صحيفة المثقف

الأرجوحة.. لوحة فنية

لطفي شفيق سعيد(لوحة الأرجوحة تنفيذ لطفي شفيق سعيد بألوان الأكرليك)

الأرجوحة ببساطة تكون بالجلوس على كرسي من جلد أو خشب أو مطاط أو بلاستيك معلق من طرفيه بحبلين يتأرجح الجالس بحرية ذهابا وإيابا فيشعر ببهجة وفرح كبيرين يخيل له بإنه يطير في السماء وهو يرى الأشياء كأنها تصعد وتهبط أمامه فتجعله يحلق بعيدا بأحلام بسيطة. وللأرجوحة أسطورة رومانية وقد اتخذت رمزا روحانيا ودينيا مقدسا يعمل فيه في الأعياد والمناسبات الوطنية.

المرجوحة هذا الاسم ذكرني برواية الشاعر والكاتب السوري الراحل محمد الماغوط والتي تحمل نفس الاسم، ورواية الأرجوحة هي رواية مجنونة مضطربة تجعلك تقهقه عاليا ثم تعود لتبكيك رغما عن أنفك، تظنها رومانسية في بادئ الأمر ثم تكتشف أنها تحكي واقعا مريرا بطريقة ساخرة وساخطة، إنها رواية ثورية عن الوطن والاستعمار.

وهنا اقتطع جانبا من تلك الأرجوحة والتي يمكن أن نعتبر طريقة سردها اشبه ما يكون بقطعة من الشعر المنثور:

تماما هكذا كنت أشعر

وأنا أغوص في جنبات الأرجوحة

كنت أشعر بأنني حقا أعتلي الأرجوحة

لحظة أرتفع للأعلى ولحظة أخرى أهوي للأسفل

لحظة أعتقد بأن خيوط اللعبة ستحل بقوة الحب

لحظة أخرى أظن بأن الطواغيت لا تفهم إلا ألسنة السياط

ثم ينتقل الماغوط إلى قصة العاشقين (فهد وغيمة) ويقول:

خرج فهد أخيرا من بين أيادي سجانه

مضى محاولا أن يري للشعب ندوبه

كي يعرفوا معنى الألم والحرية

رغب لحظة أن يرقد على هضبة قرب قبة السماء

ليناجي حبيبته والوطن

لكن حبيبته نائمة والوطن يشخر

عليه أن يبقى مستيقظا ككلب حراسة لهذا الشرق الذليل

كان فهد يقدر قيمة أن يبقى منتصبا في وجه الريح

يبقى صامدا صاحيا في غرف التعذيب وتحت سياط الوجع

كان بكل استهزاء يتمتم:

(لقد طار العصفور الأزرق، لقد نامت الفراشة على حافة

المصباح ولم تحترق لأن النار كانت خابية والرياح تولول)

53 لطفي شفيق

كان معذبوه يضحكون ظنا منهم بأنه مجنون ولم يعرفوا للحظة بأنهم هم المغفلون لأنهم لم يدركوا معنى كلماته، ولا يهم ولم يدكوا أبدا بأن فهدا أنتصر عليهم بالصمت..

(غيمة) تلك العاشقة التي كانت خارجا:

كانت تغرد للعالم بصوتها الرفيع

كانت تمشي في الطرقات

تسأل: (عفوا سيدي هل تعرف أحدا؟

أو هل تعرف أحدا يعرف أحدا؟)

دارت على كل أصدقائه، دقت كل الأبواب

دون أن تسمع صدئ

أللهم بعض النصائح:

(أن ترى طريقة يمكنها أن تشفى من حبها بسرعة)

كان فهد وغيمة يحبان المطر والخريف

وهناك على الشرفة الجافة

كتب رسالة إلى الله ولصق بها بدل الطابع ورقة خرف

لقد أدرك بعد فوات الأوان

أن صراخه (عودي يا حبيبتي الصغيرة)

في ذلك الصباح العاصف الكئيب ضرب من الجنون

لقد رآها تسير متمهلة على الرصيف المقابل

منكسة رأسها الجميل كأنها تريد أن تقول للعالم أجمع:

(أنظروا كم أنا حزينة وكم عنقي جميل عندما يتقوس كعنق

الزهرة أمام الريح)

إن فكرة رحيل غيمة إلى الأبد لا تحتمل

إلا إذا ضرب رأسه على حافة السرير

حتى يتناثر كالزجاج

إنها حياته وفكرة مطاردتها في الشارع مستحيلة

فهو يقبع منذ أربعين يوما داخل تسعة جدران

ومن أجلها يبحث عن نصف مليون شرطي

في الليل والنهار

ومن أجلها تمتلئ عيناه بالدموع

كلما امطرت السماء وكلما رأى ذراعين متشابكين

تحت نور المصابيح.

هذه المقتطفات من رواية الأرجوحة للشاعر محمد الماغوط الذي كتب العديد من الروايات جرى تمثيلها سينمائيا وتلفزيونيا وقد شاهدها معظم العراقيين مثل (كاسك يا وطن والحدود والغربة وغيرها من الروايات.)

إن رواية الأرجوحة وما تخللتها من مشاهد درامية تحاكي واقعنا الحالي وما يعانيه شعبنا العراقي الجريح من طواغيت عصر الظلمات.

 

لطفي شفيق سعيد

الأول من تشرين أول 2018

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم