صحيفة المثقف

الانتخابات الرئاسية في الجزائر (2019) والخطر القادم

علجية عيش

من المتعارف عليه في الجزائر أنه كلما اقترب موعد الإنتخابات الرئاسية إلا وتعيش الساحة السياسية على وقع تعديلات حكومية وتغييرات، لم تمس الإدارة فقط وإنما الجهاز العسكري ( الجيش) وما رافقه (الشرطة والدرك)، وكل مسؤول يتم تعيينه على جهاز ما، إلا ويتسم بالإقالات، وأصبح الشعب ينام ويستيقظ على الخلع السياسي، والقليل منهم من يعرف من هم المسؤولين في الدولة، لأن كل واحد يرى نفسه هو الدولة والقانون ويختار مساعديه على مقاسه هو، ويمكن القول أن الحرب السياسية القادمة في الجزائر ليست حرب أفكار بقدر ما هي حرب مناطق، أي أنها مرتبطة بمواقع جغرافية، هناك إشارات بدأت تدل على ما سيجري في الأشهر القادمة، وهذا يجعلنا نقف عند موقف مالك بن نبي من خطر الدخداخيات، أين نجد الرأس في الخارج والأرجل في الداخل، وقد حذّر مالك بن نبي من هذه الأخيرة كونها أشد خطرا، لأن مهمتها التنفيذ

تميز المشهد السياسي في الجزائر بعودة التحالف الرئاسي من خلال إعلان الأحزاب الموالية للسلطة عن مساندة الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة ودعوته للترشح لعهدة خامسة، في وقت أعلنت فيه أسماء جديدة عن ترشحها للإنتخابات الرئاسية القادمة ومنهم ناصر بوضياف نجل الرئيس المغتال محمد بوضياف، وأسماء أخرى لم يكن لها الحظ في الوصول إلى قصر المرادية، أما الذين لم يتمكنوا من منافسة الرئيس بوتفليقة في الإنتخابات السابقة، رغم اجتيازهم عقبة جمع التوقيعات المطلوبة، وأبرزهم علي بن فليس الذي كان اليد اليمنى للرئيس الحالي، عبد الله جاب الله، موسى تواتي، أحمد طالب الإبراهيمي، سعيد سعدي، لويزة حنون، فإن الجميع كان يندد بعملية التزوير أثناء العملية الإنتخابية، مما مكنت الرئيس الحالي من انتزاع عهدة جديدة، بفضل توظيف الإدارة، ولم يتحقق مشروع التغيير الذي كان مطلب التيار المعارض، من أحزاب وحركات (حركة بركات)، وتكرر السيناريو في العهدتين الثالثة والرابعة، أما اليوم وبحكم الحالة الصحية للرئيس الحالي، فالأمر يختلف، وفي ظل التغيرات التي تشهدها الجزائر على كل الأصعدة والمستويات، فهي تحتاج إلى حاكم قادر على تحمل الأعباء والمسؤوليات، لكن طالما محيط الرئيس والسائرين في فلكه بما فيهم شيوخ الزوايا، وما يقومون به من ممارسات، لا يُمَكِّنُ المعارضة من تحقيق التغيير المنشود، وهم يتكهنون بوقوع التزوير، وهذا يعني أن اللعبة مغلقة، وهي الآن في يد التحالف، ولا شك أن الرئيس سيبقى لعهدة خامسة، إلا إذا طرأ أمر ما، هو في يد الغيب طبعا.

لقد وقف الملاحظون بين فريقين، فريق يرى أن الرئيس لا يرغب في البقاء في الحكم بحكم حالته الصحية، لكن حلمه أن يتوفى وهو في الحكم (رئيس) وأن تشيع له جنازة تليق بالرؤساء، كما شيعت جنازة الرئيس هواري بومدين أو أفضل، وإن كان لا مانع من أن يظل الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة رئيسا شرفيا للجزائر كما هو رئيس شرفي للحزب العتيد، يرى الفريق نفسه أن ذلك لا يمنع من تحقيق التغيير، وإرساء دولة جمهورية جديدة بوجوه جديدة، أي تجسيد فكرة "التشبيب" ليس داخل الأحزاب فقط، وإنما تعميمها على مؤسسات الدولة كلها، بما فيها رئاسة الجمهورية والوزارات، كما هو معمول به في الدول المتقدمة، وليس هذا مطلب المعارضة وحدها بل فئة من الجماهير، التي لا تريد شيئا سوى تطبيق العدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة، وتغيير الواقع الأليم الذي تعيشه البلاد في كافة المجالات، وهذا يتطلب إعادة النظر في البرامج والمشاريع التي لم تتحقق إلى اليوم وأخرى مجمّدة بسبب الأزمة المالية، السؤال الذي يتجدد طرحه في حالة أعاد منافسو الرئيس الترشح لإنتخابات 2019، هل سيتمكنون من تنشيط حملاتهم الإنتخابية عبر وسائل الإعلام لشرح برنامجهم؟ أم أن هذه الأخيرة (وسائل الإعلام) سوف تحتكر لصالح مرشح السلطة؟ حتى وإن فتحت لهم الأبواب، فإن سياسة المقص وتكميم الأفواه ستلعب دورها كما ينبغي.

الملاحظ في الوقت الحالي أن "الديناصورات" الأخرى لم تفصح بعد عن نواياها، وهي تخطط في الخفاء لما هو آتٍ، أما الراغبين في الترشح من الوجوه الجديدة أغلبهم شباب، قرروا دخول معركة خاسرة من البداية، لأنهم ليسوا في السلطة ولا يملكون وسائل التحايل على الشعب والتلاعب بالصناديق، كما لا يملكون تجربة سابقة في دخول معترك الإنتخابات، تبقى أسماء أخرى من الذين سبق لهم الترشح الملاحظ أن أسماؤهم لم تعد تُذْكَرُ، أو غابوا عن الساحة إن صح التعبير، أو أنهم يعملون في الخفاء، وقد سبق وأن أطلقت عليهم ألقاب عديدة، لا تعرف الساحة الشعبية إن كان هؤلاء سيعلنون عن ترشحهم رغم كبر سنّهم أم لا؟، لكن ما يمكن الجزم به هو أن هذه الأسماء اشتعل رأسها شيبا، ولا شاك أنها لن تتنازل عن كرسي الرئاسة الذي يسيل اللعاب أكثر من مقاعد الوزارات، ماعدا الوزارة الأكثر سيادة وهي وزارة الدفاع، لأن عادات وتقاليد البلاد هي أن يكون رئيس الجمهورية هو وزير الدفاع نفسه، ودون الحديث عن العنصر النسوي وعلى رأسهم زعيمة حزب العمال لويزة حنون، المغامرة الوحيدة التي تقدمت لهذه المنافسة الشرسة من أجل قيادة البلاد، ويكون لها اسم عالمي على غرار أنديرا غاندي، بنظير بوتو، ونساء أخريات هن مَلِكَاتْ، فهذا يوسف الخطيب الملقب بـ: "مرشح التاغنّانت" عمره الآن 85 سنة، يبدو أنه أكثر ديمقراطية من الديمقراطيين، كما أن مواقفه شبيهة إلى حد ما بمواقف الرئيس بوتفليقة فكلاهما عسكري وثوري، والاثنان ناديا بوضع حد للشرعية الثورية، لكنه يختلف عن بوتفليقة في أنه من دعاة بناء دولة مدنية، ويرى أن الجيش له مهامه الخاصة، خاصة وأن الرجل لم يكن على وفاق مع الرئيس الحالي، منذ أن وضع تحت الإقامة الجبرية أيام الرئيس هواري بومدين وتعيين بوتفليقة وزيرا للخارجية، والحقيقة أن الصراع بين الرجلين كان تاريخي أكثر منه سياسي، وهو يعود إلى انقلاب 1967 الذي انطلق كما تقول بعض الكتابات من الولاية التاريخية الرابعة.

وهذا مقداد سيفي عمره الآن 78 سنة، رئيس الحكومة السابق، محسوب على حزب التجمع الوطني الديمقراطي، يقال عنه أنه يجمع بين البيروقراطية والتكنوقراطية، لا يؤمن سوى بالأرقام ولا يتكلم إلا بها، سبق له وأن ترشح خلفا للرئيس اليامين زروال، ما يميز مقداد سيفي هو أنه يعرف كيف يستقطب الجماهير غليه بخطابه عن التاريخ والهوية، ورغم ذلك فقد فشل امام الديناصورات التي هي أقوى منه، حيث لقبوه بلاعب الاحتياط، ويأتي الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي نجل رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بشير الإبراهيمي، عمره 86 سنة، شغل منصب وزير التربية الأسبق ورئيس حزب العدل والبيان المحظور، يعرف عنه كشخصية دبلوماسية، بحيث يحسن التحاور والتفاوض مع الآخر، كما يجيد لغة الإقناع، قيل عنه أنه الرئيس الذي كانت تبحث عنه الجزائر، وكان من الذين أقروا المصالحة الوطنية والحوار بدون إقصاء، أما مولود حمروش الذي يبلغ من العمر اليوم 75 سنة، ومعروف عنه أنه ابن النظام، لكنه كان من دعاة الإصلاح والتغيير السياسي، ووقف ندا للند أمام الأمين العام السابق للأفلان عبد الحميد مهري رحمه الله، والمحسوب على التيار المحافظ، ومولود حمروش من أكبر الحالمين والطامحين للوصول إلى قصر المرادية، هؤلاء يجتمعون في قاسم مشارك وهو الخطاب الوطني الديمقراطي، والحديث عن أحمد غزالي صاحب ربطة الفراشة له نكهة خاصة، رئيس حكومة سابق، عمره الآن 81 سنة، يصفونه بالخفيف، وهو الوحيد في الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكومة، ويختلف عنهم في كونه الوحيد الذي واجه المدّ الشيعي في الجزائر عندما ترأس لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية، رافضا استخدام الدين في العملية السياسية.

تبقى الأحزاب التي تنتمي إلى منطقة القبائل وفي مقدمتها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية حيث أعلن رئيسه السابق السعيد سعدي البالغ من العمر 71 سنة عن رغبته في الترشح لرئاسيات 2019 بعدما استقال من عضوية الحزب، يلقبونه برسول العلمانية في الجزائر، فهو مؤسسة العلمانية في الجزائر، ويعد أكبر عدوّ للسلطة، وإن كان السعيد سعدي خريج مدرسة الأفافاس، فإستراتيجية سعدي تختلف عن التي تبناها حزب الدّا الحسين، وبالتالي لأمكنهما أن يشكلا معا تحالفا سياسيا يمثل منطقة القبائل وما جاورها، أما عن جبهة القوى الاشتراكية FFS، يقال أنها ما تزال على خطى الدّا الحسين رحمه الله، والذي يوصف بعميد المعارضين في الجزائر، فهذا الرجل كان من الرافضين للترشح لمنصب رئيس جمهورية ليس بسبب التزوير فقط، بل لأن الانتخابات تدخل في باب التطبيع مع النظام، وحتى لو تحالفت هذه الأحزاب مع بعضها، فمن المستحيل أن يكون رئيس الجمهورية الجزائرية ينتمي إلى التيار "البربريزمي" berberisme، وهذا بسبب الصراع العربي الأمازيغي الذي له جذور تاريخية، رغم اعتراف السلطة باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، هكذا جرت العادة في الجزائر، فمعظم الذين في الحكم هو من منطقة الغرب.

أما عن الشيخ عبد الله جاب الله البالغ من العمر 75 سنة، يسعى للربط بين الأصالة والحداثة من خلال وضع الشّاشية وربطة العنق، هذا الأخير الذي واجه مسلسل الانقلابات عليه من قبل الإسلاميين أنفسهم، فمن تأسيسه حركة النهضة إلى تأسيس حركة الإصلاح الوطني وهو الآن يقود جبهة العدالة والتنمية، يرافقه ظله لخضر بن خلاف الذي يأبى أن يفارقه، كلاهما يضعان أصبعهما على نار واحدة، لا أحد يخون الآخر، يتفقان على مبدأ واحد: يربحان مع أو يخسران معا"، والحديث عن الإسلاميين، يحتاج إلى مساحة أوسع من هذه، فقادة الأحزاب الإسلامية لم يفصلوا بعد في اختيار مرشحا واحدا للانتخابات الرئاسية القادمة، المعطيات تقول أنه مستبعد تماما أن يفوز مرشح من الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية القادمة، حتى لو كان مرشح إجماع، تجنبا لسيناريو 1992، وحتى لا تضطر السلطة إلى إلغاء الانتخابات من جديد.

ما يمكن قوله هو أن زعماء أحزاب السلطة وفي مقدمتهم حزب جبهة التحرير الوطني أكبر الأحزاب قوة ووعاءً، والتجمع الوطني الديمقراطي ثاني أكبر حزب في البلاد، بعدما التحقت بهما أحزاب أخرى موالية للسلطة وهما حزب تاج الذي يقوده الوزير السابق عمار غول، وحزب عمارة بن يونس والساحلي، قد قاموا بحملة انتخابية مسبقة لصالح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ مطلع السنة الجديدة 2018، وكانت تجمعاتهم الشعبية إعلان عن مساندتهم لترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، رغم أنهم يدركون جيدا أن حالته الصحية لا تسمح له بالاستمرارية وعليه أن يخلد للراحة، السؤال يتكرر: هل هؤلاء أحبوا الرئيس فعلا؟ أم أن بقاءه في الحكم وفي حالته هذه ضمان لهم بالبقاء أيضا؟، يذكر أن الحالة الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بدأت تتدهور منذ أن تعرض لجلطة دماغية في سنة 2013، ومنذ ذلك الوقت و الرئيس يتنقل بين المستشفيات الأوروبية للعلاج، ولم يظهر كثيرا أمام عدسة الكاميرات، كما أنه لم يخرج أمام الشعب ويلقي خطابا منذ أن سقط أسير المرض، الخلاصة أن الأيام القادمة ستكون امتحان عسير على الشعب الجزائري، حتى لا نقول أنها الخطر القادم، لأن الشعب ومؤسسات الدولة ستكون في مواجهة عنيفة مع قوة تمثل رأس حشرة ضخمة وقوية، هي تلك التي سمّاها المفكر مالك بن نبي بـ:" الدخداخيات"، الرأس في الخارج والأرجل في الداخل، هذه الأخيرة مهمتها التنفيذ، لأن الاستعمار لا يمكن أن يغادر بلدا استعمره دون أن يترك أذياله، لإبقاء سيطرته في كل الميادين، سواء كانت اقتصادية أو ثقافية، وعمل الدخداخيات كما هو معروف أشد خبثا، وقد حذّر مالك بن نبي من الأرجل التي تعتبر أكثر خطرا من الرأس، لأن ما يهم هو عملية التنفيذ وكيفية التنفيذ، وهذا يعني أن قرار تعيين الرئيس القادم للجزائر سيأتي من الخارج، سواء إبقاء الرئيس لعهدة خامسة أو تعيين (وليس انتخاب) رئيسا بكون بالمواصفات التي تريدها الرأس المفكرة والمقررة لكي تبقى محافظة على مكانتها داخل الجزائر، وذلك هو الخطر القادم، لأنها كما قال مالك بن نبي أحيانا لا تحتاج إلى الأرجل المحلية لأنها تستغل أحيانا إهمال الشعب أو المجتمع لما يخدمه ويخدم بلده ودينه وينجرف وراء أشياء لا تخدم مشروعه الحضاري.

 

علجية عيش

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم