صحيفة المثقف

لمحة عن مجازر السفاحين في العالم

محمد العباسيأنا متهم !.. متهم بشغفي للمسلسلات البوليسية ولبرامج الجرائم الواقعية.. أتابعها كل يوم تقريباً وأستمتع بأساليب البحث والتقصي وكشف الملابسات والأسباب التي تؤدي إلى الكثير من أنواع الجرائم والسرقات بشكل عام.. وأستغرب من الكم الهائل من طرق تنفيذ أغلب هذه الجرائم والدوافع التي تؤدي إليها ونتائجها وكل ما يترتب عليها.. وقد كتبت عدة مقالات هنا في شأن المذابح والمجازر من حولنا، والتي لم تتغير كثيراً منذ كان الإنسان البدائي متوحشاً ويسفك الدماء، ولم يكن لديهم من وازع في قتل بعضهم البعض.. وكثيرة هي أشكال القتل والتنكيل اليوم وقد تطورت أساليب القتل ولم تتطور لدى العالم نوازع الرحمة ولا الشفقة ولا الرادع الديني ولا الأخلاقي.. بل نرى في كافة أرجاء الأرض أمم لا تزال تقتل بعضها، ونرى أفراداً يقتلون الأبرياء بلا رحمة نتيجة لتلك الوحشية المتأصلة فيهم !!

غير أن هنالك جانب من بعض هذه الجرائم يتعلق بموضوع "القتل المتسلسل"، أي جرائم يرتكبها أفراد ضد عدد من البشر على مدى طويل، ربما تشمل الاختطاف والاغتصاب والتعذيب ومن ثم القتل بطريقة وحشية.. وفي حالات يتم فيها تشويه وتقطيع الجثث والتمثيل بها، بل وربما حتى تناول أجزاء من تلك الجثث.. وحيث أن بعض القضايا لا يتم اكتشافها والقبض على مرتكبيها بالسرعة الكافية، ربما تتعجل أجهزة التحقيق في إتهام أشخاص آخرين قد يدور الشك حول علاقتهم بالضحايا.. وبالتالي يكون هؤلاء المتهمين بشكل خاطئ بجرائم لم يرتكبونها ضحايا أيضاً، وينتهي بهم الحال في السجون لسنوات طويلة دونما ذنب.

و الأدهى في الأمر أنه بعد إدانة بعض الأبرياء بجرائم قتل لم يرتكبوها تنتفي أسباب متابعة ملفات هذه القضايا وينقطع التحقيق وبالتالي ينجح الجناة الحقيقيون في "الفلتان" دون محاسبة.  بل تعج أرشيفات القضايا المنسية (Cold Cases) التي فشلت التحقيقات الجنائية في كشف أغوارها وربما ينساها الزمن وقد لا يُعاد التنقيب فيها أبداً، إلا إذا تكررت الجرائم ثانية بعد حين.. في بعض الحالات النادرة، قد يعود بعض المحققين والباحثين عن الحقيقة بعد عمر بسبب الشك في وجود ثغرات قانونية واللجوء إلى أحدث طرق تحليل بعض الأدلة والعينات المحفوظة ومنها مثلاً إجراء اختبارات الحمض النووي (DNA) التي ربما لم تكن متطورة عند حدوث تلك الجرائم.. ولكم أن تتخيلوا بريئاً يقضي في السجون نحو ثلاثين سنة دون أمل ثم تكتشف الجهات المعنية الظلم الذي وقع عليه دون وجه حق!

أجل، قد يتم الإفراج عن بعض هؤلاء الأبرياء بعد حين وربما يكسبون بعض التعويضات المادية، ولكن لن تعوضهم الأموال عن ضياع حياتهم وكل ما قد يكون تسببت فيه تلك الأحكام الجائرة من مصائب طالت حياتهم الأسرية وكافة أفراد أهلهم من سوء الظن وسوء السمعة وضياع مستقبل الأبناء وكل ذلك الهدر الناتج عن اتهاماتهم الباطلة.. هذا إن لم تؤدي إدانة البعض إلى الحكم عليهم بالإعدام وتنفيذ الحكم عليهم بالفعل بعد استنفاد كل سبل الدفاع والاستئناف المتاحة قانونياً..  ويعج التاريخ بقضايا بعض السفاحين ممن ارتكبوا عدداً كبيراً من جرائم القتل على مدى سنوات طويلة ودفع ثمن بعض جرائمهم عدد من الأبرياء ولم يتم اكتشاف أسرارهم إلا بعد فوات الأوان !!

و الغريب في عمليات القتل المتعددة أن العالم لا يتحدث عن المجازر المهولة التي تسببت فيها بعض الدول الاستعمارية ولا نتائج الحروب الجائرة، حيث لا يعتبرها التاريخ جرائم جنائية.. ومنها على سبيل المثال الملايين من الأبرياء الذين دفعوا حياتهم في الحربين العالميتين ونتيجة حكم بعض الطغاة على مصائر الأمم.. ومنهم نذكر "هتلر" و"ستالين" و"موسوليني" على سبيل المثال وليس الحصر.. ولا يندرج الأمر أيضاً على مئات الآلاف من ضحايا القصف الأمريكي لأفغانستان والعراق، وقبل كل ذلك الملايين من شعوب الأمريكيتين بالذات على يد المستعمرين الإنجليز والإسبانيين بعد اكتشاف هاتين القارتين.. وكذلك الوضع مع المجازر المهولة التي ارتكبها اليابانيين في مجمل دول شرق آسيا.. وهل سينسى التاريخ مجازر المستعمرين الإيطاليين في ليبيا والفرنسيين في الجزائر، ومجازر الصهاينة المستمرة ضد أهلنا في فلسطين المحتلة.. وقد ينسى التاريخ بعد حين مجازر الصرب ضد البوسنيين المسلمين ومجازر "بشار الأسد" ضد شعبه في سوريا ومجازر البورميين البوذيين ضد مسلمي الروهينغا في ماينمار وعمليات القتل والتنكيل بالمئات على يد الدواعش في العراق والمجازر العرقية على يد الحشود الشعبية.. كما ربما نسى العالم مجازر الإبادة الجماعية للروانديين (هوتو) ضد البورونديين (توتسي) في التسعينيات؟

لكننا نعود هنا للحديث عن تلك "الجرائم الجنائية" الفردية التي قضى فيها أفراد على عدد كبير من الضحايا على مدى سنوات قبل الكشف عنهم، وهم معروفون بمسمى "القتلة المتسلسلين".. وعادة تسمى مثل هذه الجرائم بهذه التسمية حين يقتل شخص ما عدد ثلاثة من الضحايا أو أكثر خلال فترة زمنية، وفي بعض الحالات قد يصل إجمالي عدد الضحايا إلى المئات خلال 20 أو 30 سنة.. وربما في بعض الحالات ظلت تلك الجرائم دون محاسبة.. ربما أشهرهم هو "جاك السفاح" الذي أرعب لندن في العام 1888 ميلادي، حيث ذبح هذا السفاح خمس نساء من البغايا بقطع حناجرهن والتمثيل بجثثهن.. ولم يتم الكشف قط عن القاتل الحقيقي رغم الشكوك عبر التاريخ بعدة شخصيات دون أن تثبت على أي منهم التهمة بشكل نهائي.

و كثير منا ربما سمع عن المجرم الأمريكي "جيفري داهمر" في ثمانينيات القرن الماضي الذي كان ينتقي ضحاياه من بين المراهقين والشباب اليافعين والمثليين، ممن قد لا يلاحظ أحداً غيابهم، حيث كان يغريهم بالمال أو الحصول على المخدرات والكحول والجنس، وبعد أن يذهبوا معه إلى شقته، يقوم بخنقهم حتى الموت، ثم يمارس معهم "النيكروفيليا"، أي ممارسة الجنس مع الجثث، ثم يقوم بتقطيع الجثث إلى أشلاء، ويأكل ما يكفيه من اللحم البشري.. وتم القبض عليه بعد فرار أحد ضحاياه، فوجدت الشرطة في ثلاجة شقته بقايا جثث وأعضائها الداخلية والتناسلية وبعض الجماجم.

أما في كندا وفي العام 2002 عثرت الشرطة على الحمض النووي لـ 26 امرأة في مزرعة شخص يدعى "روبرت بيكتون".. وأدين هذا القاتل المرعب في 2007 بالسجن مدى الحياة.. وقد أعرب "بيكتون" عن رغبته في قتل 50 امرأة غير أنه ولخيبة أمله نجح في قتل 49 فقط.. وزعم أهالي الضحايا أن الشرطة الكندية تقاعست عن التحقيق الجاد في أمر هذا القاتل لأن مجمل المقتولات كن يعملن في مجال البغاء ولأن أغلبهن كن من السكان الأصليين في كندا.

أما الشرطي الروسي القاتل "ميخائيل بوبكوف" فقد قام باغتيال 59 شخصاً في مدينة "أنغارسك" الروسية جلهم من النساء.. عند محاكمته في 2015 بتهمة قتله  22امرأة في البداية، اعترف "بوبكوف" بجرائمه الأخرى على مراحل مما كان يؤجل إصدار الحكم النهائي بحقه، ولا يزال الشك يدور حول العدد الإجمالي لضحاياه رغم أن بعض المصادر تشير إلى 82 ضحية..  وربما يكون "بوبكوف" قد تأثر بسفاح روسي متوحش يلقب بجزار "روستوف"، الذي كان يحب الاعتداء جنسياً على الأطفال رغم أنه كان يعمل مدرساً، ثم أدمن القتل ما بين الأعوام 1978 و1990 .. وبلغ عدد ضحاياه 53 ضحية، ما بين طفل وفتاة وامرأة، وكان يستدرج ضحاياه إلى الغابات المحيطة بمدينة "روستوف" ويقتلهم بعد الاعتداء عليهم جنسياً ثم يشوههم بوحشية مفرطة ويقطّع أجزاء معينة من أجسادهم كالأعضاء التناسلية والرحم وحلمات الثدي وقطع من الوجه ليأكلها.. وأخيراً تمكنت الشرطة من القبض عليه وحوكم وأعدم رمياً بالرصاص سنة 1994 .

يذكر لنا موقع (اليوم السابع) قصص بعض أشهر السفاحين في مصر، وربما كان أشهرهم إعلامياً وسينمائياً قصة الأختين "ريا وسكينة" في الإسكندرية.. وتدور الحكاية حول استدراجهما النساء إلى منزلهما من أجل سرقة "المصاغ"، لينتهي الأمر بقتل ودفن الضحايا في نفس المنزل.. رغم أن البعض يدافع عنهما حتى اليوم ويعتقد انهما كانتا تعلمان ضد المستعمرين الإنجليز وأن القصة ملفقة بشأن كونهما من القتلة المتسلسلين.  ثم هنالك قصة الصعيدي "محمد منصور" المعروف بـ "الخِط" المتهم بالقتل والسلب وقطع الطرق في أسيوط.. وأيضاً "سفاح كرموز" واسمه "سعد إسكندر عبدالمسيح" الذي اشتهر بقتل النساء في الإسكندرية، ويقال أنه كان يعاني من عقدة نفسية تسببت فيها امرأة.. وكذلك "سفاح بني مزار" المدعو "عيد  بكر" الذي بث الرعب قلوب أبناء الصعيد ويقال أنه قتل 56 ضحية.. وفي القاهرة الكبرى في الثمانينيات قتل "مصطفى خضر" عدد تسعة من الضحايا بينهم صديقه وحبيبته وآخرين على مدى 15 سنة.. وفي 1996 ظهر في المطرية "سفاح روض الفرج" المدعو "أحمد حلمي".. وأخيراً نذكر السفاح "التوربيني" ويدعى "رمضان عبدالرحيم" الذي اشتهر بقتل أطفال الشوارع بعد اغتصابهم، ويقدر عدد ضحاياه بـ 32 طفلاً في الفترة من مايو 2004 حتى نوفمبر 2007 .

من أشهر السفاحين أيضاً وباختصار يذكر التاريخ قتلة في أمريكا الجنوبية مثل "لويس غارفيتو" المتهم بقتل 183 ، و"بيدرو لوبيز" المتهم بقتل 110 ، و"دانيال كامارغو" المتهم بقتل 72 ، والبرازيلي "بيدرو رودريغز فلهو" المتهم بقتل 71 .. ولا يزال الاعتقاد بأن العدد الحقيقي لضحايا كل واحد منهم يتراوح بين 70 و300 .  وهنالك إحصائيات تقشعر لها الأبدان لقتلة من الصين وكوريا وروسيا وأوكرانيا ورومانيا وبولندا والعراق وإيران وتركيا والهند وباكستان وأفغانستان وغيرها مما لا تسمح مساحة المقال من سردها.

كل هذه القصص تعكس وحشية بعض البشر وعشقهم للعنف والقتل والتشويه والاغتصاب والتعذيب.. وقد تحولت الكثير من ملفات القضايا إلى أفلام ومسلسلات وبرامج تلفزيونية، بعضها واقعية التفاصيل، وبعضها خيالية على شاكلة أفلام الرعب.. بعض أشهر هذه الأفلام التي تدور حول مثل هذه الأحداث الإجرامية، مثل فيلم "زودياك" عن جرائم قتل غامضة وقعت في الستينات والسبعينات في شمال "كاليفورنيا" ولم يتم الكشف عن القاتل قط.. ثم لدينا فيلم "مجزرة منشار تكساس" حول السفاح "إد  جين" واسمه الحقيقي "أدوارد ثيودور" الذي اشتهر بتقطيع ضحاياه بالمنشار الآلي وسلخ وجوههم وتقطيع أعضائهم التناسلية، حيث يقال أن والدته زرعت فيه عقدة كراهية الخونة من النساء والرجال.. وفيلم "مونستر" الذي يدور حول امرأة هذه المرة تدعى "إيلين ورنوس" التي قتلت سبعة من الرجال في "فلوريدا" في أواخر الثمانينيات وتم إعدامها بحقنة قاتلة في 2002.. وكذلك تتذكر الولايات المتحدة قتلة مثل "تشارلز مانسون" و"تيد بندي" و"غاري ردجوي" و"جون وين غايسي" المعرف بلقب "المهرج السفاح".

كثيرة هي الأفلام والبرامج التلفزيونية الوثائقية التي تتعرض لبعض هذه الجرائم البشعة ويمكن لمن يشاء أن يبحث في مصادر البحث الإلكتروني عن مثل هذه القصص والوقائع المثيرة.. بعض الجرائم تم كشفها، وبعضها لا تزال غامضة انتهت كما بدأت دون معرفة المجرمين الحقيقين ورائها ولا دوافعها ولا حتى أسباب إنقطاعها، وربما يكون بعض المتهمين الأبرياء تحملوا عواقبها.. ففي بعض الحالات تكون الضغوط المجتمعية والإعلامية والسياسية على المحققين كبيرة جداً مما تجبرهم على البحث عن متهمين ولو بدلائل مشكوك فيها أو واهية من الأساس فقط لإغلاق ملفات تلك القضايا للتخفيف من الروع بين الناس.. ولا يزال القتل والتعذيب والوحشية الهمجية حاضرة حتى يومنا هذا، ولا تزال نشرات الأخبار تنقل لنا كل يوم أخباراً حول قصف المدن بالبراميل المتفجرة والمواد السامة والحروب التي تُستعمل فيها الصواريخ العابرة للقارات والجرائم البشعة ضد الشعوب المظلومة.. حتى باتت مناظر الجثث والموتى عادية ولا تهز فينا جفن ولا يرجف لها فؤاد.

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم