صحيفة المثقف

في الثابت والمتغير

علجية عيشسؤال يتجدد مع اقتراب موعد سياسي حساس فيه يقرر الشعب الجزائري مصيره في ظل دعوات التغيير لاسيما المعارضة التي عبرت عن رفضها لعهدة خامسة، سواء كانت حركة مواطنة أم بقية الأحزاب الإسلامية، هذه الأخيرة كلما جاء ذكرها إلا وأعادت إلى الذاكرة الحرب الأهلية التي وقعت في الجزائر في بداية التسعينيات، من أجل إقامة دولة إسلامية دستورها القرآن (إن صدقت النوايا طبعا)، ما دفع بالديمقراطيين إلى القول: أن الإسلام غير قادر على الممارسة الديمقراطية، وكانت هناك نقاشات عميقة حول الثنائي " الدين والسلطة"، وهو ما أدّى إلى نشوء صور مختلفة لتنظيم الدولة، والاثنان كانا يسيران على منهج المعارضة، ولكلّ رؤيته الخاصة في بناء أرضية صلبة في ترسيخ الهوية وتكوين الأمّة وحماية الشباب من التفسخ، ووضع حد لكل أشكال الهيمنة، من جهتهم يمكن القول أن الإسلاميين بالغوا في فرض أفكار متشددة وبعيدة عن الواقع، لدرجة أنهم كفروا بالديمقراطية وكفّروا أصحابها.

هذه الديمقراطية التي حظيت باهتمام الكثير من المفكرين في كتاباتهم، ومن بينهم المفكر الجزائري مالك بن نبي الذي تحدث في كتيب له باللغة الفرنسية عن الديمقراطية في الإسلام، في ما وصف دعاة الانفتاح الإسلاميين بأسماء عديدة منها الرجعية، الأصولية وغيرها، يقول محللون أن الحرب الأهلية في الجزائر كانت عبارة عن حرب دينية مضادة، حرب بين الدولة والمسجد، حيث كان الدين له أهمية كبيرة في الخطاب السياسي الذي كان يمهد لميلاد دولة جديدة تلغى فيها القوانين الوضعية والنظام العلماني ويطبق فيها شرع الله، وتعتبر المجتمع تبعا للتصور الديني، واعتبروا أن القوانين التي جاءت بها الشريعة الإسلامية قوانين مطلقة لا ينبغي أن تناقش، وواجب تطبيقها حتى لو كانت عن طريق العنف باسم "الجهاد"، كانت الحرب الأهلية في الجزائر حرب الداخل مع الداخل وليس حرب الداخل مع الخارج، ولو أن محركها من الخارج ، وظهر ما يسمى بالإسلام المسلح، لم تنته هذه الحرب إلا بعد لقاء روما.

هذه القراءة ليست من أجل إحياء البغضاء ونحن نعيش المصالحة الوطنية، وإنما الهدف منها هو تحديد الصراع القائم ، وهو من دون شك صراع بين الثابت والمتغير، صراع بين الأصالة والحداثة، بل كان صراع أجيال، بحيث يريد الجيل القديم أن يفرض سيطرته على الجيل الحالي ، وهو جيل الإنترنت جيل وجد نفسه مجبر على التكيف مع العولمة، ومسألة الثابت والمتغير هي قضية محورية وأساسية في موضوع التجديد (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها)، والتجديد لا يعني التخلص من القديم الذي يتحول إلى موروث تعتز به الأمم، أو محاولة هدمه ومحوه، إلا أن الإسلاميين أصحاب الفكر التطرفي لا يقبلون فكر التجديد، لأنهم ينظرون إلى الأمور من زاوية دينية فقط، ويرون في دعاة التجديد أنهم يريدون إلغاء الدين واستبداله بدين جديد، وكان الشيخ الغزالي من دعاة التجديد من خلال كتابه بعنوان: "جدد حياتك"، وإنما التجديد هو إعادة النظر في الحياة الدينية للمسلمين، وتصحيح أخطاء ارتكبت بعد وفاة الرسول انطلاقا من موقع السقيفة، والواقع أنه مع ما تشهده الأمة من استيلاب حضاري، بدأ نفر من أبناء هذه الأمة يتناولون النص الشرعي بقراءة عرفت بـ: " الحداثية" أو القراءة الجديد للنص القرآني، وهي كما يقول محللون قراءة تأويلية، وتسعى هذه القراءات الحداثية لإحداث القطيعة مع القراءات التراثية، وإلى أن تفهم النص الذيني فهما مزاجيا متلونا متقلبا مع كل عصر وظرف بدون ضابط أو رابط.

و من هذا المنطلق دأب الباحثون على تتبع مفهوم الحداثة وسياقها التاريخي لدى المثقفين العرب ومقارنتها مع الحداثة الغربية للنص الديني، والوقوف على مختلف جوانبها ( ثورية النص، عقلية النص وأنسنة النص)، والحداثة كمصطلح يعني الجِدَّةُ، وهي لفظ أوروبي المنشأ، ففي الإنجليزية نقرأ modernisme وmodernity وفي العربية نجد المفهوم مختلف فمن حداثة إلى عصرنة ومعاصرة، والمعاصرة تعني إحداث تغيير وتجديد في المفاهيم السائدة والمتراكمة عبر الأجيال نتيجة تغيير اجتماعي أو فكري أحدثه اختلاف الزمن، في حين يرى بعض المفكرين أن الحداثة مذهب أدبي أو نظرية فكرية تدعو إلى التمرد على كل ما هو ثابت، والانقلاب على القديم الموروث بكل جوانبه ومجالاته، يبقى السؤال المطروح هو: هل كل ما ثابتٌ مقدسٌ؟ وهل كل ما هو متغيرٌ مُدَنَّسٌ؟ تلك هي المشكلة..

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم