صحيفة المثقف

أزِفَ الـوداع

يحيى السماويونَـخَـلـتُ مـا أبـقـتْ رَحـى الأيـامِ

فـي مـاعـونِ عـمـري

مـن دقـيـقْ


لـمْـلـمْـتُ مـا أبـقـى لـيَ الـبـسـتـانُ مـن حَـطـبٍ ..

ومـا أبـقـتْ لـيَ الأمـواجُ مـن زَبَـدٍ ..

ومـا أبـقـى الـهـوى لـلـسـومـريِّ مـن الـهـيـامِ

ومـن عـفـافِ الـعـشـقِ

فـي عـصـرِ الـجـواري والـرقـيـقْ

*

ونَـخَـلـتُ مـا أبـقـتْ رَحـى الأيـامِ فـي مـاعـونِ عـمـري

مـن دقـيـقْ

*

فـعـجـنـتُـهُ خـبـزاً فـراتِـيّـاً ..

وعَـتَّـقْــتُ الـدمـوعَ بِـزِقِّ أجـفـانـي

أُسـاقـيـهِ الـنـديـمـةَ حـيـن تـسـألـنـي الـرحـيـقْ (*)

*

فـأقـمْـتُ مـأدبـةً

عـلـى شـرَفِ الـتـي أحْـيَـتْ رمـيـمَ الـطـيـنِ / إيـنـانـا   ..

دعـوتُ لـهـا هـديـلَ حـمـامـةٍ ..

وبـخـورَ مـحـرابٍ ..

ومـئـذنـةً ..

وبـتـلـةَ زنـبـقٍ مـن روضـةِ الـوادي الـسـحـيـقْ

*

وســريـرَ ريـحـانٍ مَـلاءَتُـهُ الــشــذا

ووسـادةً مـن ريـشِ أحـلامـي

وقَـيْـداً صـارمـاً

مُـســتـنـجِـداً بـالأسْــرِ يُـنـقِـذنـي

مـن الـعـيـشِ الـطـلـيـقْ

*

ومـن انـهـمـامـي بـالـنـمـيـر الـمُـرِّ أشـربُـهُ

فـيُـسْـكِـرُهُ دمـي ..

ورضـيـتُ مـن تـلـقـاءِ جـرحـي بـالـنـزيـفِ ..

أنـا عَـدُوِّيْ ..

لـيـس غـيـري ظـالـمـي ..

فـأنـا الـذي أبْـدَلـتُ شـوكـاً بـالـقـرنـفـلِ

والـحـجـارةَ بـالـعـقـيـقْ

*

ورضـيـتُ بـالـحـرمـانِ دربـاً

والـمـتـاهـةِ لـيْ رفـيـقْ

*

الـبـحـرُ أيْـبَـسُ مـن قـرونِ الـوعْـلِ ..

كـيـف إذنْ

غـدوتُ صـريـعَـهُ الـحَـجَـرَ الـغـريـقْ ؟

***

مَـدَّتْ إلـيَّ بـعـشـقِـهـا طـوقَ الـنـجـاةِ

وكـنـتُ قـابَ الـجـمـرِ أو أدنـى

مـن الـحَـطَـبِ الـمُـهَـيَّـإ لـلـحـريـقْ

*

قـالـتْ : صـبـاح سـمـاوةِ الأرضـيـنِ ..

قـلـتُ : مـسـاء حـزنِ الـغـربـتـيـنِ بــ " أرضِ كـنـغـرَ "

حـيـثُ لا جـارٌ يـدقُّ الـبـابَ ..

لا نـخـلٌ أفِـيءُ إلـيـهِ ..

لا قـمـرٌ يُـضـاحِـكُ لـيـلـيَ الـحَـجَـريَّ ..

لا شـمـسٌ تُـذيـبُ ضَـبـابَ مِـرآةِ اصـطـبـاحـي بـالـمـنـى

وتـنـشُّ ذئـبَ الـخـوفِ عـن غـزلانِ خـطـوي

حـيـن يـشـتـبِـكُ الـطـريـقْ (*)

*

فـالـسـومـريُّ الـطـفـلُ شـاخَ بـغـربـتـيـهِ

ولـيـس مـن زهــرٍ يَـزفُّ الـى فـراشـاتـي

الـبـشـارةَ بـالـرحـيـقْ (***)

*

أزِفَ الـوداعُ

فـهَـيِّـئـي قـبـراً لـجـثـمـانِ الـصَّـبـابـةِ

والـنُّـعـاةَ لِـيـنـدِبـوا الـعـشـقَ الـخـرافـةَ لا الـعـشـيـقْ

*

لـم يُـبـقِ لـيْ جـمـرُ الـظـنـونِ

ســوى الـحـثـالـةِ مـن نـمـيـر يـقـيـنـيَ الـمـسـفـوحِ ..

آنَ لـيَ الـتـرَجُّـلُ عـن صـلـيـبِ الـغـربـتـيـنِ ..

ولـلـسـمـاوةِ ـ بـعـد طـولِ سُــبـاتِـهـا عـن مُـقـلـتـي ـ

أنْ تـسـتـفـيـقْ

***

يحيى السماوي

ملبورن 10/9/2018

............................

(*) الزق: وعاء الخمر .. والرحيق: من أسماء الخمر، ويكون من أعتقه وأكثره إثمالاً .

(**) إشتبك: إلتبس واختلط .

(***) الرحيق هنا بمعنى: الصافي من الشراب ـ غير الخمر ـ كما في قوله تعالى: (يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ...) .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم