صحيفة المثقف

أسباب العنف الأسري وكيفية مواجهته

حسن زايدكلمة العنف تعني استخدام القوة، وعَنَّفَ يعني تعدي، وأعنف يعني الأخذ بالشدة والقسوة، والتعنيف يعني التعبير بالشدة والغلظة. وهذا المعني يعني خلو العنف من الرفق .

والعنف اصطلاحياً هو آلية من آليات الدفاع عن الذات، ضد المخاطر المحتملة، التي تهدد وجوده واستمراره . والآلية الدفاعية هي واحدة من الطاقات الغريزية الكامنة، وهي تنشط في حالات الدفاع أو الهجوم التي يتعرض لها الإنسان . وبذا نجد أن العنف في النفس البشرية له دوافعه، وهو يتجلي في القابلية لاستخدام القوة في مواجهة الغير .

وهناك ثلاث اتجاهات شائعة في تفسير أسباب العنف هي:

الأول  الإتجاه البيولوجي  علم الأحياء  ويري أصحابه أن العنف ينبع من دوافع بيولوجية، هذه الدوافع هي التي تدفع الإنسان إلي السلوك العدواني، نتيجة وجود مثير خارجي، أي أن العنف ميل فطري غريزي غير مكتسب .

الثاني  الإتجاه النفسي : ويري أصحابه أن العنف طاقة عقلية عامة، تلعب دوراً في الصراعات العقلية . وليس مجرد دافع تدميري أو عقابي .

الثالث  الإتجاه الإجتماعي: ويري أصحابه أن العنف ظاهرة اجتماعية، وكل ظاهرة لها أسبابها وعواملها ودوافعها المتعددة . هذه الدوافع قد تكون نفسية أو اجتماعية أو إقتصادية أو ثقافية أو دينية أو أخلاقية، أو كلها مجتمعة .

وأنا أكثر ميلاً وقبولاً لهذا الإتجاه الأخير، الذي يتعين العناية به، وإعماله. إذ يجب دراسة وتحليل وتفكيك ونقد هذه الأسباب والعوامل والدوافع، وعلاقتها ببعضها البعض، وعلاقتها بالعوامل الأخري .ً

أما العنف الأسري فهو ذلك العنف الذي يقع داخل الأسرة الواحدة ذاتها، النواة الأولي للمجتمع . وحائط الصد الأخير في مواجهة انهيار المجتمعات . والعنف قد شمل كافة العلاقات الأسرية، كعنف الزوج في مواجهة الزوجة، وكذا عنف الزوجة في مواجهة الزوج، بما يرتب مشاكل الطلاق والخلع، أو استمرار العلاقة بخنوع واستكانة أحد الطرفين للأخر، وقد يصل العنف في هذه العلاقة حد القتل، أو ممارسة الجنس خارج النطاق الشرعي المعروف .

وقد يمتد العنف إلي علاقة الأولاد بأحد الوالدين، كقتل الأولاد بمعرفة أحد الوالدين، أو قتل أحد الوالدين بمعرفة الأبناء، وكذا انتشار العنف بين الإخوة .

ومن الأسباب الدافعة لتولد العنف أسباباً ترجع لنواحي فردية ذاتية، وأخري ترجع إلي أسباب اجنماعية عامة . ومن الأسباب ذات الطابع الفردي أو الشخصي الذاتي : المعاناة والقلق والذكريات المؤلمة، والأمراض النفسية مثل : الكآبة، والهستريا، وانفصام الشخصية . أما الأسباب الإجتماعية العامة فقد تتمثل في فشل منظومة القيم الدينية والإجتماعية والثقافية في تحقيق التوازن النفسي والإجتماعي . وكذلك انعدام أو ضعف الإستقلال والحرية الفردية، وكذا  الإضطهاد والكبت السياسي والإجتماعي، والكبت الجنسي وإدمان المخدرات .

وسواء كانت الأسباب فردية ذاتية أو اجتماعية عامة فإنها تصب في النهاية في اتجاه الإنحرافات الخُلُقية . وتتوقف درجة الإستجابة لنوازع ومثيرات العنف علي الظروف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تمر بها المجنمعات .

وقد ساهم الإعلام الفضائي علي نحو لافت بحظ وافر في تعميق المشكلة وتدعيمها وتحفيزها وتثويرها، والعمل في الإتجاه المعاكس لمصلحة المجتمع، بحثاً عن السبق والإثارة ونسبة الإعلانات لو أحسنا الظن بالقائمين عليها، وبالعمالة لجهات أجنبية لو مددنا الخيط علي استقامته إلي آخري مدي .

وحلاً لمشكلة العنف يتعين علي علماء الإجتماع، وعلماء الإجتماع النفسي، وعلماء النفس النزول بهمة ونشاط إلي ساحة العمل الميداني لتتبع تلك الظاهرة ليس فقط لمجرد التنظير لها، وإنما لتتبعها، والوقوف علي أسبابها ودوافعها، وتحليلها وتفكيكها إلي عناصرها الأولية، ونقدها، ونقد علاقتها مع بعضها البعض، ومع غيرها من الظواهر الأخري. ووضع الحلول النفس / اجتماعية لها في برامج عملية تطبيقية يجري إعمالها وتفعيلها في المجتمع. فهل نحن فاعلون؟.

 

حسن زايد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم