صحيفة المثقف

محطات فضائية داعمة للطائفية

محمد العباسيفي عصر الفضائيات وعالم الإنترنت تكثر المحطات الفضائية الداعمة للتفرقة الطائفية تحت أنظار العالم.. محطات وقنوات جل همها الطعن والتخوين وبث الطائفية المقيتة بين المسلمين.. هواها التفرقة.. وأساس أهدافها إقتلاع مشاعر الود والتآلف من قلوب الذين لا تهمهم الفوارق المجتمعية والدينية والمذهبية.. قنوات تعمل ليل نهار على إجتثاث كل معاني تقبل الطرف الآخر بغض النظر عن كينونتهم التي ولدوا عليها والدين الذي هم يتبعون!

الغريب والعجيب أن أغلب هذه المحطات الفضائية في جوارنا قد إنكبت على طعن الدين الإسلامي الحنيف، وتركت في شأنها كافة الملل والأمم والديانات الأخرى.. كل همها طعن الإسلام والمسلمين فقط.. وهي محطات تتسمى بأسماء إسلامية.. وتنبع من مصادر المفروض أنها إسلامية.. وكأنما قد أصلحت العالم كله ولم يتبقى لها غير المسلمين من حولهم لتنتقد "إعوجاجهم"!!.. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية وحدها (وبلا منازع) تدعم أكثر من خمسين قناة فضائية معروفة تعمل في هذا الإطار المدمر.. فهي إن لم تكن تنتقد بقية المسلمين في الشرق والغرب والجوار، فهي تنشر "خزعبلات" وفتاوى وقصص أقرب إلى الخيال العلمي.. روايات وهلوسات وخرافات لا تمت للعقل والواقع بصلة.. وتمحوّر التاريخ المجيد لأئمة الإسلام وأهل البيت الأجلاء (عليهم أفضل السلام) حول أحداث من وحي الخيال ومن نبع الأحلام.. وتلبسهم قدرات خارقة وأفعال غير طبيعية وقدرات إلاهية وأقوال لا تنطلي على العقلاء!

مخاطر بعض هذه القنوات الطائفية (الفارسية الهوى) لا تقف عند حدودها العقدية والمذهبية، لكنها تمتد لتلامس الأوضاع السياسية للدول العربية وقادتها وأنظمتها مما قد يشكل خطورة مباشرة على الأمن القومي واستقرار تلك البلاد، ومن ثم فإن استمرارها في بث سمومها وتحريضها بحرية وتمكن وصولها لكل بيت في المنطقة العربية قد يصنع رأياً عاماً تم تطويعه وفق الرؤية الفارسية، وقابل للتحرك وإحداث القلاقل داخل المجتمعات العربية في أية لحظة.. وقد لخص موقع "البرهان" بعض من الملاحظات على نهج هذه القنوات في الدعوة المضادة لعقيدة أهل السنة في دول الجوار، منها على سبيل المثال طرحها مغالطات وأكاذيب وافتراءات تاريخية تصل بالمشاهد غير الواعي إلى أن يطعن في مصداقية الصحابة وزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال إمطار المشاهد بسيول من الأحاديث والأقوال المنكرة والموضوعة المنسوبة زوراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمنسوبة زوراً للأئمة من أهل البيت عليهم رضوان الله.. ومع ضعف الحصيلة الحديثية والدراية بعلم الحديث سنداً ومتناً عند عموم المتلقين فإن ذلك يؤدي إلى انتشار الأقوال الكاذبة بين الناس وتداولها على أنها أحاديث صحيحة.. والخطورة هنا تكمن في التكليفات العقدية المصاحبة لتلك الأكاذيب والتي تصب جميعها في مصلحة بث التفرقة وخلق نزاعات طائفية.

 

تقدم بعض هذه القنوات جرعات مكثفة من البرامج الموجهة للأطفال سواء كانت في قنواتها المخصصة للأطفال، أو متفرقة في القنوات العامة، وجميعها مصاغة وفق رؤية عقدية تنجرف بالأطفال غير المراقبين من الآباء إلى الهاوية.. ولا تبدي هذه القنوات أي حياء في أن تقدم مسلسلات تاريخية تجسد فيها صور الأنبياء والصحابة وآل البيت برجال عاديين وتعمل على تشويه التاريخ وتقديمه وفق الرؤية المذهبية، والاعتماد التام على "الإسرائيليات" في سرد التاريخ وقصص الأنبياء، فضلاً عن كونها مصحوبة بالطعن في الصحابة وتشويه صورة خلفاء المسلمين.. ولا تخلو هذه المسلسلات حتى وإن كانت تتناول حقبة تاريخية قبل الإسلام من وضع البهارات الطائفية عليها مثل تقديس القبور، مثلما قدمت سيدنا يعقوب عليه السلام في أحد المسلسلات الإيرانية المدبلجة وهو يزور قبر زوجته بانتظام ويحزن ويبكي عند "غيبة" ابنه يوسف عليه السلام.

والأغرب من كل ذلك ما تتناقله المواقع هذه الأيام عن بث بعض هذه القنواب عبر أقمار صناعية إسرائيلية.. فحسب موقع "روسيا اليوم" فقد تم نشر تقرير كشف فيه عن بث ست قنوات فضائية دينية معروفة، توجهها إيران، من قلب إسرائيل إلى العالم العربي لنشر التشيع.و بث التفرقة.. وبحسب ما نقله "روسيا اليوم" عن موقع "سات أج" المتخصص في رصد حركة الأقمار الصناعية حول العالم، فإن القنوات هي "آل البيت، والأنوار، وفدك، والحسين، والعالمية، والغدير"، وجميعها رغم اختلاف مسمياتها تتواجد على القمر الإسرائيلي "أموس"، من خلال شركة "آر.آر.سات".. وأشار التقرير إلى أن هذه القنوات تلبس رداء التشيع وتتظاهر بالولاء لآل البيت، وتجتهد في تمرير الرؤية الإيرانية وإقناع الجمهور العربي بها.. وأضاف أن "آر.آر.سات" هي شركة اتصالات إسرائيلية خاصة يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي "دافيد ريف"، وتأسست عام 1981 بموجب ترخيص من وزارة الاتصالات الإسرائيلية.. لافتا إلى أنها تقوم منذ يناير 2002 بتقديم خدمات التداول عبر الأقمار الصناعية للإذاعة والتلفزيون إلى جانب الألياف البصرية والإنترنت  ..و وفقا للتقرير المنشور على "روسيا اليوم"، فإن "إدارة الشركة يرأسها منذ أبريل 2001 "راموت جلعاد"، وهو عميد احتياط في قوات الدفاع الجوي بالجيش الإسرائيلي. (موقع صدى بيروت 2016)

والمتأمل لنوعية ما تقدمة تلك القنوات الفارسية على القمر الإسرائيلى يجد أنها تستهدف أولاً تجميل صورة إيران وتشويه المذهب السني والإيحاء بوجود "قرآن" في بلاد فارس مخالف للقرآن الكريم الذي بين يدي المسلمين في بقية أنحاء العالم، وأن "مصحف عثمان" المتداول منذ 1400 سنة به أخطاء فجة، بينما المصحف الإيراني خالٍ من الأخطاء!  كما تعمل تلك القنوات على تهيئة العقول لقبول المذهب والفكر الشيعي في إطار ما دعا إليه "الإمام الخميني" في بداية قيام الثورة الإيرانية الإسلامية قبل نحو ثلاثين عاما بضرورة "تصدير الثورة الخمينية إلى جميع أنحاء العالم! (موقع الأهرام 2010)

و هنالك حوالي خمسين قناة  دينية وإخبارية حول العالم تبث باللغة العربية وكلها تتبع ومدعومة من إيران وجميعها تستهدف العرب والسنة.. ربما من أشهر هذه القنوات غير تلك الست قنوات التي تبث عبر إسرائيل هي : الحجة - أهل البيت - المعارف - فورتين - المهدي - الفرات - بلادي - كربلاء - الثـقلين - الأوحد - العهد – الكوثر - العالم - المنار - المسار - الكوت - العالم - مجموعة العراقية - الفرقان - طه - السلام - بريس تي في - الاتجاه - هدهد للأطفال - هادي للأطفال - قناة الولاية - قناة المصطفى - الإمام الرضا - الدعاء الفضائية - الصراط الفضائية - النعيم الفضائية - اللؤلؤة.. وغيرها من قنوات فضائية وإذاعية ومواقع وبرامج وفيديوهات تنتشر عبر أثير الإنترنت!

وجميع هذه المحطات تتبع سياسة الموج الهادئ الذي يسحب السباح غير الماهر إلى مناطق غرق مؤكدة.. وتحرص على استضافة من يسمون عندنا بدعاة التقريب والذين يزينون مشاركتهم بسيل من الإعجاب بتجربة الثورة "الخمينية" التي أبهرتنا جميعاً حينها.. وكل ذلك تحت ذريعة الوحدة الإسلامية التي تكشفت لاحقاً عن مدى تلاعب المخططات الفارسية عبرها بكبار علماء أهل السنة مثل "القرضاوي" والساسة مثل قادة "حماس" الواعين للمشروع الفارسي في المنطقة.. أما الشيخ "يوسف القرضاوي" فقد تراجع عن وقفاته ودعواته بالذات بعد اندلاع الأزمة السورية وتكشف البعد الطائفي في كل ما يجري هناك.. وأبدى أسفه لما قال إنه وقت أنفقه في الدعوة للتقارب بين الشيعة والسُّنة، قائلاً: "إنه اكتشف أنه لا توجد أرضية مشتركة بين الجانبين لأن الإيرانيين، خصوصاً المحافظين منهم، يريدون أكل أهل السُّنة".. وأضاف: "أن الرئيس السوري الراحل "حافظ الأسد" ينتمي لطائفة أكفر من النصارى واليهود، كون أتباعها لا يقومون بأي شعيرة من شعائر الإسلام"، بحسب تعبيره.. وأعتبر "القرضاوي" أن الشعب السوري يجاهد من أجل استرداد حقوق اغتصبها "حافظ الأسد" الوحش المتجبر المستكبر الذي أراد أن تكون سوريا "عزبة" يتوارثها أبناؤه وحفدته (موقع العربية 2013).

هذه بعض من المخاطر المبنية على تحليل محتوى القنوات الطائفية المدعومة بالتمام والكمال من بلاد فارس تحت شعارات دينية ومذهبية وطائفية.. ويبقى الحل في التصدي لها ووقف بث هذه القنوات الخطيرة من على الأقمار العربية كلها.. فهم لو كانوا صادقين في كون هذه الفضائيات موجهة لطوائفهم في الوطن العربي لأطلقوا قمراً صناعياً خاصاً فيهم يضم كافة قنواتهم ويكون موجهاً فقط لأتباعهم.. فحينها سيكون معلوم لدى الجميع هوية هذا القمر وقنواته فيتم تجنبه بسهوله، بدلاً من تغلغل القنوات عمداً وعن سوء نية بين القنوات العربية والسنية حتى يختلط الأمر على المشاهد الغير المحصن لهوية القنوات الطائفية التبشيرية.. ومع ضعف الوعي لدى البعض في فهم زيف وحقيقة النوايا المبيتة عندهم قد ينبهر البعض ويحدث لديه التباس عقدي، فضلاً عن التهيئة النفسية لطموحات المشروع الفارسي الاستعماري، وما قد يستلزمه من خروج على حكام أهل السنة والجماعة.

فمن منطلق حبنا واحترامنا لـلخليفة الراشد "علي بن أبي طالب" ومعزتنا العظيمة لسيدتنا "فاطمة" و"زينب" و"الحسن" و"الحسين" وأئمة الإسلام من بعدهم من أل البيت الكرام، عليهم أفضل السلام، قد تنطلي على الجهلاء من المذهبين بعض من الروايات والأقوال المشبوهة عنهم.. مما تختلقها تلك العقول المريضة بسوء نية لتأجيج النزعات الطائفية بين المسلمين.. وبث الصراعات والكراهية عبر سرد تلك الفضائيات والمحاضرات الدينية لقصص من وحي الخيال تشوبها كل صنوف الدلس والتلفيق والمغالطات والكذب والتشكيك والمغالاة..  فقط لإضعاف الأمة وهدم أعمدة وأسس ديننا الحنيف.. دون وازع من ضمير!!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم