صحيفة المثقف

عاشق سبعيني

عقيل العبودالمقهى حكايات زمن مغترب، الركن الأيمن زاوية تطل على شارع الرشيد، بينما ام كلثوم، اغان ما انفكت تحلق بساكنيها، تحملهم كل يوم في فضاء من الصور التي من سطور كلماتها تستكشف لغة الحياة.

رباعيات الخيام، الاطلال، وانت عمري، احلام طالب جامعي، ترك قاعة المحاضرات، استجابة لعاصفة إجتاحت جميع كيانه، لتعصف به وفقا لإبجدية صنعتها الحروف.

هو لم يقدر ان يصارح زميلته التي كانت تدرس معه في ذات المكان، خجلا، بل اضطرابا، أو تخوفا من ردود فعل مخالف، اوربما ايضا، إلتصاقا بتلك الرغبة التي إستَبَدَّ بها الكبرياء، لتبقى هكذا تشده اليها بين الفينة والأخرى، اوتنبض في قلبه تلبية لأجواء عالم، احلامه  لم تمت.

إستكانة الشاي المطعَّمَة بقشعريرة قلب أتعبت خطواته تلك الانفاس، بقيت هكذا تبحث مع أقراص الأغاني التي يعاد تدويرها عن معنى اخر، يداري به نوبة ذلك العشق الذي راح يلقي به نحو اليسار تارة، ونحو اليمين تارة اخرى، ليباغت مشاعره المضطربة ولو بعد حين.

طاولته التي هي عبارة عن لوح خشبي محمول، كأنما اجازت لتلك الرسائل ان تفترش رحيق انوثتها عبر حروف أتعبتها أصابع شاعر، سيجارته اختطف الحب أنينها.

الطالبة تلك التي تجلس عند الزاوية اليمنى من الخط الاول، وهيئته، وهو يجلس في الخط الرابع عند الحافة القريبة من الباب،  مأخوذا بكل تفصيل من تفاصيل وجودها الدقيق، ابتداء بأنفاس حركاتها، صوتها، أسئلتها، عطرها، وانتهاء بتلك القطع البسكويتية التي كانت تمسك بها عند حافات أصابع أظافرها المطلية باللون الوردي، بقيت هكذا في ذهنه عالقة، مثلما مسافر تم الحجز على جوازه بعد ان استلم التصريح بمنعه من السفر.

الساعة الاولى اوشكت على الانتهاء، حيث نهاية المحاضرة المتعلقة بمادة الإحصاء.

البعض كان منهمكا بالإنصات، بينما راح البعض الاخر من الطلبة يكتب ما جاء به الاستاذ في القاعة التي تتسع لأربعين طالبا.

الافكار عبارة عن معلقة قالها امرؤ القيس ذات يوم،  لمعشوقته التي فقد رؤيتها تلافيا لأمر مرتقب، أوربما هكذا خوفا، اوحذرا.

 لذلك صورتها مثلما ثريا عالقة في اجواء تصدح بها كلمات العشق الصوفي، بقيت يحملها صاحبي الذي رسم بحر عينيها مثل شراع تم تصنيعه تلبية لرغبة سفينة وجوده التي ابت ان تغادر محيط عشقها المفتون بملامح فتنتها الدافئة.

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم