صحيفة المثقف

حديث الخميس.. قطوف ادبية (1) لحسان الحديثي

عبد الاله الصائغلقد شهد الشارع الثقافي الواقعي والافتراضي سيلاً من المطبوعات او المولفات منها الاصيل المحقق ومنها الدخيل الملفق وذلك لانفتاح باب تعضيد الناشر لكتابه ماديا وتراجع المد الثقافي جماهيريا، وبات صاحب دار النشر بقالاً لايهمه سوى كم يكسب واحيانا لا يهمه سوى ان يتفوق على دار نشر اخرى، اما قيمة المطبوع فلا وقت للأكثرية كي يتوقفوا عندها من المؤلف الى الناشر حتى اكثرية القراء أو مقتني الكتاب فضلا عن غفوات اتحادات الكتاب والادباء والمجامع العلمية في زمن الغفوة، وبات شبه مستحيل ان نلاحق كل ما يطبع وكل ما ينشر فضلا عن الأعباء اليومية الحياتية، وقد لذنا بالخيارالانتقائي قبالة هذه الفوضى إذ ليس في الأعناق بيعة لقراءة كل مطبوع او منشور، ....

صدور كتاب للاستاذ حسان الحديثي المقيم في بريطانيا ضمن منشورات دار المؤلف بيروت لبنان 2018، وعدد صفحاته 296 بادرة جيدة فالكتاب بهذا الكم المعرفي وبذاك الكيف الأدبي اطروحة وضع فيها المؤلف رؤيته الصافية وحساسيته الجمالية وتوفره على التراث، وحتى نتواصل مع هموم الكاتب والكتاب يتوجب علينا قراءة ديباجة وضعها المؤلف على الغلاف الخلفي لكتابه بطريقة التداعي الحر، فهو كمن يجلس على كرسي هزاز ليعترف دون ان نطلب منه ذلك، قارن حسان الحديثي :

لستُ انتقائيا في ميولي إلا لثلاثة الأصدقاء واللغة والموسيقا

أحبُّ كلَّ الناس وأحبُّ اصدقائي أكثر وأحبُّ كلَّ اللغة وأحبُّ الشعر أكثر

وأحبُّ كلَّ الموسيقا وأحبُّ الرستَ أكثر

غيرَ أنني أحبُ وطني أكثر من الأصدقاء والشعر والموسيقا .إ. هـ

الكتاب مقسم ثمانية ابواب على هذا النحو:

310 عبدالاله الصايغ

التقديم

وقد نهد به الاستاذ الدكتور وليد الصراف بلغة تزاوج بين العلم والشعر فهو يقول في مبتدأ تقديمه : حسان الحديثي هو جملة في كتاب اسمه حديثة وحديثة ليست كأي أرض وحسان الحديثي جملة ليست كأي جملة، اصغى الى الخرير فتعلم أوزان الشعر واكتشف أن أنين الناعور يمت بالقربى الى تفعيلات الخليل فقصد البيت الخليلي فأكتشف انه يشبه بيت أبيه ...

.. وإذا كانت الهموم الوظيفية والأكاديمية لم تترك من الأسبوع سوى الأربعاء لطه حسين كي يتحدث للقراء فان حياة حسان الحديثي الخاصة وتجارته لم تترك لحسان الحديثي سوى الخميس لينساب حديثه نهراً طامحا ان ينساب في ايام الاسبوع كلها رغم انه لم يتدفق الا الخميس وان يبقى منساباً السنين الطوال رغم انه لم يتدفق الا منذ اسابيع راويا ما خصب من تربة العقول والقلوب مستخرجا منها ما سيفوح من ورد وما سينشر الظلال من شجر ...

... كتب الشعر الا انه لم يدع انه شاعر في زمن اصبح من لايكتبونه يدعونه ومارس النقد دون ان يزعمه ... وهكذا انتجت النار الهادئة عبر عقود من القراءات والتأملات أحاديث خميس اصبحنا ننتظره لأننا وجدنا فيه من الصدق والاتقان واللون والطعم والرائحة مالم نجده في مجلات ادبية واطاريح جامعية وامسيات ثقافية وجدنا فيه الحديث الذي يجري على السجية وما اصعب ان يجري حديث على السجية كنبع ينبجس من الماء في لحظة مستجيبا لعصور من العطش .. 15سبتمبر 2017

الباب الأول (المناسبات)

حسان الحديثي رجل اعمال وكاتب واديب من مواليد 1967 في مدينة حديثة الفراتية بدأ بالتجارة والاعمال الحرة 1995 الى جانب اهتمامه الكبير بالادب العربي ومحطات التحول عبر عصوره انتقل الى دبي 1999 ليبدا مشواره التجاري والأدبي معا، كتاب حديث الخميس في جزئه الاول هو كتابه المطبوع الاول مع مخطوطتين جاهزتين للطبع الاولى هي السياب شاعر الانسانية الاكبر والثانية عنوانها عشرون عاماً في دبي، وجاء الكتاب وفيه شجن وحنين نترك الحديث عنه الى ميقات طبعه) وفي كتاب حديث الخميس يقول الصديق المشترك الشاعر واللغوي والدبلوماسي عمر الحديثي (هو تقديم حديث وجديد للادب العربي بأسلوب يتلاءم وعصر السرعة والانترنت مع اعتماد العاطفة في تقديمه للادب العربي وشرح الشعر بالشعر والفكر بالفكر بعيدا عن التعقيد)،

تسلمت كتاب حديث الخميس وتركته ردحاً من الوقت ريثما أتفرغ له بحسب وقتي ومشاغلي بعدها عدت الى كتاب الاستاذ حسان الحديثي وبدأت كعادتي بالفهرست وثنيت بالمقدمة وثلثت بمنتقيات أغرتني بإطلالة عليها، دون ان ادري وجدتني منشدَّاً الى الكتاب شغوفاً بما توصلت اليه ولي ان اوجز قراءتي وفق منهجي الوصفي بعيدا عن المنهج المعياري وذلك ما يعرفه عني القراء الكرام فإلى ما يلي :

أليف - يستحوذ على الكتاب هاجس تربوي وآخر جمالي وثالث انتقائي ورابع أسلوبي .

باء – بعد الانتهاء من قراءة الكتاب تستشعر احترام الكتاب المفرط لوعي القاريء .

تاء – التعامل مع المعلومة بطريقة مغايرة فهو ليس مستهلكاً للمعلومة ولايرجو للقاري ذلك وانما هو مشارك فيها معيد لانتاجها بطريقة تحفظ نصيتها دون ان تحجر حريته في الفهم والاستيعاب والتوظيف.

ثاء – نأي الكتاب عن تسويق المؤلف أو الدعاية له وهذا سلوك نادر في زمن المغني الأخرس والجمهور الأعمى .

جيم – ميل الكتاب التلقائي للمنهج البنيوي وشاهد ذلك ردات فعله قبالة انتقاءاته فهو لايصحح ولايخطِّيء ولايعدل بل يترك ذلك للمتلقي بسبب من توقيره للقاريء وتوفيره للوقت .

حاء - فصل الامير والمجنون ص 119 يسوغ الكاتب تعلقه بعبقرية الأسطورة الشعرية أحمد شوقي : رؤية احمد شوقي الفذة ونظرته الثاقبة للتاريخ من خلال ما ابدع في مسرحياته الشعرية العظيمة سيما كليوباترا ومجنون ليلى فلقد جسد بهذين العملين الادبيين اعلى مراتب الاحساس والشعور من خلال تقمصه لشخصيات سبقته بمئات والاف السنين وتقمص الشخصيات وان توفر في المسرحيات النثرية فليس من السهولة ان يتأتى في المسرحيات الشعرية لتشكيله شعراً مبقيا على المادة التاريخية ومضيفا اليه الاحساس والشعور والبيئة التي تتلائم (كذا) مع القول ثم صبها كلها في قالب التفعيلة والقافية في حوار بين شخصين او اكثر .

خاء – عناية الكتاب بالديباجة وهو يؤسس لرسم بانوراما للاعلام الذين استوقفوه قارن أبو نواس ص 145 : شاعر لايشبه الشعراء فاق سابقيه وبز لاحقيه متفرد في طريقته وحيد في مسلكه ادرك فقه المعنى وفهم اسرار المبنى فكان مدرسة انتمى لها الكبار دون سابق قصد او سالف تخطيط أشعر شعراء عصره صاحب طريقة أخاذة واسلوب ساحر تبع مدرسته كبار الشعراء دون ان يشعروا وتأثر به جل من أتى بعده في عصره وبعد عصره دون ان يتفوقوا عليه، صاحب الاشعار المشهورة والدرر المنثورة، له في كل معنى مرتكز وفي كل غرض دلالة، لم يتخذ مذهباً إلا وابدع فيه ولم يسلك طريقاً الا وكان حادياً لراكبه دالاً على مدارجه ومسالكه، نهل من منهله من أتى بعده دون ان يضيفوا الى ما قال او يزيدوا على ما نال وأنال . إ . هـ

دال – الكتاب ذو هاجس تربوي يشتغل على الحساسية الجمالية فهو موقن ان العلاقة بين المبدع والمهنة لاتقع كما يتصور البعض موقع النتيجة بالسبب لان المواهب اكبر من المكان وابعد من الزمان قارن الرحباني ص 184 : رعى الماعز حمل سلال العنب خدم في مطعم ثم شرطي كل هذه المهن لاتوحي بالشعر لاتشي ان لها علاقة بالشعر اصلا فضلا عن الموسيقى، غير ان الحقيقة ان من اشتغل بهذه المهن صار شاعرا وموسيقيا متفردا بل لعله غير مجرى هذين الفنين خلال الحقبة الممتدة بين خمسينات القرن الماضي ونهايته لم يكن ليمر بخاطري وانا استمع الى قصيدة:

بغداد والشعراء والصور ذهب الزمان وضوعه العطر

والتي صدحت بها حنجرة مطربة الصباحات السيدة فيروز في سبعينات القرن الماضي انه شعر خالص البتة لعلي تخيلته للوهلة الاولى لعلي بن الجهم او لصفي الدين الحلي او لاحد شعراء الفترة المظلمة ممن تغنوا ببغداد لكني لم اكن اتوقع على الاطلاق انه لاحد الشعراء المعاصرين والذين برزوا واشتهروا على الساحة الفنية الغنائية والادبية والشعرية، بعد ان عرفت هذه المعلومة بدات ابحث عن شعر الرحابنة حتى توصلت الى ان هذا الشعر يحوي بين طياته لمحات فلسفية بطابع خاص ونكهة متفردة لانجده عند عامة الشعراء) والقاري يستنتج محمولات كثيرة من السرد الذي وضعناه بين هلالين بينها مثلا التلقائية المحسوبة فكأن المؤلف يتحدث حديث القلب الى القلب دون ان يعبأ بالديكورات والمحسنات والمجازات والمحمول الثاني ان الكتاب لم يجعل وكده في الادب بل تمدد نحو الموسيقا ونحو السيرة الذاتية ونحو الهاجس التربوي فالموهبة لاعلاقة لها بمتاعب الموهوب ومشاغله وعذاباته فهو ذهب ابريز لن تضيره معايشة المعادن الخسيسة والقمامة مثلا فالموهبة والذهب الخالص توأمان، والمحمول الثالثة توهج الحساسية الجمالية وشاهد ذلك ان قصيدة بغداد والشعراء على بساطتها قصيدة معجزة تنتمي الى فصيلة السهل الممتنع والمحمول الرابع الانتقال من الشاعر الى الشعر ومن الشعر الى الشاعر لاقتناص معدن النص وفضاءاته من نحو فضاء الفلسفة وفضاءات التفرد والامتياز وهما ركيزتا الاسلوب الذي يميز الشاعر عن الشاعر والقصيدة عن القصيدة وربما البيت عن البيت

وبعد: حسبي انني وضعت بين عيني القاريء الكريم كتابا مغايرا وداباً مثابراً ولم اشأ ان اثقل القاريء بكل عندياتي الخاصة بالكتاب وما لايدرك كله لايترك جله .

 

قراءة عبد الاله الصائغ - استاذ تحليل النص المتمرس مشيغن

.............................

الصورتان الاولى تجمع بين عمر الحديثي وحسان الحديثي ، والثانية غلاف الكتاب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم