صحيفة المثقف

الموت عَضّا

جعفر المظفرفي الشارع الذي إعتدت السير فيه هناك كثير من الأشياء التي تدعوك إلى عدم مفارقته، الأشجار الملونة بأكثر من عشرة ألوان ربما جعلتك تعتقد في البداية أن البلدية هي التي تصبغها. الخريف لا فصل يضاهيه أو يفوز عليه في رقصة الطبيعة حتى تكاد تظن أن الأشجار تشترك جميعها في مسابقة لملكات الجمال. لكن الليل بعد أن يفرش عباءته قد يدعو آخرين من غير جنسك لكي يشاركوك به. وربما هو الخوف من (السعلوة) الذي يجعلك تخاف من الحيوانات أو تعتقد بإمكانية أن تهاجمك.

ومثلما كانت أمي تخوفني بـ (خضرة أم الليف)، التي ظهر لي ان المقصود بها النخلة، فإن زوجتي تذكرني دائما بأن حيوان (الراكون) قد يظهر لي فجأة من بين اشجار الغابة المحاذية ليقتطع مني وجبة عشائه، على الرغم من محاولتي إقناعها أن لحمي بات عصيا حتى على الراكون نفسه، وأن الحيوانات لا تأكل هكذا خبط عشواء وإنما هي صاحبة ذوق ايضا.

لكن المراة لا تتخلى عن دور الأم حتى مع زوجها، واحدة تخيفك في الطفولة، وواحدة تخيفك في الكهولة، وربما هي تحسب ان رحلة الثلاثة أميال اليومية ليست بريئة تماما، وحتى لمن يتدرب للمشاركة في سباق المارثون السنوي فإنها تعتقد أنه لا يتدرب بهذا الشكل، لأن مرة أو مرتين في الاسبوع قد تكون كافية.

وحينما أحدثها عن السكر والضغط والكوليسترول تتحدث لي عن إستهلاك العمود الفقري والمفاصل ثم تعبر سريعا إلى أخطار الأفاعي وعضة الراكون التي تؤكد على انها تسبب داء الكلب حيث يبدأ الأمر بالعطش والخوف من الماء والتحدث بلغة من عضَّك، ثم تموتا معا، أنت ومن عضَّك.

الراكون هنا في فرجينيا هو مثل كلب العراق، كلاهما لا يتقنان سوى العض، فإن رايت كلبا من كلابنا في العراق يهز ذيله فلا تصدقه، فهو يحاول ان يتآلف معك حتى تطمئن إليه، ثم إذا به، مع أخوته الكلاب، يحمل عليك حملة كلب واحد.

لقد حملوا علينا حملة كلب واحد ثم جعلونا نعض بعضنا بعضا في زمن عانينا فيه من نقص لدواء عضة الكلب.

أما أبشع الميتات فهي ان تموت عضّا.

 

جعفر المظفر 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم