح أن يمدّ إليه بشيء ما يعينه به على الحياة، فيكسب خيرا وأجرا، مثلما تحقق لطفل ذات يوم، ساعد الجنيّة وهو يظنّها عجوزا ضعيفة فجعلت من شعره فضّة، وذهبا، ومهما ذهبت الحكايات بعيدا، وحلّقت إلى فضاءات أبعد في عمق السماء، أو انتهت في مساء مبكّر، فلا بدّ من أن يرجع ختامها إلى حمده، وجملها البربريّ، ونهرجاسم عندئذ تتدلّى في ذهن الصغير صورة بعيدة، ومؤلمة:

اسمهم القديم(عرب حمده) وسمّوا قريتهم (بيت جوك)، ثمّ جاء الوليّ الصالح فحملت القرية اسمه إلى اليوم. هاهي حمده تنتظر حبيبها عند قنطرة الحوريّة.

كانت لحظة غروب، ساعة اختطفها النسر، وطار بها بعيدا إلى قصره حيث المصائب والغرائب: فتيات علّقن من أثدائهنّ وأرجلهنّ في السقوف، وصبايا مربوطات من الضفائر. رؤوس مقطوعة. كانت كلّ واحدة ترفض الزواج بالنسر تلقى المصير ذاته ماعدا حمده التي أحبّها ورفضته، وعلى الفور نطق لسانها فقالت: دعني حتّى أنسى وأعتاد حياة القصور، وطباع الجنّ، فلم يقتلها وظلّ ينتظر وينتظر طويلا، لعلّ قلبها يوما ما يهفو إليه، ويلين، أمّا الناس في بلد حمده، فقد لبسوا السواد، مثلما تفعل الحاجة أمّه الكبيرة، والداهية اللتان بعد مصائب بقيتا ترتديان السواد. كان كلّ شيء يمشي بقدر كالميزان، ففي الطريق مات حمد حبيب حمده، وهام بعيرها البربريّ في البراري، ومثلما صرخ الجنّ بموت حمد، هتفت ناعيته بموت الباشا، وقد ضاق الناس بالسواد، وتشاءموا من اسم قريتهم القديم، ولمجرّد أن حلّ الأنكليز، وخططوا الأرض، وزرعوا، ضرب الله على القلوب، فنسي أصحابها اسمهم القديم (عرب حمده)، وسمّوا قريتهم (بيت جوك). كان أبو حمده ذلك الرجل الذي بكى كثيرا لفراق ابنته حتى تقرّحت عيناه واحدا من هؤلاء، نسي الاسم الأوّل هكذا الحياة، وهذا هوحال الدنيا، كلّ يوم لها لباس جديد ومعنى يألفه النّاس بعد حين حتّى جاء الوليّ، فحملت القرية اسمه.

ـ هل الإنكليز مثلنا؟

ـ بشر يشبهوننا لكنّهم زرق العيون بيض البشرة طوال القامات.

تأمّل لحظات وسأل، بعدها:

ـ لكن يا أمّي لم سمّيتموني عبد وليس على اسم جدّي؟

فتمتمت مع نفسها:

ـ داهية مثل أمّك.

في اللحظة ذاتها انصرف ذهنه إلى أكثر من سؤال:

ـ لو كان جدّي حيّا لأنقذ حمده (كان يصرّ على أسنانه) يرفع سيفه ويضرب النسر هكذا ضربة واحدة.

لكنّ اللّه أنقذ حمدة بعدما تاهت في الصحراء. كان يمكن أن تعيش وتموت مثل أيّ صبيّة فلا أحد يذكرها. غير أنّ إرادة اللّه شاءت أن تبقى الصّبيّة الحلوة تنتظر في كلّ مكان. في بلاد السّودان صارت تلمع كالشعر الفاحم فتخطر في ملابسها الزاهية، وفي بلاد الشرق في الصين حوريّة جميلة لها عينان غريبتان ووجه مدوّر، وتكون في بلاد الفرنج شقراء طويلة فارعة القوام يعجز عن أن يحيط بها البصر فسبحان من صوّر الشعر والوجه الذهبيّ يزيدها هيبة وكمالا شالها الأبيض الذي ينسرح على كتفها. كانت روحها تجلس على حوض من مرمر، تمدّ ساقيها فتسيل الحكايات فوق قدميها كالماء، وهي مازالت تنتظر حبيبا عرفها باسمها الأوّل وقد نسيته الذاكرة. إنّه ينتقل في كلّ البلدان، فيراها سوداء مرّة، وشقراء، وصفراء، ويناديها بكلّ الأسماء، كلّ ذلك لأنّها ياعبد ياولدي تتنكّر عن أعين أعدائها، وما أجمل أن تكون نهر جاسم بعد رحلتها مع الأسماء من قبل، وما أجدر بالوليّ أن يمدّ اليها اسمه. تلك الليلة بالذات كانت القصّة قد اختلفت تماما حيث لم يضع حمد في الصحراء فيقتله الجوع والعطش، ففي اللحظة التي دخلت عليهما الداهية، وتحدّثت عن المدرسة، وحالما خرجت، تغيّرت الحكاية تماما: في الزمن الغابر، يوم تكلّمت الحيوانات، والطيور مثلنا نحن البشر، نزلت حمده من قصرالنسر، وكتبت على الرمل مكانها، فحمل الجنّيّ الطيب العنوان على جناحه، وركب النسيم إلى عرب حمده. طار يوما.. يومين.. ثلاثة، وشاءت الأقدار أن يكون حمد هو الوحيد الذي يعرف القراءة، فحمل سيفه، وانطلق على جمل حمده في الصحراء، وهو يغنّي:

جمل حمده يا بربري يأكل عصيدة وينــفري

كلّ الجمـــال تعـارك بس جمل حمده بارك

وبقدرة قادر اندفع الجمل بفارسه أسرع من الحصان، وهكذا هاجرت الحكاية من العهد البعيد إلى الحاضر، فعرفها كلّ بيت، وادّعى كبار السنّ أنّهم سمعوها من جدّاتهم.. فجأة رفع عبد رأسه عن الوسادة، ومال نحو أمّه الحاجّة، وهتف:

ـ أمّي الحاجّة، أمّي الحاجّة، الحكاية ليست هي.

ـ ألم ترد أن يقتل حمد النسر ويعود بحمده؟

فصمت ثانية، وعادت أمّه الحاجّة إلى حدائها الشجيّ العذب، وربّما توقّفت قليلا لتهمس له:

ـ هي إرادة الله التي شاءت ذلك ليكون لحمده كلّ يوم شأن وحال.

كانت تعود إلى حدائها من جديد…

ولم يفهم بالضبط، لم تغيّرت القصّة هذه الليلة بالذات، لكنّه حين تطلّع في عينيها، عرف أنّها كانت تغنّي، وهي نائمة، فابتسم، وهو يلقي برأسه على الوسادة…كان يحلم بالمدرسة ورحلة الغد إلى العشّار…باللحظة ذاتها كان صوتها يخبو بالحداء الشجيّ رويدا رويدا.

[2]

لم يكن قلب الدّاهية ليطاوعها في أن يمشي عبد صبيّ الخير المدلل كلّ تلك المسافة الطويلة إلى مدرسة الدعيجي، فاتفقت مع حوذيّ، بالوقت نفسه، بسطت فضلها على اثنين من أهل القرية، فلجّ، ولهج بالدعاء لها، والّرحمة للوليّ زاهد العمران أبو(حسن)وكاظم المسعود أبو (ناصر) اللذين التحقا بالمدرسة في العام ذاته، فاطمأنّ قلبها إلى أنّ ابنها لن يكون وحده في العربة مع الحوذيّ. اعتاد الثلاثة أن يلتقوا عند قنطرة الحوريّة، ثمّ يسيرون بين النخيل إلى الطريق البريّ حيث تنتظرهم العربة، لتقلّهم إلى الدعيجيّ التي لم تكن بشارعها الترابيّ العريض، وحوانيتها الطينيّة، ومحلّ الجزارة الوحيد جديدة على عبد. لقد رآها من قبل مع أمّه، أو بصحبة ملكة الليل، وقبل الانقلاب بشهور، كان معها أمام دكان الجزارة، فأبصر الطلاب، وهم يخرجون في صفّ طويل، ويهتفون: مؤامرة…مؤامرة…وكم ودّ لو طالت أحداث بغداد، والتبست الأمور كي يتأخّر فتح المدارس، فلم تكن الدّعيجي لتستهويه ولا العشّار الكبير بحوانيته، وعالمه الصاخب. كان يجد حرّيّته في البستان والمكبس، أو قرب أمّه الحاجّة التي لا ينطق لسانها إلاّ معه. كان وجود رفيقيه يبعث الرّاحة في نفسه وسط حشد التلاميذ…وبمرور الأيّام اعتاد جوّ المدرسة، لا سيّما والدته وزياراتها بين فترة وأخرى لمقابلة المدير والمعلّمين، والتّبرّع ببعض الهدايا. الحقّ إنّ الصبيّ اكتشف في الدّعيجي على صغرها، وكآبة دكاكينها، واقعا آخر غير عالم نهر جاسم، وغير العالم الجميل المنطوي على قصص أمّه الحاجّة، خاصّة الأشباح والنّسور، والمخلوقات الغريبة الخفيّة، ولم يصعب الأمر عليها، وهي تعود به مساء إلى إحدى الحكايات الجديدة، وأصرّت على أن تظلّ في عالمها الجميل، على الّرغم مما فيه من عفاريت وأشباح، بل أقنعته أنّ ذلك كان في الزمن الماضي إلى وقت صباها، لكن سرعان مااخترع ابن آدم الطّائرة والسيّارة والمذياع والتلفاز، فأصبح هو الجنّ والعفريت، فأدرك الجنّ الحقيقيّ أن لا بقاء له بعد أن غلب الإنسان على الأرض بمخترعاته، فرحلت أسرابه إلى الفضاء الواسع، وسكنت مجاميعه الّتي لا تعدّ ولا تحصى الكواكب الموحشة بدلا من مقابر الأرض وخرائبها، مع ذلك، فلا يعني الكلام أنّ الجنّ هجرت الأرض بالمرّة إذ سرعان ما تروح تهبط حين يراودها الحنين، والويل لمن لقيه عفريت، والحظّ السعيد لمن قابله جنّيّ صالح مؤمن.

كان الثلاثة سعداء بالعربة، إلاّ أنّهم في غالب الأوقات يشعرون بالملل، فيحلمون بالمطر، ليغطّي الوحل طريق البرّ، عندئذ يستغنون عن العربة يومين أو ثلاثة، ويغتنمون الفرصة باللعب، حالما ينتهي وقت الدّروس، وكان حسن يشبه عبد في حبّه للهدوء والميل إلى الجدّ، على النقيض من ناصر الفيل الذي يطعّم كلامه بنكتة أو حركة لا معنى لها من دون مناسبة، حتّى إنّه حاز على لقب الفيل الذي عرف به فيما بعد، وهو في السّنة الابتدائية الثانية من قبل معلّم الرّسم يوم طلب أن يرسموا حيوانات أليفة من بيئة شطّ العرب، وإذا بناصر المسعود يرسم فيلا…مذ ذاك واللقب يرافقه لأكثر من عام، ولم يسقط عنه إلاّ حين حصل على لقب جديد.

على أيّة حال، بالرغم من اختلاف طبيعة الفيل، فقد بدا كأنّ الثلاثة يبحثون عن شيء عثروا عليه في أحلامهم الجميلة. الواقع، والخيال. نهر جاسم تلك القرية المنغلقة المنفتحة حيث طريق البرّ والتنّومة، والرحلة إلى العشّار عبر السواقي والأنهار. الكبار والمهرّبون يتحدّثون عن عبادان في إيران تلك المدينة الجميلة، فيها كلّ ما لذّ وطاب، قطعة من الجنّة على مرمى البصر. البائع الجوّال الذي يحمل كيسه الواسع على ظهره، ويطوف الدّنيا، فيظنّ الصغار الثلاثة أنّ الرجل العجميّ ذا اللكنة الغريبة يحمل الدّنيا كلّها على ظهره: تارة يبيع صور الملك المطبوعة على الصحون، وأخرى إلى عهد قريب صور الزّعيم، ويشتري البيض، والسلال من البيوت، ويحكي الأعاجيب بلهجته المضحكة عن النّاس هناك، وأحوال العالم، وكأنّ الدّنيا إذ يأتي كلّ شهر أو شهرين مرّة تقبل على الصّغار بكلّ ألوانها الزّاهية:الحياة هناك، الدنيا، وعلى مرمى البصر كلّ ما لذّ وطاب. كلّ شيء قريب وبعيد، والناس يرغبون في أن يسمعوا عن الأماكن الغريبة على أن تظلّ في بعدها. كان هناك خوف يدبّ بين فترة وأخرى. ريبة تتسلّل عبر الأنهار والأشجار كما لو أنّ ذاكرة النّاس تحرّكها من تحت الرّماد، فتلهج به الألسن، لتلتقطه آذان الصغار، فيتخيّلونه كيف شاءووا: قيل من عهد حمده يوم كان الطير والحيوان ينطقان، وكلّ من عليها يمكن أن يخلع رأسه قبل أن ينام ستشبّ في يوم ما حرب على الحدود، ثمّ تنتشر لتدمّر العالم منذ ذلك العهد. جدّ عبد الوليّ أكّد الخبر ذات يوم وهو يزور أهل قريته ذات ليلة وهم نائمون، فيهمس في جوارحهم الخبر عن الطريق، وكان لتلك المصيبة القادمة من زمن ضارب في القدم إلى زمن آت مجهول، مخالب بصور متباينة الملامح: فيضان واسع طاغ يحمل في أحشائه عرابيد تعيث فسادا، ومن قبل يهبّ من مربضه شرق الحدود، دود أسود له شكل الحيّات السّمك الغريب يلدغ ولا شفاء من وجعه إلّا الكيّ بالنار. بالأساس غول اختطف فتاة، وعندما هاجر الجنّ، وابتعد عن الأرض ارتأى أن يغزو كوكبنا بشكل أكثر شراسة، وأعمّ انتقاما، فأين هي الرّاحة التامّة كما يصغي إليه عبد من شفتي أمّه الدّاهية؟

- إلّا الجنّة(كما تستدرك الحاجّة الكبيرة)

- لو كان أبي حيّا للفّ بي الدّنيا مع أمّي الدّاهية والحاجّة. لندن. البحرين. الهند، حتّى لو فتح الطريق وحدثت حرب فإنّ أبي سوف يصحبنا معه إلى بلد آخر، فنكون في أمان حتّى تنتهي الحرب.

كان حسن صامتا في حين عقّب الفيل:

- المرحوم والدك من شخصيّات العهد الملكي، ولو كان حيّا لقتله الشيوعيّون.

سأل باستنكار:

- من قال ذلك؟

ردّ الفيل بجرأته المعهودة:

- النّاس كلّهم. أبي يقول كان يمكن أن يصبح رئيس الوزارة لو لم يختلف مع نوري السعيد.

هزّ كتفيه ساخرا:

- كان أبي إذن يكره نوري السعيد.

الوحيدة صورة والده الّتي ارتسمت في ذهنه. كثيرا ما كان يقف في الصالة حيث موقعها مقابل آية الكرسيّ، فليس هناك من أيّ تصوير للخال أو الجدّ. الحاجّة، والدّاهية، وربّما أيّ إنسان آخر، يذكرون له أنّه يشبه الجميع. صورة الثلاثة فيه:الأب، والجدّ، والخال:

- أمّي الحاجّة تقول كان الزعيم وجماعته موظّفين في العهد الملكي، ثمّ عملوا الثورة. من أدراك لو بقي أبي حيّا لكان يمكن أن يكون من جماعة الزعيم.

ومع وقع الحصان، واهتزاز العربة أطلق حسن سخريته من الفيل:

- يا طويل اللسان، وقليل الإدراك، كلّنا كنّا نحبّ الملك في العهد المباد. أمّي تقول إنّها تحبّ الملك وتكره الوصيّ، ونوري السعيد.

تحمّس لرأي حسن.

- الدّاهية تقول لو امتدّ بأبي العمر ووصل إلى بغداد لكان يمكن أن يصلح الأمور فيجد الزعيم أن لا حاجة للثورة.

الفيل، وهو يهزّ كتفيه:

- الآن لا ملك ولا زعيم ما عدا المشير(وكوّر فمه كما يفعل معلّم التربية الوطنيّة واسترسل في الكلام)المشير المؤمن . من منكم يحبّ المشير المؤمن؟

رفع عبد وحسن إصبعيهما وأجابا بصوت مرتفع:

نعم أستاذ و(بصوت منخفض، وهما يضحكان)هنا فقط في المدرسة

أمّا في البيت، فلنا كلام آخر.

- بماذا تهمسان أيّها الولدان؟

لم يكن عبد ليفهم تلك الحالة التي ربّما يجدها لعبة يتسلّى بها. أحداث أكبر منه يراها تدور على لسانه، فيظنّها، هو والآخران، أكبر بقليل من قدراتهم. والده الباشا. الوزارة. الزّعيم. الطريق، وقصّته التي ارتبطت بالحرب، فظلّت مدخلا لسطوع الظنون، والتأويل من جديد، وعني بها الكبار والصغار، كأنّ الأمر فيما لو وقع، سيكون من الأحداث الجارية على الألسن، ويحتلّ موقعه بين السابق الخالد ممّا مرّ من أحداث، والحقّ لئن ظهر خوف الأهالي من وحش الطريق لارتباطه بتلك الأحداث، فقد كان كلّ منهم خائفا على أرضه من أن يفترسها ذلك الوحش الطويل النّابع من حكاية ما، والمبسوطة بدايته عند التنّومة، ولا يعلم إلاّ الله أين ينتهي، أفي الدّعيجي أم على الحدود. كانوا يرسمون صورا لامتداد، الوحش، لعلّ في الخيال ما يخفّف من مخاوفهم، وكلّ رآه يمتدّ بين النّخيل حسب هواه. الدّاهية كانت تخشى على الأرض والمكبس، إلاّ أنّ الضريح هو المقصد لئلا يرحل جثمان الوليّ مرّة ثانية إلى مكان آخر. رأته يشقّ البساتين متجنّبا أرضها، والمكبس، والضريح، وبستان كندا، فيتّجه عبر البساتين الشماليّة المحاذية للشطّ الصغير، أمّا كاظم المسعود، فقد ترجم ابنه الفيل حلمه:الشارع سوف يأتي من طريق التنّومة، مارا بكوت سوادي، وكوت الجوع، ثمّ يلتفّ بمحاذاة الشّطّ الصّغير، ويقسم المسبح قسمين، وقد يمرّ قربه، ليطلع بعد ذلك عبر بستان الجلبي الكبير، وينتهي بالمفرق.

وللمرّة الأولى، يتدخّل حسن، فقضيّة الطّريق لا تهمّه، ولا تعنى بها عائلته الّتي تمتهن الفلاحة في إحدى أراضي الجلبي:

- إذا تكلّم المهندس الكبير ناصر المسعود، فعلى الجميع أن يلتزموا الصمت، فذلك أفضل.

في المدرسة أصبح خبر الطريق حقيقة. أوّل ساعة دخل فيها الفصل معلّم الجغرافية ذكر أنّ مدير النّاحية قدم إلى الدّعيجي، وتحدّث مع المعلّمين والمختار. كان الحوار يدور حول الطّريق. وكان المعلّم يبثّ الحماس في نفوس التلاميذ، خاصّة عندما استرسل في وصف المآسي، والحوادث المؤسفة السابقة التي كان يمكن تجنّب شرّها لو التفتت الحكومات السابقة إلى حال القرى، فكم عانى المعلمون، وكم من شخص مات قبل أن يصل إلى المشفى، وماذا يحدث لو داهم القرى طوفان على حين غرّة عبر البرّ مثلما حدث في الأربعينيات، أو حريق. قرانا سوف تنفتح على عبّادان فيمتدّ بنا المطاف إلى إيران، والهند، فباكستان، هناك يستطيع ناصر الفيل أن يصبح واحدا من الفيلة الكثيرة، عندئذ تنبسط الأرض بالضحك والابتسامات، وتتمرّغ بأحلام الصغار، ونكات الفيل:

في الفيضان الأوّل تذكر جدّتي عن العربيد.

- ما هو العربيد؟

- الجنّ موجود في القرآن !

-الجنّ وليس العربيد.

-هل ينتهي الطّريق بالهند يا أستاذ؟

- متى تأخذنا المدرسة برحلة إلى عبادان؟

-أيام الخميس والجمع يعسكر الكشّافة في التنّومة والعشّار.

وبقدر ما فرح تلاميذ الدّعيجيّ للخبر، لأنّ التنّومة ستكون وجهتهم في أغلب الحالات بغير عائق، فيستغنوا عن عبور نهر شطّ العرب إلى أبي الخصيب، فقد خيّمت مسحة من الوجوم على وجوه الثلاثة القادمين من نهر جاسم، وسرعان ما خرج الفيل عن وجومه، وكاد يدخل في عراك مع صبيّ من الدّعيجي، سأله ساخرا:

-أيّها الفيل أين خرطومك؟

فهتف، وهو يمدّ يده أسفل بطنه:

-هنا هذا هو المسه كي تصدّق.

كان لا بدّ من أن يمرّ بعض الوقت لينسجم ابن المسعود مع اللقب الجديد، فيرضى به مثلما قبل الألقاب السابقة التي منحت له من أترابه، والنّاس أو المعلمين:السفيه. الأرعن. أو الشمر ذلك اللقب الذي حصل عليه يوم ارتضى أن يلبس الثوب الأحمر في تشابيه عاشوراء، ويذبح الحسين. كان يبدو أكبر من عمره، وأطول من أيّ طفل، وله القدرة على أن يغيّر وجهه، فيبسطه، ويقبضه كالعجينة بالضّبط. كلّ ذلك أوحى له أن يقدم على أفعال لا يجرؤ من في سنّه عليها. كان يسير في الظلام الدّامس وسط البساتين وحده، أو يفكّر أن يغزو مقبرة عريزة منتصف الليل، وكثيرا ما تحدّى تلاميذ الّصفّين الخامس والسادس الأكبر سنّا منه بسب لقبه الجديد، قبل أن تمرّ بضعة أيّام فيعتاد عليه، ويتوقّف الشجار بانتهاء الفرصة، وانصراف الطّلاب مع صوت الجرس إلى قاعة الدّرس.

كان عبد يرحل بعيدا إلى عوالم بعثها الحدث الجديد من النّسيان، فلشدّ ما كانت أمّه الدّاهية تخشى من أن يتحوّل الطّريق إلى علامة شؤم تنذر بمجزرة، قالتها مرارا، وسمعها الصّبيّ، فوجّه سؤاله إلى الحاجّة الكبيرة:

- كيف ستكون الحرب؟

-هذه المرّة يدمّر النّاس بعضهم بعضا بالقنابل الذرّية، فتغطّي

الجثث الأرض، بعدها تقوم القيامة.

الجواب ذاته يسمعه من ابن الرّوّاس. وفي لحظة ما يهاجرالخبر إلى نهاية العالم. لابدّ أن تقوم القيامة في اليوم التّالي بدلا من أن يموت النّاس فرادى، فيستغرق موتهم سنين طويلة، ليأكل جسده الدّود. العالم كلّه يفنى معه. أمام معلّم الدّين:

-أستاذ لو حدثت حرب عالميّة ماذا يكون؟

- العالم كلّه يفنى يا أولادي!

- متى تقوم القيامة؟

- اللّه أعلم!

أمر محيّر. هناك من مات وانتظر طويلا. ألف سنة. مليون. أكثر. مثل أيّ حيوان برائحة تزكم الأنوف، رآه عرضا في البريّة أو البستان، يحفر الدود أشلاءه، ويذوب مع التّراب عظمه، إمّا المؤمنون فتذكر الحاجّة ومنهم الوليّ جدّه، فلا ينخر البلى عظامهم، ولا يأكل التّراب لحمهم أمّا نحن وقد قضت الحرب على الأحياء جميعا، فلن نرقد ملايين السّنين، فلا تتعفّن أجسادنا ولا يأكلها الدّود لأنّ القنبلة الذّرّيّة تفني كلّ حياة تدبّ فوق الأرض حتّى النّمل والسّوس والبكتريا التي لاتُرى بالعين تفنى!. الطّريق على وشك الظّهور، والعالم يسير نحو الحرب، لكنّ الفيل يردّ بسخرية شأنه كلّ مرّة:

- ولم تتخلل أجسادنا طويلا، وكلّنا موتى!

يتجاهل المعلّم سخريته، ويعقب:

- لو قامت القيامة، ستربحون أنتم فقط لأنّكم صغار تدخلون الجنّة بغير حساب أو كتاب.

-الجنّة؟!

-اللّه لا يحاسبنا؟

الحاجة الكبيرة. المعلّم. الدّاهية. كلّ كبار السنّ يشيرون إلى الجنّة والأطفال، إنّهم طيور الجنّة، هناك أرض ينقل إليها النّاس إذا ماتوا، فيشعرون بالأمان، ولولا إرادة اللّه التي بعثت الفيضان، لكان جدّك في تلك الأرض البعيدة التي دفن بها أبوك وخالك. الموتى إليها يرحلون أمّا الأطفال الصغار، فلا خوف عليهم، أينما دفنوا في الدّنيا فمصيرهم إلى الجنّة في الآخرة. الله لا يحاسب الصغار، مع ذلك، فالدّاهية تعاقبني إذا تسلّلت أيّام الصّيف، ساعة المدّ إلى النّهر، وحاولت السباحة، وتطلب من أمّي الحاجّة الكبيرة ألا تحكي لي قصص المساء. لست وحدي. حسن أيضا يربطه أبوه مع الدّجاج، والفيل لسعته أمّه بالنّار على كفّه لأنّها امتدّت إلى جيبها. عالم غريب. لم يعاقبنا المعلّم، وأهلنا، واللّه يدخلنا الجنّة ولا يلتفت إلى أفعالنا؟

- اسأل المعلّم يا فيل.

- وأنت؟أليس عندك لسان؟

بغض النّظر عن الاحتجاجات المكتومة. كان الثلاثة يفكّرون بنهاية العالم، وإنقاذ العالم من الكارثة المتوقّعة، فلم يجدوا غير الاستحواذ على الاسم الأعظم، فقد كانت إشاعة الطريق التي أوشكت أن تكون حقيقة، مفتاحا للغز كبير. لو كان يملك تلك الآلة السّحريّة. مصباح صغير يدعكه بأنامله، فيغيّر مجرى العالم. في عزّ البرد يأمر مدير النّاحية،، ومدير الشّرطة، وكلّ هؤلاء الذين يكرههم أن يتعرّوا حتّى تزرقّ جلودهم، وأمامهم معلّم الجغرافية ذو الوجه البدين الذي يتحدّث عن العالم وطرقه وقنواته، وكأنّه غول يلتهم الهواء:

-هل من سؤال؟

-الناس يقولون لو تمّ الطّريق، لتمكّنت إيران من مهاجمة العراق، واحتلال شطّ العرب.

الغول حائر. كيف يستوعب الصغار مثل هذا الكلام؟النّاس خائفون من الحرب، والصغار يسألون، كأنّهم في سباق مع الزّمن، لتصبّ الحكايات، فيما بعد في درس الدّين، فراوية الدين، على لسان المعلّم، تحدّثت قبل راوية نهر جاسم، وقبل الحاجّة الكبيرة:اسمعوا حين يُبعث النّاس ينهضون عرايا، عيونهم مطبوعة فوق هاماتهم، حتّى لا يرى أيّ منهم عورة الآخر، وقتذاك يؤتى بالموت على صورة كبش أسود، فيُذبح أمام الخلق، فيعرفون أن لا موت بعد يوم الحساب، فإمّا إلى الجنّة أو النار.

- من يدفن الجثث لو من قامت حرب عالميّة؟

-الملائكة!

الأمّ الحاجّة قالت ذلك، لكنّها غيّرت نهاية حمده ولم تغيّر نهاية العالم.

أستاذ هل صحيح سيكون الطّريق سببا للحرب؟

- خرافات عجائز !

- متى تحلّ نهاية العالم؟

اسمعوا يا أولادي. الدّنيا ما زالت بخير، ونهاية العالم بعيدة. اللّه وحده يعلم متى تحين الساعة، ولن تقوم مادام في الدّنيا ناس يفعلون الخير يصلون ويصومون، ينهون عن المنكر، ويأمرون بالمعروف.

في ذهنه سؤال، يدور إلى هذه اللحظة، خبر سمعه من الدّاهية، لم لم تفكّر الحكومات المتعاقبة في فتح الطّريق، بإمكان عبد أن يحبط مساعي الحكومة، لو يملك الاسم الأعظم، وهو موجود في القرآن، ولا تمسّه النّار، لوأحرقناه ورقة، ورقة لعرفناه، ولكن:

هل يدخل النّار من يحرق كتاب اللّه؟

ولم يفعل الإنسان ذلك؟هل تخشى عليه إذا بليت أوراقه؟إذا كان الأمر كذلك، فألقه في الماء، فذلك أفضل من الحرق.

هاهو يعثر على الحلّ. يرمق صديقيه، فيرى الارتياح مرتسما على وجهيهما. سوف لن يصابوا بالجنون. كان القرآن مكتوبا على جريد النّخل، ثمّ جمعوه على نسخة واحدة، وأحرقوا النّسخ الباقية. أمر لا تعرفه الحاجّة الكبيرة، وحين سمعت به، هزّت رأسها ولم تعلّق على الأمر، وليس هناك من مأوى أفضل من قبر جدّه. مكان لا تدخله الشياطين، لا جنّ ولا سحرة، بقادرين على اقتحام ذلك العالم الهاديء الرّزين، وعلى الصغار الثلاثة أن يلمّوا الغيوم المتناثرة في السماء حبّة حبّة، ويحتكموا إليها ليتخلّصوا، من العربة بضعة أيّام، ولم تكد الحصص تنتهي حتّى، نقرت بعض القطرات على زجاج الشبّاك. كانت قطع الغيوم تضفي على الجوّ عتمة ثقيلة، والعيون شخصت إلى الخارج، كأنّها تحثها على المطر، وبدت سعادة عبد أكبر من أيّ طفل، وزهوه، وهو يسمع الأطفال وبعض الصبايا يغنّون، فيلمّحون باسم والده الباشا:

مطر.. مطر يا حلبي عبّر بنات الجلبي

مطر.. مطر يا شاشا عبّر بنات الباشا

في الليل استمرّ هطول المطر إلى الفجر. النّسوة الثلاث تجمّعن في غرفة الداهية، شأنهن كلّما عبس الجوّ، وعصفت الرّيح في الخارج، كانت معهما ملكة الليل التي يقال إنّ جدّ النّمر اشترى جدّتها أيّام الرقيق، ولم تغادر البيت، بعد وفاة الباشا، شأن العبيد الآخرين. كان عبد يضع رأسه على ركبة الحاجة بعد أن فرغ من سرد ما جرى في المدرسة عن الطّريق الجديد، وحديث المعلّمين للتلاميذ، وعلامات الاهتمام تلوح على وجه الدّاهية، ثمّ لا ينسى أن يستحثّ الحاجّة أن تحكي له قصّة جديدة، وربّما استوحت تلك المرأة الصّامتة النّاطقة قصّتها الجديدة، هذه المرّة، من وحي العراء الموعود بالمطر، في تلك الليلة، فسمّتها قطر النّدى. أميرة جميلة شقراء كالضّوء ذات أسنان بيضاء، مثل الثّلج، أحبّها النّسر ذات يوم، فأحسّ الهواء بآلامها، وحرّك جناحيه، فثارت عاصفة شديدة ألقت النّسر بعيدا، ولعلّ عبد آنس للحكاية، ولاقتراح الدّاهية أن يبقى في البيت غدا إذا ما استمرّت العواصف، ولم ينقطع المطر.

- عندما بكت الأميرة، قطر النّدى، سقطت دمعة من عينيها، فنزل المطر على العالم، وتحرّك ملك الرّياح من نومه، وهو يصيح غاضبا:لا تسبّي الهواء…أنا الهواء…أنا الهواء، ثمّ راح يجمع التّراب، والغبار، والرّمل، وألقى كلّ حمله بوجه النّسر الشّرّير.

ولم تكد تتمّ عبارتها حتّى فرقعت السّماء، وانفجرت، ولاح من النّافذة برق ساطع عن بعد أشبه بالبركان. صوت انفجار هائل، فندّت عن الحاجّة تمتمة، وشهقة عن الخادم السوداء، وعيناها تلوذان حولها:

- يا ساتر أين وقعت؟

تمتمت الداهية، وهي تصلّي على النّبيّ:

صاعقة!. يا حافظ (وأضافت، وهي تتنفّس الصعداء):الصّوت عند الصّوت عند طريق البّرّ. الحمد للّه. دائما يجعل الصّواعق تسقط في أماكن غير مأهولة بالسّكّان، وإلاّ…

وداعبت الحاجّة شعر عبد، كأنّها تخصّه بالحديث وحده:

في طفولتي سمعت أنّ صاعقة وقعت على رجل من أهل أبي الخصيب، اختارته من دون الآخرين، وشاع في المدينة أنّه عذاب اللّه تعالى، حلّ بتاجر مراب لا يأبه بحدود اللّه.

ثمّ دخلت في صمتها، كما لو أنّها تسابق الخارج إلى الهدوء، ولم تدر الدّاهية، أهي مجرّد حكاية، أم حدث وقع أيّام زمان، فقد نسيت الكثير، وحفظت الذّاكرة القليل. كان عبد يسأل نفسه:أحقّا كلّما خطف النّسر فتاة هبّت عاصفة تلقيه بعيدا، وصوت الدّاهية يعقّب:

- نم الآن، ودع الحكايات إلى يوم آخر، فلنا خير حارس عين ربّ لا تنام.

 

قصي الشيخ عسكر

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم