صحيفة المثقف

الطلاق بين التشريع والممارسة

حسن زايدالطلاق علي أهميته في حياة الأسرة المسلمة، إلا أن معظمنا يجهل معناه وأهميته وشرعيته وتبعاته. وإن كان الجهل به لا يحول دون ممارسته فعلياً علي أرض الواقع، بجهل أو بعلم، كما أن الجهل به لا يمنع ممارسته من الناحية الشرعية.

ولما كان الطلاق قد استشري في المجتمع علي نحو مَرَضي، إلي حد الزيادة المخيفة في معدلاته، ونتيجة الجهل بأحكامه جهلاً مطبقاً، فإن آثاره المدمرة قد زحفت في اتجاه الكيان الأسري، الذي يمثل النواة الأولي للمجتمع، ومن ثم تدمير المجتمع.

ولذا فإنه من الأهمية بمكان الوقوف علي الطلاق وحقيقته وشرعيته وأحكامه وأسبابه.

وللوقوف علي معني الطلاق فلابد من تناول المعني اللغوي والمعني الإصطلاحي له. والمعني اللغوي حين يطلق، يكون هو المعني الذي يستعمله أهل اللغة، وهو المعني القاموسي، وبذا يكون المعني اللغوي للطلاق أنه: هو حل الوثاق والإطلاق، وهو الإرسال والتّرك، ويأتي الطّلاق أيضاً بمعنى إزالة القيد. وكذا فإن المعني الإصطلاحي حين يطلق يكون هو ما اصطلح أهل الفن عليه من معني. وبذا يكون المعني الإصطلاحي للطلاق أنه: حل عقد الزّواج، وهو فسخ عقد النّكاح قولاً بلفظ مخصوص معيّن.

والدليل علي مشروعية الطلاق قوله تعالي: "الطّلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" وفي الحديث النبوي الشريف: "إن أبغض الحلال عند الله الطّلاق". فإذا كان الحكم الطلاق، فدليل هذا الحكم من الكتاب والسنة، وهما من أوائل مصادر التشريع الإسلامي.

وقد قسم العلماء أحكام الطلاق إلي خمسة أقسام: الأول الطلاق الحرام: وهو الطلاق البدعي، ويحدث اثناء حيض المرأة، فيحرم أن تطلّق المرأة وهي حائض. الثاني الطلاق المكروه: إذا كان من غير سبب مع استقامة حال الزوجة. الثالث الطلاق الواجب: وهو الطلاق في حالة أنّ الحياة الزوجيّة تعب و شقاق. الرابع المندوب: وهو الطلاق في حالة عدم العفّة وعدم صون الحياة الزوجية. الخامس وفيه اختلاف بين العلماء ولا داعي للخوض في تفاصيله.

وكذا جري تقسيم الطلاق وفقاً لمعيار إمكانية الرجوع فيه، والعودة عنه، إلي قسمين هما:الأول الطلاق الرجعي، وهو الطلاق الذي لا ينهي الحياة الزوجية بشكل نهائي، ويمكن الرجوع فيه. الثاني الطلاق البائن، وهو ينقسم إلي فرعين أو نوعين: الأول الطلاق البائن بينونة صغري، الثاني الطلاق البائن بينونة كبري. وهي تقسيمات موضع نقاشها واستعراض تفاصيلها كتب الفقه، وليس مقالاً.

والطلاق رغم أنه حلال، إلا أنه حلال بغيض. وقد أفصح عن ذلك وكشف عنه المصطفي صلي الله عليه وسلم في حديثه المتقدم. ورغم مبغوضيتة إلا أنه له أسباب تجيزه، وتجعله ضرورية حتمية واجبة، يصعب الإستغناء عنه كحل نهائي للمشكلات الأسرية. هذه الأسباب تنقسم إلي قسمين:

الأول يتعلق بطلب المرأة الطلاق مثل: فسوق الزوج وفساده وإذا كرهت منه عيباً لا يرجي شفاؤه وإذا عجز عن الوفاء بحقوقها وإذا سبها وعنفها وضربها لغير مقتضاً شرعاً وإذا خالف الشريعة والفطرة في حقوقها. وتضررها من غيابه وإذا بغضته ونفرت منه وإذا منعها أهلها وأجبرها علي مقاطعتهم.

الثاني ويتعلق بأسباب تنهي الرابطة الزوجية من جانب الرجل، مثل: فساد الزوجة في دينها وأخلاقها والفتور والبرود في المعاشرة والعجزعن الوفاء بحقوقها والإنفاق عليها.

وليس معني توافر الأسباب الدافعة للطلاق، سواء من جانب الآداء الرجولي له، أو من جانب طلب الطلاق من قبل المرأة، أن يتم إتيانه كيفما اتفق، وأن يكون وسيلة للإنتقام والتشفي والتخسير والخراب والحرمان من الحقوق، وقد تم ضبط إيقاع الطلاق ممارسة، من جانب المولي عز وجل، حتي يبقي الفضل بين الناس: " ولا تنسوا الفضل بينكم "، بهدف الحفاظ علي الأُسَر والمجتمع من التفكك والتحلل عند ممارسة الطلاق، وأن يتحول الطلاق من حل لمعضلات أسرية واجتماعية إلي مشكلة ومعضلة في حاجة إلي حل.

يقول تعالي: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ". ومعني ذلك أن أساس الإمساك بين الزوجين هو المعروف، وأساس التسريح هو الإحسان. ويؤكد ذات المعني وزيادة قوله تعالي: " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ". والزيادة في المعني هنا بزيادة المبني، ففضلاً عن الإمساك بمعروف، فلا يكون بقصد الإضرار بالزوجة. وانظر معي إلي اللطف الإلهي حين يوجهنا هذه التوجيهات الجميلة بمراعاة هذه المعاني في ممارسة فعل الطلاق، في قوله تعالي: " فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ". ولا يقتصر الأمرعلي فعل الطلاق وإنما يمتد إلي ما بعده، حين يقول المولي عز وجل: " فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا "، وقوله: "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ".

فإذا كانت تلك آداب الطلاق وأسبابه، فلابد أن ندرك أن هناك خلل في موضع ما، أفضي إلي ما نحن فيه كأفراد وأسر ومجتمعات. فقد أصبح الطلاق يقع بين الزوجين بسبب توافه الأمور التي لا ترقي إلي مستوي المشكلة، ثم نصنع منه أزمة، ثم نرتب علي وقوعه مظالم لا حدود لها، تلحق بالزوجين، أحدهما أو كلاهما، وكذا الأسرتين والأولاد، ومن ثم المجتمع ككل. وقد يكون الخلل في التربية، والأسرة، والمدرسة، والشارع، والثقافة السائدة. فهل ننتبه إلي أهمية معالجة هذا الخلل؟.

 

حسن زايد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم