صحيفة المثقف

تابيس بين العلمانية والروحانية (2) الرمزية في اعمال تابيس

كاظم شمهوديقول هيجل ان الفن مر بثلاثة مراحل وهي الرمزية والكلاسيكية والرومانسية .. واعتبر الرمزية عبارة عن ايحاء، بمعنى ان الاشياء المادية المحسوسة التي نراها على سطح اللوحة توحي او تثير التأمل الى اشياء مجردة او اشياء روحية او معنوية .. ويذكر ان الرمزية انطلقت اولا في الشعر الرومانسي عام 1880 ثم سرى ذلك الى الفنون الاخرى بينما يذكر آخرون ان الرمزية قديمة وانها ظهرت عند الانسان القديم والحضارات القديمة مثلا ان الكتابة الصينية رمزية وان حركاتها مأخوذة من حركة السيوف ؟؟؟

استخدم تابيس في اعماله الرمزية بكثرة بحيث ان بعض النقاد قالوا ان فهمها يتوقف على دراسة حياة تابيس وفكره .. فاستخدم الاحرف والارقام وبعض الاشارات او العلامات الدالة على شئ . مثلا استخدم حرف T. . وحرف . A . وترمزان الى اسمه واسم زوجته .. Teres Antonio Tapies كما استخدم حروف M S . . وتعني الموت المحتم muerte، segura وحرف . X . ويعني الرفض، واحيانا نشاهد في باطن كفه مرسوم الصليب او حروف واشكال آخرى مثل النجوم والقمر والصليب والارقام والاشكال الهندسية .. كل هذه الرموز وغيرها لها معاني ومفاهيم شتى تعبر عن ماورا الاشكال.. فهو عندما يرسم الصليب لا يقصد به الصليب المسيحي الديني، فحسب بعض النقاد انه يرمز في تقاطعه الى العالمين العلوي الروحاني (الخط العمودي) والعالم السفي المادي (الخط الافقي) .. ونجد الصليب يتكرر، في اعماله علما ان تابيس يساري وليس له علاقة بالمسيحية ..

الروحانية عند تابيس والتناقض الفكري:

كان والد تابيس مسيحي كاثوليكي وامه مسيحية ارثودوكسية، هذا التعارض والتصادم بين الوالدين جعل تابيس يبحث عن اتجاه آخر بعيدا عن هذه الاجواء العائلية المتأزمة، فاختار الفلسفات والديانات الشرقية خاصة الصوفية البوذية .. فقرأ الفلسفات القديمة والادب والتاريخ والمثيولجيا وقرأ عن الصوفية مثل الناسك الصوفي المسيحي رامون يول Ramon Llull (و هو من جزيرة مايوركا). وبذلك اصبح تابيس يحول ان يزيل الحدود الفاصلة بين المادة والروح ولهذا جاءت بعض اعماله تعبر عن الآلام الجسدية والروحية على حد سوى .. يقول تابيس (يمكن اعتباري علماني مادي ولهذا ابحث عن معرفة المادة وبنائها ونوعيتها وخواصها ..) . ويعلق الناقد خوسيه ميغيل على ذلك فيقول : ان تابيس وقع في تناقضات فيما هو يؤمن ويفكر به وبين ما يعمل من رموز صوفية روحية .. هذا التناقض نجده ايضا اليوم في عالمنا العربي حيث ان الكثير من اليساريين يحملون في جيناتهم تراث الاجداد وهو تراث في عمقه التريخي ديني، منذ فجر الحضارات الاولى ولكن يتظاهرون بان العالم مادي فحسب وغير روحي وهو مع الاسف ما يناقض داخله .. فاين نحن من عظماء عصر النهضة، مايكل ودافنشي وروبنز ورمبرانت .. وفانكوخ وكاندنسكي الارثودوكسي وكتابه الروحانيات 1910 . وحتى بيكاسو كان يقول لزوجته فرانسوا خيلو قل لامك عندما تذهب الى الكنيسة ان تصلي لي ..

363 تابيس

قرأت قبل فترة موضوعا غاية في الاهمية وهو ان علماء الاحياء والدراسات الخاصة بنشاط الخلايا يحاولون اليوم دراسة ردود فعل الفن على المخ . ففي جامعة هاوستن في تكساس نجد احد العلماء وهو خوسيه كونتريراس بيدال José Contreras Vidal يقوم باستخدام تقنية خاصة لتحليل الصور لاجل تسجيل موجات مخ الفنان او الرسام اثنا العمل ... ربما في الايام القادمة سنرى بشكل واضح ان هذا العلم التجريبي لدراسة الخلايا اثناء نشاط الفنان حقيقة علمية قد تعطي تقيما جديدا لكل فنان وقدراته الابداعية والعقلية .. كما يذكر انه قبل فترة طويلة اجريت في اليابان دراسة على عمل الخزاف حيث اخذوا بعض الجرات المعمولة من الطين ودرسوا الانعكاسات الصوتية للخزاف على الطين، فعندما كان يعمل على الدولاب او العجلة كان يدردش او يغني، فقد استطاعوا من تسجيل هذه الاصوات .. ربما في المستقبل ستكون الدراسة على اللوحة بشكل او سع ...

ابو حيان التوحيدي 922 م الفيلسوف والصوفي الناسك عنده كتاب اسمه الامتاع والمؤآنسة ... يذكر فيه ان هناك يحدث حوار وتجاذب روحي بين الصورة والمشاهد بغض النظر عن شكلها فاما ان يتصالحا او يتفارقا، بمعنى ان المتلقي اما ان تجذبه اللوحة او لا . هذا الحديث قيل قبل عدة قرون . اليوم الدراسات العلمية تعتكف على تحليل هذه النظريات .. ولهذا انا اعتقد ان اللوحة هي الفنان نفسه بمشاعره واحاسيسه وفكره سواء كانت شكلية او لاشكلية شخبطة او عفوية فقد تآلف الروحي مع المادي في بناء وانشاء اللوحة ..اما مسألة فهمها فتعتمد على وعي وثقافة المتلقي ..

364 تابيس

تابيس ربما مر على فلسفة ابن عربي الصوفي الاندلسي (مرسية . 1165 /) وقوله المعروف (ما احببتك وحدي ولكن احببتك وحدك) لان الفلسفة الصوفية المسيحية والاسلامية والبوذية تحمل نفس المفاهيم والمعاني الروحية في الزهد والنسك، ولهذا نجد اللوحة عند تابيس ناسكة اي قليلة الاشكال ومختصرة . وهذا يذكرنا بقول احد رواد الحداثة (ان القليل يعني الكثير) وهو اشارة الى معناها ومفهومها الرمزي الكبير .

و كانت اعمال تابيس تجمع مختلف الفنون غربية وشرقية روحية ومادية، وبالتالي فهي خليط من المفاهيم والافكار .. احد النقاد الاسبان يذكر ان تابيس اراد المصالحة بين الصليب واللغز او الغموض الذي يطغي على كثير من اعماله حيث تسجل محل تأزم وتوتر بين المادي والروحي، كما تسجل حضورا عقليا متأملا غائرا في بحر من التأويلات لحل هذه الطلاسم .

ومن مميزات اعماله التي اثرت على الفنانين العرب خاصة الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد هي رسم الجدار وآثاره . ويقول تابيس (الجدار هو صورة عثرت عليه منذ وقت قريب بشكل مفاجئ وبعد مراحل عديدة من الرسم والتي كنت فيها اتصارع مع المواد المستخدمة التي اظيفها لتظهر آثار الشقوق والاخاديد وجدت ان اللوحة قد تغيرت واعطت طفرة نوعية ... كما وجدت نفسي امام صورة جدار له علاقة باسمي ...) علما ان اسم تابيس في اللغة الاسبانية يعني الجدار Tapies متأتية من Tapique .... تحياتي

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم