صحيفة المثقف

الإقتراب من الموت

سردار محمد سعيدأنا أتذكر وأسمع ولي بصرحاد يخترق الكفن والتابوت وأفهم ما يتحدثون به ويتحاورون ولكن لا أستطيع الكلام فلا صوت يصدر مني وشفاهي لاتتحرك ولا لساتي وإلاكنت سأردعلى ثرثرتهن وسخافاتهن،

نسيت أن أنبهكم إلى امتلاكي قدرات خارقة لم أكن أمتلكها عندما كنت حيّا،

أستطيع النفاذ إلى أعماق الأحياء من بشر وحيوان ونبات فأقرأ ما خفي في النفوس والأرواح فكأنها شاشات تعرض ما أريد .

كتب مفتوحة سطّرعلى صفحاتها حقائق أخفيت وسترت عن الخلق.

الآن أنا مسجى داخل تابوت خشبي بعيداً عن الطغاة وأحس أني أعيش في جو أكثر حرية من أجواء الساسة الكذبة المشبعة نتانة .

أحاط بي عدد من القريبات هرعن على وجه السرعة عند سماعهن خبر رحيلي .

تحلقّن حول التابوت،

رحن يبكين بحرقة،

أكثرهن ولولة وندباً قريبتي تلك الفاتنة الوحيدة البيضاءمن بين قريباتي السمراوات اللواتي كن يحسدن لونها وبض قوامها وحمرة شعرها المخضب بحناء طبيعية موروثة،

هذه الغانية الجميلة كَتبوها على اسمي واتفق أهلها وأهلي أن تكون لي وأكون لها . خُطبنا لبعض رغم أننا أطفال ولا إرادة لنا ولا رأي .

كبرتُ وكبرت ولم أجد فيها ما أتوق إليه،

غير أني بقيت راسخاً في ذهنها وقلبها وروحها، وظلت تتوق إلي وتأمل أن تجد نفسها يوماً في أحضاني وتنام على ساعدي وفمي يلثم رقبتها العاجية.

أُجبرت على الزواج بعد أن يئس أهلها مني، ولكني بقيت الحبيب الأول .

عجباً لقلب إذا تولع لا يمنعه مانع ولا يردعه رادع ولا يثنيه شيء .

هي الآن أمامي وقد مزقت جيبها وراحت تلطم وخمشت وجهها وتريبتها حتى سال دمها فازدانت فضة الجسد بالذهب وهذا دعى قريباتي أن يتهامسن :

أليست متزوجّه ؟

مازالت تحبه .

غير معقول، رحل اليوم فماذا تنتظر وتأمل؟

زوجها أجمل منه .

قررت ولوج قلبها وقراءة دفترقلبها المستور.

أخترق نثر هذه الساردة شغاف قلبه وجملها عقله،

سرقته مني بكلمات يظن من يقرأها أنها تعنيه، بينما هي لا تعني أحداً .

مريضة هذه الغانية، تستمتع بتهالك الآخرين،

ترضي نفسها، ولا تسكن إلا برؤية المساكين من مئات المعجبين الكذبة،

تعرف تماماً أنهم كذابون ويبحثون عن متع زاتلة .

هذا ما يفرحها، إذ ترى الذكور يتهافتون لكسب ودّها، يتسابقون في الإتحناء للأميرة الأنيقة،

القلب له طريق واحد، وباب واحد يفتح مرة واحدة ليمر الحبيب ثم يغلق للأبد .

حملوني وأنزلت في حفرة تسمى قبر، مسكني الجديد الأبدي.

لاشيء غير التراب أمامي تراب، خلفي تراب، فوقي تراب، تحتي تراب

لاذباب هناك ولا بارود ولا أسلحة، ولا أحزاب .

حملت الحب معي .

جاءتني حيّات المقابر تريد امتصاص دمي،

أدرن وجوههن وغربن مسرعات إلا واحدة .

إقتربت وقالت : لست أريد لدغك . سكبت سمومي على تلك الصخرة، أريد مصة دم، قطرات من دمك المملوء حبّا، لعلي أحيا دون لدغ الحفاة .

فتح عينيه فوجد قريبته وزوجها جالسين قرب السرير .

مبروك عليك نجحت العملية الجراحية

زال الآن تأثير المخدّر،

كنت تهذي كثيراً .

ابتسمت وقالت : خذ هذا منديل عليه صورة طبق مشمش يذكّرك بشفاه غانيتك الأثيرة .

***

سردار محمد سعيد

نقيب العشاق بين بيخال والبنج آب .

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم