صحيفة المثقف

عندما يصر البرلمان على اخطائه

طارق الكنانيكانت رحمها الله جارتنا عندما يصر احد الاطفال على فعل ما ويعاندها تصفه بأنه مثل "عيون بديعة" ولم نكن نعرف من هي "بديعة "حتى كبرنا وعرفنا من هي رحم الله الجميع كانت من بائعات الهوى في المدينة يظهر اننا لم نتشرف برؤيتها فهي قد خلفت بعد رحيلها "حسنة ملص" رحمها الله وكان لنا شرف معرفتها عن كثب.

اليوم كانت جلسة البرلمان فاشلة بكل المعايير وكل الطروحات عدا ماتقدمت به النائبة ماجدة التميمي كان طرحا موضوعيا واما الباقي فهو مجرد انشاء وشعر وبكاء على الاطلال واعتقد البكاء كان كاذبا كما يقول المثل الشعبي (ميت والمعزيات موش امهاته... يتنادسن بسكوت يبچن شماته)، الكل يعرف مصدر الخلل والكل يعرف العجز الحكومي عن ايجاد الحلول الناجعة والكل يعرف فائدة النواب ومجلس المحافظة من مشاريع تحلية المياه الخاصة بهم، ووجود معامل التحلية بالمخازن ولانعرف مالذي حال دون نصبها حتى بعد ان طلبت اليهم المرجعية ان تقوم هي بتحمل تكاليفها ولكن كل النداءات جوبهت بالرفض الغير مبرر، واليوم يتحدثون عن التخصيصات اللازمة .بل راحت وزيرة البلديات تتقاتل مع النائب عدنان الزرفي لانه انتقدها (عجبي عليك حتى عيون بديعة ماصارت مثلك ولاتنكسر عينك رغم حالات التسمم بالجملة) كما راحت الوزيرة عديلة حمود وهي وزيرة الصحة والبيئة تبرر وتلقي بالكرة إلى ملعب آخر وتخلي مسؤوليتها وكأن وزارتها غير مسؤولة عن البيئة ومطالبة باعداد تقارير عن هكذا امور (وهي الاخرى قد فاقت بديعة وعيونها التي لاتنكسر). واما رئيس الوزراء فاثبت بأنه انسان لايمكنه النهوض بمسؤولية دار عجزة وليس بلد مثل العراق ولاننسى وزير الدفاع ووزير الداخلية الذين سمحوا لضباطهم بفتح نيران بنادقهم على صدور المتظاهرين فأوامر الرمي لاتأتي من جهة اقل من وزير ولايمكن لأي ضابط ان يرتجل في هكذا امور فالاوامر واضحة والضباط طبقوها بكل دناءة ووضاعة ونسوا انهم مكلفين بحماية هذا الشعب وليس حماية الاحزاب التي جاءت بهم، وهاهم الوزراء قد تخلوا عنهم ليواجهوا مصيرهم مع الشعب .

لنعود إلى اصل الموضوع الذي بسببه انعقدت هذه الجلسة (الفيطي) كما يحلو للبعض تسميتها ووجدتها تسمية ملائمة لها فأدرجتها كما هي ولا اعرف معناها الا انها من الواضح كلمة شديدة الاستخفاف بالوضع .

حذرنا في تموز الماضي من هذا الوضع في عدة مقالات وقلنا ان صيف البصرة ينتج الثورات وهو قادر ان يغير كل الموازين التي وضعتها الاحزاب ويديرها لصالحه فالجمهور البصري متطلع للحرية والثقافة والعلم فهم اصل الحراك الثقافي والعلمي للمنطقة بل للعالم العربي ككل منذ كان العراق، وهذا لايختلف عليه اثنان وهم قادرون على اعادة انتاج الحراك الثوري بكل تفاصيله، ولكن الاحزاب ومكرها وتوجيهات المخابرات الدولية المرتبطين بها اشارت عليهم بفكرة قديمة جديدة ففي كل حراك ثوري تقوم الاجهزة الامنية بالدولة بتدمير هذا الحراك من خلال تدمير البنى التحتية للبلد والصاق التهمة بالثوار، فصاحب محاضرة اشهر عشر أكاذيب ضد الثورة البلشفية أليكس غرانت: الجزء الأول يقول: (لم يسبق لأي حدث آخر في تاريخ البشرية أن تعرض لما تعرضت له الثورة الروسية من التشويهات والافتراءات والأكاذيب. وأولئك الذين يشهدون المعاملة التي يتلقاها اليوم جيريمي كوربين على يد الصحافة البريطانية يفهمون نكهة حقد الطبقة السائدة. هوغو تشافيز والثورة الفنزويلية حظيا بدورهما بنفس الاهتمام الخاص في الفترة الأخيرة. لكن ليس هناك من حدث استحق كراهية الطبقة الحاكمة مثل الثورة البلشفية عام 1917، لأنه آنذاك قام العبيد لأول مرة بالإطاحة بالنظام القديم والبدء في بناء مجتمع جديد دون الحاجة إلى رب أو سيد.

والسبب وراء مثل تلك الافتراءات ضد البلاشفة واضح جدا. فقد أظهر ذلك الحدث، أكثر من أي شيء آخر، أن هناك طريقة أخرى لتسيير المجتمع وأنه ليس على العمال والشباب والفقراء والمضطهدين أن يخضعوا لإملاءات "السادة الأنيقين" الذين يستفيدون من معاناتهم. وقد تم إنفاق ساعات لا حصر لها، ومليارات الدولارات والجنيهات واليوروهات لإقناع الناس بأن الثورة الروسية لم تأت بأي شيء جيد وأنه ليس هناك ما يمكن تعلمه منها لنضالاتنا اليوم. وقد تمت تعبئة جيش كامل ممن يسمون "خبراء" لهذه المهمة الخاصة المتمثلة في الحفاظ على الوضع الراهن).

كما قامت استخبارات القيصر بحرق كل المؤسسات والمرافق الخدمية الموجودة بالمدن التي سيطر عليها الثوار والصقت التهمة بهم ، كما شهدنا نحن في العراق في العام 1991 نفس الاسلوب في حرق المؤسسات الحكومية ذات النفع العام من قبل رجال النظام والصقت التهمة بالثوار ووصفوا بالغوغاء ومن ثم تغيير التهمة بصفحة الغدر والخيانة، هكذا هي الحكومات واحزابها، ففي العراق بالرغم من ان التجربة في ظاهرها ديمقراطية ولكن المطلع عليها يجد انها اكثر ديكتاتورية من كل الانظمة الديكتاتورية فالانتخابات منذ العام 2005 تشهد تزوير يعاد فيها نفس الوجوه على مدى اربع دورات انتخابية وقد كشف انتخابات العام 2018 هذه العورة وفضيحة التزوير من النوع الثقيل وعلى اثرها اندلعت تظاهرات امتدت من اربيل والسليمانية وهاهي تصل إلى البصرة في عملية شجب لم تواجهها الاحزاب من قبل فكان القمع والقتل والرصاص في السليمانية كما هو بالبصرة والشعب الغاضب يطالب بحقوقه ولم يستطع الحصول عليها فالمواطن العراقي في السليمانية لم يستلم راتبه منذ سنوات وحكومة الاقليم مصرة على عدم منحه كامل راتبه والمواطن البصري يطالب الحكومة بشربة ماء والحكومة ترفض منحه حق شرب الماء وتوجه البندقية إلى صدره، ولم تتمكن الاحزاب من تحجيم هذه التظاهرات بالمواجهات لانها ستؤلب الرأي العام العالمي ضدها، فابتكرت عملية حرق المؤسسات الخدمية والحكومية والصقتها بالمتظاهرين الامر الذي ادى إلى ردود فعل مختلفة من الجهات التي أيدت الحراك السلمي الذي قام به المتظاهرون وبدأت تسحب تأييدها شيئا فشيئا حتى انسحب بعض المتظاهرين انفسهم وقاموا بحماية المؤسسات الخدمية خوفا عليها من الحرق ...

طالبنا الاجهزة الامنية بايجاد هؤلاء الذين اطلقت عليهم صفة المندسين ولكنها لم تستطع تسميهم بالرغم من انها تعرف مصدرهم وتعرف ان عملية المندسين مجرد اكذوبة احزاب متنفذة ولم ترد ان تخسر مواقعها بالبصرة وعمليات تهريب النفط والموانئ والمنافذ الحدودية فالبصرة هي (ام الخبزة) كما اطلق عليها اليوم احد النواب.اليوم في البرلمان ظهر زيف ادعاءاتهم واكاذيبهم وعدم حرصهم على شعبهم ...ولم تنكسر عيونهم بالرغم من حجم التضحيات والدمار الذي لحق بالمواطن البصري الا ان الصلف السياسي كان اكبر مما توقعنا ونقدر ان نقول (ميت والمعزيات كلهن برابيگ....).

 

طارق الكناني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم