صحيفة المثقف

الشاعر حسن سالم الدباغ ومحاورة العالم المرئي

رسمية محيبسيقول الشاعر حسن سالم الدباغ: مهمة الزورق الوحيدة هي العبور .

لو تاملنا هذه الجملة الشعرية فستحيلنا الى مرادفات اخرى فقد يكون الشاعر نفسه زورقا ومهمته العبور لكن ماذا بعد ذلك ماهي مهمته بعد هذا العبور هل وصل بأمان للعالم الذي ينشده ام يواصل الابحار الى مرافىء اخرى تحن لها روحه اللتي تضج بالمتناقضات. ان هاجس الشاعر هو الوصول ولذلك فهو يقطع اشواطا لأجل ان يصل الى ساحل ما الى قمة او مرقى لم يصل اليه احد من قبل .

انها جملة قد يراها البعض بسيطة ولكنها توحي بافكار كثيرة .

وفي نص عن يوسف واخوته يقول:

من اوراق يوسف ـ شعر حسن سالم الدباغ

لم ألق بجب

لم يأكلني ذئب

لكني اشعر اني مطعون في القلب

وفي الرئتين

مطعون فوق جبيني

مطعون في العينين

مطعون من قمة رأسي للقدمين

فخذوا الآن قميصي

وألقوه على وجه أبي

ليقول لكم

اين مكان الطعنة .. اين

يحيلنا هذا النص الى معاني ودلالات عميقة من خلال رمزية قصة يوسف وما فيها من معاني شعرية يغترفها القارئ على مر العصور ان يوسف ليس مجرد نبي مكر اخوته به حسدا والقوه في الجب وانما هو رمز انساني كبير، فجب يوسف اصبح مصيرا للكثيرين المطعونين بالخيانات وقميصه المنسوج بدقة متناهية في النص القرآني ما زال يجتذب اليه الدارسين والمتبحرين في رمزية هذه القصة الكبيرة التي تعتبر معجزة النفس الانسانية التي انتصرت على المحنة والخيانة والظروف بالحب التي تفجر بين الاب والأبن الى ان تم اللقاء الرباني بين يوسف ويعقوب الأب المبتلي بدهاء الابناء لقد تناول الشاعر فصة يوسف وهو يرتدي نفس القميص المطعون بحراب الاخوة .

يقول حسن في نص آخر عن يوسف واخوته الذبن هم اخوة الشاعر في هذا العصر الذي يقتل فيه الاخ أخاه دون ان يمهد لذلك بقصة الجب والذئب ولا يبكي او يتباكى بل ينزوي بعيدا وهو يضحك لأن الجريمة تمت في الخفاء يقول حسن :

اخوتي حفروا

اخوتي يحفرون

وقد علقت غبرة الجب فيهم

وكي لااحس بانهم الآن من مغرم مثقلون

اخوتي

اطلقو الذئب في رئتي

وانزووا يضحكون

نص طويل معبر اعجبتني نهايته التي صاغها ببراعة ليقول لنا ان اخوته الذين انزووا يضحكون في مكان ما من هذا العالم الذي تدربت فيه الايدي على جرائم اكبر واكثر غدرا، هم ليسوا اخوة يوسف النبي وانما اخوة الانسان في كل العصور ما زالوا يحيكون الدسائس ليبطش بعضهم ببعض .

اما نص مصاطب فهو من اجمل النصوص التي قراتها فهو نص تأملي يحيلنا فيه الى مخيلة الشاعر الخصبة الذي يتأمل المصاطب ويضفي عليها الشعر الذي تضج به نفسه فهو يقول

ألمصاطب :

غابة من ظلال

تحت لذع النيون

تخربش ذاكرة القادمين ـ أحلامهم

وخطاهم

ومتى أفرغتهم.....

تهيْ أشجارها

لكي تسنضيف

سواهم

***

المصاطب :

أزمنة للرصيف

وأنا خطوة اتعبتها الليالي

فمتى أستريح ...؟

ومتى لا أحاور ظلي

وأرغمه ان لا يرود خطاي

ويلقي بظلي عليها

المصاطب في غربتي

ابعد مني اليه

لكنه يستجير بها

ويهرب مني

اليها

انها ليست تلك المصاطب التي نجلس عليها متعبين ثم نغادرها ليحتلها غيرنا، وانما هي الاماكن التي نحتلها ثم نغادرها شئنا ام ابينا لنترك فراغا ووحشة فهو ينشد الراحة انه روح متعبة تحن الى عالم لا تلاحقه فيه الظلال التي لا يجد من يحاوره غيرها

ان نص المصاطب بحاجة لدراسة وتحليل لما فيه من معاني شعرية عميقة ودلالات رمزية وما هذه سوى جولة سريعة في عالم الشاعر الصاخب والهادئ في نفس الوقت ولكنه عالم يجتذب اليه الاضواء

 

رسمية محيبس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم