صحيفة المثقف

ارق ونحيب مكتوم

صبيحة شبرتتكدسين مع رفيقاتك، ثلاثون امرأة وفتاة، تتجمعن بغير اختياركن، في مكان ضيق، لا يسع الخمس منكن، تنام واحد تكن، على جانب واحد، ولا تتمكن من تغيير الجانب إلى الآخر، تظل الليل كله، يغلبها السهاد، مخافة أن تأتي بحركة غير مقصودة، تسبب إيقاظ رفيقتها، المتظاهرة بنوم عميق، تتخلله الأحلام الباسمات

يزعجك نحيب، يتراءى لك انه منبعث من زميلة تنام قربك، تجتهد ألا تسمع صوتها للحاضرات، تسألين نفسك، باستغراب : لماذا تراها تبكي؟ وهي القوية الصامدة، المتمتعة بتلك القدرة العجيبة، على الصبر والاحتمال، تتظاهرين انك لم تسمعي ذلك النحيب، المثير للاستغراب، في مكانكن، المزدحم بالأجساد، المثقل بالأنفاس، المغلق النوافذ، المسدود الباب، لا تستطعن الخروج طيلة نهارا تكن ولياليكن الضائعة المندثرة، إلا مرتين في النهار، لا تتجاوز مدة كل منهما ربع الساعة، وانتن ثلاثون امرأة وفتاة، يتوزع الزمن المعين، المحدود عليكن، تغسلن الوجوه، وتقضين الحاجات، تفرشن الأسنان، تغسل الواحدة منكن شعرها، والأخرى جسدها، والثالثة، تقف حارسة، بالباب، لئلا تدخل احد الوحوش المفترسة، تقمن بكل الأعمال، بأسرع من البرق، كما يأمروكن، وتعدن إلى غرفتكن، المغلقة الأبواب، المسدودة النوافذ، لتقرأ أسماءكن في ورقة بيد الرجل الحارس، كل منكن تحمل رقما .

النحيب يتصاعد، رغبة قوية تصدر من رفيقتك المضطجعة بجانبك، في وأد الصوت المنبعث رغما عنها، ولكن المحاولات العديدة الصادرة لإسكات الصوت الصادرمن داخل النفس المكلومة، تؤول إلى الفشل، الصوت لا يلبث أن يعلو قليلا، وبإصرار رغم المحاولات المبذولة لإيقافه، يدهشك صوت النحيب المقموع، صديقتك العزيزة كانت قوية صلبة على الدوام، ما بالها هذه اللحظة ؟ تظاهرت جميع السيدات والآنسات فيها بأنهن مستغرقات، بنوم عميق، تتملكك رغبة عارمة بالاستفسار عن الأمر الفريب، ذلك، المجهول العصي على الإدراك، لعل مكروها حدث، ولم تحدثك صديقتك العزيزة به، ولكن رغبتك القوية الا تظهري إطلاعك على لحظة الضعف المهيمنة على الصديقة تلك، جعلتك تؤجلين السؤال إلى وقت آخر، وقد تتمكنين من معرفة كنه الأمور او لا تتمكنين، لكل إنسان شأنه الخاص، فلا تتعجلي في الاستفسار، الصباح آت، وسوف يمكنك أن تطرحي الأسئلة، تظاهرت جميعهن بالاستغراق بنوم عميق،

في الغد، وكما في كل صباح، يعاودك الأمل، بانبثاق يوم جديد، تتفاءلين بامكان حدوث أمور جديدة، قد تغير بعض ما تعانينه من ظلم وظلام، في لحظتك الراهنة، كل صباح لا يلبث الحلم بحصول الجديد وبالتغيير في حياتك أن يتلاشى، يغلقون الباب عليكن، دون أن تتمكن من الانتهاء من الواجبات العديدة المفروضة عليكن في الوقت المحدد القصير، تسمعين صرخات متصاعدة من رجل، يضرب، بإصرار متواصل، وبوقاحة لايمكن تفسيرها، ضربات مبرحة على رأسه، وأجزاء متفرقة من جسده، تسمعين الصرخات المتتالية، والرعب يجتاحك، تتمنين لو تستطيعين ان تمدي له يد العون، ذلك الرجل المنكوب، والباب موصد بإحكام، والنافذة الوحيدة الموجودة في غرفتكن قد أغلقت إغلاقا محكما بالمسامير، والأمل يعاودك أن تتمكني من تقديم المساعدة ولكن لا يلبث واقعك الأليم أن يظهر أمامك بوضوح، أنت تقطنين هنا مع التسع والعشرين سيدة وآنسة، محصورات مع بعضكن البعض، لا تتمكن من تغيير وضع الجلسة او هيئة النوم خشية من إيقاظ الأخريات

مازال النحيب يتصاعد، وأنت تقهرين رغبة مشتعلة في أعماقك أن تعرفي علة ذلك، أو تراهم اساؤوا إليها عندما طلبوا حضورها هذا الصباح، عادت من رحلتها إليهم، كما هي العادة دائما، يطلبون الواحدة منكن، أنت أو رفيقاتك، يطلقون الأسئلة المتعددة التي تنهال من كل جانب، يعصبون العينين، ويربطون اليدين والقدمين،يستعملون الدبابيس في الوخز على الكفين والقدمين والكتفين وعلى الأعضاء التي يمكنها ان تسبب ألما مضاعفا، فإذا أظهرت إحداكن ألما، تتعالى ضحكاتهم، يستعملون الأحزمة للضرب المبرح على المناطق التي يكون ألمها بالغا، يطرحون الأسئلة من كل جانب، أسئلة متنوعة، متكاثرة عن أصدقائك،، هواياتك،، اهتماماتك،، قراءاتك،، لماذا تقرئين بهذه القوة وذلك النهم ؟ من تعرفين من المخربين ؟ هؤلاء الحمقى الذين يطمحون الى تغيير اتجاه الشمس وشكل القمر ؟ تطرح الأسئلة على جميعكن، تعود الواحدة منكن بعد الرحلة الطويلة والمضنية، وهي مبتسمة واثقة، إنهم لم يتمكنوا منها مع استعمالهم الأساليب الدنيئة في انتزاع الكلام، تزين البسمة وجوهكن، على ثغركن تلوح علامات الارتياح، إنكن حفظتن أنفسكن من التشتت والضياع على رغم الأساليب الصعبة

كل صباح، يعاودك ذلك الصراخ المؤلم، يتعمدون ان يثيروا فيك الألم ويجعلوا ساعاتك أصعب من الاحتمال وأقسى من الصبر، تتساءلين، من يكون ذلك الرجل المكبل ؟ أخبروك آخر زيارة أنهم قبضوا على من منحك الحب والرعاية والحنان في طفولتك، وما زال رءوفا بك، على الدوام، تمنيت أن تكوني بدلا عنه، تتعرضين الى أنواع مختلفة من التعذيب، ولكن كيف يمكن أن تحققي مبتغاك، وقد سدوا عليك الباب وأغلقوا النوافذ بالمسامير ؟ هل يكون المضروب ذلك الرجل العزيز الأثير الذي ما ان سمع بنبأ إلقاء القبض عليك حتى سارع الى إعلام الأصدقاء والأحباب، طلب ان يكون بدلا عنك في تحمل الألم، وأنت هنا لاتقدرين على الإعلان عن موقف المساندة، وقد سدوا عليك النوافذ والأبواب،،، قد يكون الرجل المضرب بتلك القسوة من تحبين وتفضلين على نفسك، يضعونه في غرفة ملاصقة لغرفتكن، يوصدون الباب، يبدؤون بالضرب المتواصل، يمضك شعور انك عاجزة عن تقديم العون، وكيف يمكنك ان تقومي بإغاثة رجل يصرخ، بألم يتفاقم من أجزاء جسده الآخذة بالأنين المرعب .

مازال النحيب المتقطع، يثير فيك التساؤلات

- رجاء ؟

تصمت رجاء، متظاهرة أنها تغط في نوم عميق، تعاودين السؤال

- رجاء ؟

- - نعم ؟

- أكنت تبكين ؟

- لا أبدا، بل كنت نائمة .

أنت كاذبة حتما أيتها الصديقة الحالمة باستمرار، لا ترغبين أن تظهري ضعفك وبكاءك، ولكن ما الذي يدعوك، الى البكاء والنحيب هذه الساعة المتأخرة من الليل وقد هجع الجميع، أو تظاهرن أنهن في نوم متواصل وعميق

تحلمين بصباح جديد، تشرق فيه الشمس، وباب مفتوح، وبنافذة لا يوصدونها بالمسامير، تسمعين تغريد البلابل، تغنين مع العنادل، تأكلين ما يحلو لك، تعانقين من تحبينهم، تنامين الى وقت الظهيرة، أيام عطلتك، ولا تعودين الى سماع ذلك الصراخ المرعب، المنطلق من رجل مقيد، قد ربطوا منه اليدين والقدمين،وعصبوا العينين، سمحت لهم شجاعتهم أن يضربوه، ذلك الضرب المبرح اللعين . وأنت تسمعين، وكل ما فيك يرتعد، تتلاشى قواك، تحسين انك صغيرة، وتصغرين باستمرار، كيف تتخلين من وقف دائما قربك، يشجعك، يدافع من يحاول ان ينال منك ويشهر بعزيمتك، لقد المك شعور قوي انك لا تنصرين من ناصرك، الم تقولي دائما إن الحياة مواقف متكافئة، ولكن ما بيدك يا عزيزتي؟ وأنت مثله تماما، واقل منه قوة واحتمالا

تصمت رجاء، وتنهي النحيب الغريب المنبعث من قلبها المكلوم، يعاودك التساؤل من جديد، أيكرر صباحك البائس الغريب، اذ يمنحونك ربع الساعة، لتغسل جميعهن وجهها، واليد، وكل الأمور الضرورية الأخرى التي تؤدى كل صباح، ولكن الأمل ينبعث بقوة داخلك ان رجاء عزيزتك هجرت بكاءها، وعادت الى قوتها المعهودة،فالصباح لابد أن يكون مشرقا ذات مرة

***

صبيحة شبر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم