صحيفة المثقف

وجهة نظر

صبيحة شبرتأخرت في العودة الى منزلي، ككل مرة يستغرقني العمل النهاري، فأظل أتابع الطلاب، الى أن ينصرف آخرهم، بصحبة أحد أبويه، أيمم وجهي شطر المنزل، الذي أطمح أن أجد فيه راحة، من عناء عمل يستغرق الكثير من جهدي، حارقا أعصابي، أتوجّه  ماشية على قدمي، فالمنزل قريب جدا من مكان عملي، ولا يتطلب مني وسيلة أخرى للنقل، سوى قدمي اللتين أوصاني الطبيب بحسن استخدامهما..

كل شيء مهيأ في المنزل، وليس علي الا عمل السلطة، التي لايمكن تجهيزها في وقت سابق، على موعد تناول الطعام، غسلت الخضر اللازمة لعمل تلك السلطة، وأوصيت ولدي اليافع، البالغ من العمر أربعة عشر ربيعا، الا يسرع في تناول الطعام لأني احرص على ان يكون طعامه كاملا.

هالني أن أجد في منزلي شخصا آخر، لم أكن أتوقع أن يكون اليوم حاضرا، وفي غيابي،أخبرني إبني أنه سمع دقا خافتا على الباب، وحين استفسر عمن يكون الطارق، وجد امرأة لايعرفها، أخبرته أنها صديقة أمه، وهي تريد أن تكون وقت تناول الغداء، ولأن ولدي قد علمناه منذ الصغر أن يحسن استقبال الضيوف، فلم يعرف كيف يرد على الضيفة، فرّحب بها، داعيا إياها الى الدخول والإنتظار، فعودتي أصبحت وشيكة.

سألت  الضيفة ماذا يكون طعام الغداء؟

لم يكن ولدي يعرف، دخلت مطبخي، وفتحت القدور، و عرفت ما هو موجود فيها، فأرادت أن تضيف صنفا آخر تحبه، لم يكن من الأطعمة المتوفرة، فتناولت لحما من  مجمدة الثلاجة، وأنواعا من الخضر، وشرعت في تقطيعها، وضعتها على النار،  وأخذت تنتظر أوبتي، وهي تشكو الجوع، و تأخري في العودة

كان أبي في زيارتي،  وقد خرج من المنزل تلك الآونة، وعاد رفقة زوجي، والاثنان لايعلمان ان شخصا آخر في المنزل، قد دعا نفسه على طعام الغداء، وشرع في عمل أصناف لم تكن ربة المنزل قد هيأتها.

الطريق طويل، والسيارات تملأ المكان، وعبور المشاة عسير جدا، فالسائقون يحبون أن يصلوا الى منازلهم في أقل وقت، بعد أن أمضوا نهاراتهم في عمل مضن،  آن لهم أن يستريحوا منه

- أف، تأخرت أمك، أين تمضي بعد العمل؟

- لا أحد لها غيرنا، والطريق متعب

-  إن تأخرت سوف أتناول طعامي، أنا جائعة

وصلت المنزل، فاجأني الوضع، السيدة رأيتها مرتين  فقط، وفي مناسبات متباعدة

سمعت شكوى ولدي الصامتة، وهدّأت من غضبه، فنحن أسرة تحسن استقبال ضيوفها، رغم عدم معرفتها بهم.

وضعت القدور على النار،  ليسخن الطعام، ريثما أغير ملابسي، جهّزت المائدة، وضعت عليها الصحون والملاعق،  نقلت الأطعمة المطبوخة، دعوت أفراد عائلتي

جميعنا كان صامتا، لايعلم ماذا يقول؟ في وضع لم يكن يعلم انه سيكون مجبرا عليه، ضيفتنا كانت تتكلم باستمرار، شاكية من بؤس حالتها، ونحن نحاول أن نطمئنها، ان كل شيء سيتبدل، وأنه بالجهد يحقق المرء أحلامه

طرحت علينا الضيفة سؤالا، لم أعرف كيف أجيبها عنه

- أنت لديك ثلاثة رجال، ولا واحد لي، أعطيني واحدا منهم.

فكرت فليلا،  فلم أجد الجواب الشافي، لكني نطقت أخيرا:

- ولدي ما زال صغيرا، وليس بمقدوري أن أنجب غيره، وأبي لايمكنني أن أمنحه لغير أمي، وزوجي خذيه إن كان يرغب

نظر إليّ زوجي باستنكار، وقام دون أن  ينبس بشفة، نظر أبي بعتاب

صرخ ولدي  :

- لا أريد

***

صبيحة شبر

9 مارس 2008

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم