صحيفة المثقف

تأنيب

صبيحة شبرأخذ صوتها المنتحب تعلو نبراته، وأنت تريدين أن تسكتيها، دون أن تتمكني من النجاح، مافتئت تردد الكلمات نفسها

- انا السبب، انا السبب

تضمينها الى صدرك تربتين على كتفها، تمررين يدك على شعرها، ينخفض الصوت قليلا، تواصلين عناقها، تساءلين نفسك لماذا تتهم نفسها؟؟ الصدفة وحدها أو القدر شاء للأمر ان يحدث، لا يوجد مذنب فيما جرى،أتيتم الى هذا المكان الجميل، الرائع، بناء على دعوة من صديق عزيز، لم تتمكنوا من رؤيته منذ أمد طويل، منذ ان فررتم جميعا ان ترحلوا، إلى المنافي والقفار، والأماكن النائية، هاربين من محاولات مستميتة، لتغيير قناعاتكم رغما عنكم ...

يخفت النحيب، وهي تستكين بحضنك الدافيء، تلاحظين دموعا غزيرة، تنهمر، سائلة الى صدرك، بعد ان بللت قميصك، يرعبك الحادث، تحاولين جاهدة أن تهدئي من روعها، وتبعثي الى نفسها المتعبة بعض السكينة والطمأنينة، ليست هي السبب، ويتعبك التساؤل الذي تلحين به على نفسك، لماذا تحاول اتهام نفسها فيما حدث؟

كان الطريق طويلا، الح الصديق ان تذهبوا لزيارته وعائلته، في منزله البسيط المتواضع، فهو مشتاق لكم، ولم تتح له الظروف ان يراكم لفترة طالت من الزمن،لم تتمكنوا من توديع بعضكم، كما يفعل المسافرون عادة، حين يقررون الرحيل ...

تعود إلى النحيب مجددا، وتعود يداك إلى احتضانها برفق، عل ذراعيك المعقودتين، تنجحان في تبديد ما اعترى نفسها البريئة ، من ألم وما أصاب فؤادها الغض الرقيق، من غصة وما الم بها من خوف...

يسألكم صاحب المنزل المضيف عما تشتاق أنفسكم، من ألوان الطعام ، ويكون سعيدا جدا ان استطاع ان يلبي رغباتكم، ويحرص على إرضاء شهيتكم، التي يعلم تمام العلم إنها تنشط هذا اليوم، حين اللقاء بعد طول غياب، مرحكم وابتهاجكم واضح للعيان، والأولاد يتقافزون بنشاط لا يخفى على العين المبصرة ، محاولين ان يعوضوا ما فاتهم من ألوان من البهجة تمنحها اللقاءان بين الأحباب ....

يخفت صوت النحيب قليلا، ثم يعود الى الارتفاع مرة أخرى، تربتين على ظهرها راجية إعادة الاطمئنان المسلوب، يرهقك النحيب المتواصل، ويمضك انك لم تجدي له تفسيرا

- أ أنت غاضبة مني؟؟

- لماذا؟؟ حبيبتي اغضب؟

- قد تجدين إنني السبب

يفزعك تفكيرها، لماذا تتهم نفسها؟ ولم تكن المذنبة، وكثيرا من الحوادث لاعامل رئيسي لها، تحدث فجأة، ترى النيران تندلع، ولا تعرف أبدا من المتسبب في اندلاعها....

يصر عليكم الصديق انه يكون مسرورا ان أبديتم رغبتكم في نوع الأصناف التي تودون تناولها، في هذا اللقاء السعيد، حيث يجتمع شمل الأحبة جميعا، ليتحدثوا عما جرى لهم، وليعيدوا ذكريات الأيام الماضية التي كان يحلو الاجتماع بها...

تسترخي يدها الصغيرة على صدرك، يبدو إنها اطمأنت، وذهب عنها الاضطراب،ولكنك ما زلت قلقة : لماذا تحمل نفسها ذنب ما حدث؟؟

يلح الصديق المضيف ان يكرمكم أجمل اكرام، وان يهيئ جميع أصناف الطعام الذي تحبون، يسارع صغيراك بصوت واحد :

- سمك

- تتهلل أسارير الصديق، انتم في بقعة من الأرض مشهود لها بروعة الجمال، وتنوع الأسماك

- سوف أقدم لكم أنواعا من السمك غير متوفر في أي مكان من العالم،المقلي والمشوي، والمطبوخ مع الرز، و مع الخضر..

يصمت النحيب، وتتراخى اليدان

- الست أنا السبب؟؟

جئتم إلى هذا المنزل الصغير، بعد فراق لصديق عزيز فترة من الزمن، وفراق الأحباب عسير على النفس، ثقيل على الفؤاد

زوجان سعيدان تزوجا حديثا، سكنا في هذا المنزل الرائع،دعاكم صديقكم الوفي الى هذه المدينة الجميلة، ذات الجبال والمناطق الأثرية، وانتم لبيتم الدعوة مسرورين، أولادكما يمرحان ويجريان كما الطيور تغرد في الروض الزاهية، أبواب كثيرة مفتوحة على بعضها، يحلو بها الركض، ويطيب بها اللعب، ’ وأنت مسرورة لم تجدي طفليك بهذه السعادة، تتبادلين الحديث مع الزوجين السعيدين، يرتفع صوت الصراخ، صوت ابنتك أنت تعرفينه، يرعبك صراخ الأولاد خاصة بعد لعب ومرح، طفلك الصغير ذي الثلاثة أعوام ينظر إليك باستغاثة، تفتت كبدك، العهد بك قوية صلبة، ولكنك تضحين في حالة بائسة ان تعلق الأمر بطفليك...

ساعد طفلك تسيل منه الدماء، وهو صامت عود منذ الصغر ان الرجال لا يبكون، قطع من ساعده اللحم، وانشق الجلد، تميد بك الأرض، ويسيطر عليك الرعب، ونظرات استغاثة تستنجد بك، الطفلة تبكي، وأنت لا تعرفين كيف تتصرفين، في مدينة لم تأتي إليها قبل اليوم، وفي عطلة رسمية

- الست انا السبب؟ كنت اجري خلفه، ولم اعرف ان زجاج الباب مكسور

يهرع الصديق الوفي بخفة، يحمل صغيرك، يغسل جرحه، يسرع الى اقرب مستوصف، الطفل صامت، وبكاء أخته ينبعث قويا، ترتفع يده الصغيرة مودعا

- لا تأكلوا السمك كله

 

صبيحة شبر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم