صحيفة المثقف

برلمان العوز المناعي

طارق الكنانيفي الثمانينات من القرن الماضي وفي وحدتي العسكرية التي خدمت بها كان هناك سائق في الفصيل الالي اسمه (رجه كيكو) وهو من اهالي ميسان على ما اتذكر واسم رجه جاء من الرجاء حيث لم يعش له اخوان ولدوا قبله وكانت امه ترتجي من الاله ان يرزقها بهذا الرجه وهذا رجه كان يشبه إلى حد ما (اطفال الانابيب) حيث لم يتجاوز طوله 95 سم وبضعة مليمات، وكان اذا يمشي تشعر بأنه سيقع في أي لحظة لكونه لم يكن كامل النمو ولديه تشوهات خلقيه في ساقيه ومع ذلك فهو يشرب العرق باسراف يعني الاخ كان (سبيعي)، اما حكاية انتماءه للفصيل الآلي فكانت هي الاخرى معجزة اشبه بولادته حيث شح صنف السواق في الوحدة العسكرية لدرجة انهم اعلنوا بين الجنود ان من لديه خبرة في السياقة فليتقدم وهكذا تقدم رجه وعند اختباره بسيارة الواز كاد ان يدهس لجنة التحكيم ومع ذلك (ومن الماكو) تم قبول رجه كسائق سيارة ولكن معظم سيارات الفصيل الالي كانت للحمولات وتحتاج إلى طول طبيعي حيث ان رجه لم يكن باستطاعته ايصال قدميه إلى (دواسة الوقود والكلج) فكان يستعين ببعض الجنود ليضغطوا له على (السكليتر والكلج )ومع ذلك تبقى (دواسة البريك) شاغرة مما يؤدي إلى وقوع حوادث وبشكل مستمر حيث لم يتجاوز في مهماته يوما باب النظام حيث تكون هناك حادثة، وفي احد الايام كان رجه يسوق سيارة رافعة عملاقة وجديدة تستخدم في تحميل وتفريغ الاسلحة المتوسطة والثقيلة وما ان تجاوز باب النظام حتى صدم عجلة مدنية شطرها إلى نصفين وكانت حادثة مروعة والحمد لله لم تكن هناك وفيات ويومها سألته عن خبرته بالسياقة لأجل المزاح فأجابني بشكل جدّي بأن خبرته كان سائق دنبر، فضحكت حينها بكل مالدي من قوة، وقلت له (من طاح حظ الوكت اللي خلاك تسوق رافعة قيمتها ملايين الدنانير) .

تذكرت هذا الشخص يوم امس حين كنت استمع إلى احد الساسة وهو يخطب بكل ما أوتي من قوة وصوت نشاز بأنه يدافع عن اهل السنّة ويطالب بحقوق الشارع السنّي (معذرة عن هذه الكلمات لأني لم ارغب في ان ادرجها ولكن!!!) ويجب اعمار المناطق التي تضررت ووووووو وكان الخطاب مثيرا للقرف ويعبر عن حالة تجاوزها الشارع العراقي ونغمة نشاز دفعنا بسببها الاف الضحايا ومليارات الدولارات والكثير من الشرف قد تدنس بسببها ولكن الأخ بقي على حاله، لا اعرف ان كان حال البصرة افضل من الموصل او ذي قار افضل من الانبار او السماوة افضل من ديالى، او حال المواطن في اربيل والسليمانية افضل من حال المواطن في كربلاء والنجف والديوانية، اقول لهذا الذي يحاول ذر الرماد بالعيون انك ياهذا صوت نشاز وانت تعرف حق المعرفة انك وصلت إلى هنا بالتزوير وان الشارع الانباري والموصلي لم ينتخبك، وما ان تبدأ عطايا الدولة عليك حتى تغادر العراق وتجلس في عمان وتبيع وطنياتك المزعومة من هناك، فلايوجد شارع سني وشارع شيعي وشارع كردي، فالعراق غارق في التخلف والضياع ومدننا اصبحت لاتشابه حتى القرى واصبح انساننا العراقي يبحث عن شربة ماء ليسد بها ظمأه وانتم تتقاسمون الوزارات والمناصب .

تذكرت هذا المخلوق الشريف (ومعذرة صديقي رجه) ان اشبههك بهؤلاء فأنت حتما اشرف منهم وكنت تخدم العراق بما تستطيع من قدرة، ولكني اتذكر حين شح الرجال ان يأتي الرعاة ليصبحوا قادة وكل خبرتهم السياسية انه كان راعي غنم سجودة او وبائع المحابس في اسواق السيدة وصار مختارا للعصر وهكذا خلقت طبقة سياسية   (وصدگ لو گالوا العوز يفشل).

 

طارق الكناني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم