صحيفة المثقف

زهرة صفراء من أجلي

صحيفة المثقفكانت آثار التراب لما تزل تغمر وجه المدينة الغافية قسرا تحت رماد حرائقها والمكبلة يدا فلا تسطيع هروبا من قمع أو تغييرا لوضع. ولله الحمد أن ظل طيف من أمل في غاية الضآلة يربط الناس بالحياة لذا أرسل بعضهم أولاده الى المدارس .

وقفت المدرّسة المثقلة بألف شيء وشيء لتلقي كلمة الأُسبوع أمام طالبات المدرسة  فتحية العلم واجب اسبوعي لا غنى عنه، كانت المدرسة محبطة والطالبات يرين البؤس على وجوههن وقد حملت كل منهن فوق رأسها كل متاعب أُسرتها وهمومها  في توفير اللقمة اليومية، لاحظت المدرسة كل ذلك في ملامح الشابات - مدرسات وطالبات - اللواتي ما عدن يحلمن الا بالطعام وعاد النجاح وأفراحه  الملغاة  لا يشكل لديهن الا هما بسيطا  حيث إن تضبب المستقبل أخذ يعيق ويلغي فرحة النجاح والفوز فضلا عن المنافسة التي أصبحت في خبر كان. كانت الكلمة فاهية لا توحي بالاجتهاد ولا تعطي قدرا من البسالة لخوض أمواج الحياة المتلاطمة عند شاطيء الحصار وهي تحفل بالكذب والمغالطات فأخذ المدرسة الغضب واحترقت ألما لمصير الأبناء والأجيال القادمة حيث لا ترى أمامها الا حرائق الروح وترى الدرب مقطوعا لا أمل ولا منفذ . رأت تفاهة ما تقرأ وانفصام الواقع المزري عن المستقبل الغريب المنفصم عن مسار الحياة فإذا الجميع يسير في صحراء العمر بلا عصا تتوكأ عليها الأجيال ولا أمل في حصاد قريب . كانت حديقة المدرسة وساحتها تعمقان إحساسها بالهزيمة والفراغ وتكرسان القنوط في وجدانها، كل ذلك بدا واضحا في صوتها وهي تقرأ النص المكتوب على جبين ورقتها التي لم تعد بيضاء .   كادت - لولا خشيتها من إدارة المدرسة ولئلا تكون ريشة في مهب الريح - أن تلقي بورقتها الى الأرض وتهرب الى غرفة المدرسات لتدفن نفسها فيها مسودة الوجه لما قرأت من أكاذيب وشوهت من حقائق . كادت أن تحيل الهرم الورقي المأفون الذي بين يديها الى جذاذات تذروها نتفاً لتسقط فوق الأشواك التي تتماوج بدل الزهور في حديقة المدرسة التي نُسيت مثل كل شيء آخر والتي تعبر عن توغل الإهمال في مختلف تضاعيف الحياة، وفجأة بدت من بين إحدى شجيرات الشوك زهرة صغيرة صفراء لا تكاد ترى فركت المدرسة عينيها من تحت نظارتها وحدقت تارة أُخرى لم تكن كاذبة، نظرتها إذن لم تكن كاذبة بل ها هي الزهرة الصفراء الصغيرة تتحدى كل شيء  تتحدى الحصار والجوع والإهمال وتقول بصوت عال ها أنا هنا لمّا أزل رغم أنف الظلم ومحاولات محق الحياة  وسأظل هنا . تراجع الجوع منهزما والإحباط هرب ذليلاً فوقفت المدرسة منتصبة واستقام ظهرها المتعب المنأد مغيرة لهجتها، وأزاحت الورقة من أمام وجهها بشراسة  لتتحدث مباشرة لطالباتها من قلبها الى قلوبهن زارعة الأمل معطرة المستقبل المنشود بوشاح العمل لنهضة الأمة من كبوتها وجرها سالمة  معافاة الى خارج مربع الخمول والاستكانة والخنوع .

***

سمية العبيدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم