صحيفة المثقف

المتدينون والملحدون واللادينيون.. جدل وصراع مستمر

الدين مهم للأغلبية من الناس على سطح البسيطة واعتقد (وحسب رأيي) أن (ما لايقل عن 75 بالمئة من عموم الناس في بلدان الشرق الاوسط وآسيا وافريقيا) متدينون رغم ما يدعيه الملحدون واللادينيون، والدين وعلى مدى العصور يعني الإيمان بالله او بإله واحد او آلهة متعددين او معبودات مختلفة او أصنام او طواطم ولكن المهم أن الناس تحتاج الى الايمان بمعبود حتى لو كان الدينار او الدولار(كما قال احد العارفين للناس دينكم دنانيركم).

المنظومة الدينية معقدة من (الناحية العقائدية ) ومتشعبة من الناحية الطقوسية واؤكد تعقيد الناحية العقائدية، وصعوبة فهمها على جميع الناس أن حاولوا فهمها بالشكل الصحيح وعلى عكس ما يظنون من فهمهم لها، لأن الناس مختلفون في قدراتهم الذهنية ولكي يسهل على الناس الانتماء اليها وقبولها تتحول الى طقوس متشعبة، قابلة للتنفيذ ومريحة للعقل من التفكيروالتفكر المزعج ورياضة للجسد وللنفس، تنتهي بعد أدائها (اي الطقوس) براحة نفسية للانسان . المنظومة العقائدية للاديان تطورت على مدى التأريخ الانساني لأن لها رعاتها وهم مهنيون محترفون، كما في اي مهنة كمهنة المهندس او الطبيب او الفيزياوي او الكيمياوي حيث تتطور المهنة بسبب متابعة المهنيين المنتمين الى المهنة ورعاتها وهم رجال الدين (في جميع الاديان)، وبغض النظر عن مدى ايمانهم بالله او عدم ايمانهم به لأن في تعلق البشر بالدين وايمانهم به مصلحة لرجال الدين في جميع الاديان لانها مهنتهم وهم حريصون على رعايتها واستمرارها. رجال الدين في جميع الاديان نوعان مؤمنون حقيقيون مخلصون لايمانهم وهم قلة ومهنيون أي ما يهمهم المهنة وليس الايمان وهم كثرة وهم في هذا الامر كأي مهنة اخرى.

المنظومة الدينية لها منظومات مضادة هي المنظومة اللادينية او الربوبية (Deism) (تؤمن او تعتقد بوجود مسببٍ أول أو إله أو قوةٍ ما أوجدت أو ساعدت على وجود وتطور الكون أو الحياة أو كلاهما ولا تؤمن بوجود الاديان) او الالحادية او اللاربوبية (Atheism) (لا تؤمن بوجود الله او اي اله أو آلهة أو أي شيء خارج قوانين الطبيعة لعدم توفر الدليل العلمي أو الحسي أو التجريبي حسب ما تدعي) .وهناك فئة من الناس تسمى اللا-ادرية (Agnosticism) اي انها لا تدري او لا يهمها أن تدري هل هناك أله او لا او هل هناك دين او لا والتوقف عن الجزم بوجود الإله أو عدمه لعدم كفاية الأدلة على ذلك حسب رأيها.

رعاة المنظومة الدينية حوّلوا المنظومة من الدين الذي هو محاولة الانسان للوصول الى حقيقة وجود الله والايمان به وحقيقة وجود الآخرة والايمان بها الى مسألة شعائرية فقط (طقوس) ومن ثم تحولت الى فئوية اي قسمت الناس الى اديان وطوائف ودخلت البشرية في صراعات على مدى التأريخ بسبب الحروب الدينية والطائفية.

سألتُ الكثيرين من مدعي التدين ومن جهلة التدين، ماذا تريد من تدينك، فيقول الآخرة والجنة، طيب اذاً ابحث عن الحقيقة واذا اقتنعت بحقيقة الايمان واينما تجده فيفترض بك ان تؤمن به، اي حتى لو وجدته في دين اخر، ولكن مثل هذه الاجابة غالبا لاتعجبهم وبعضهم تنتابه نوبة من الرعب بمجرد ان يسمع هذه الفكرة لانه يتصور انني خرجت عن الدين او كفرت، مع اني اناقش مسألة مر بها الانبياء والاولياء والعارفين وناقشوها وناقشها القرآن والكتب السماوية وهي البحث عن الحقيقة اي الايمان . الانسان المؤمن لا يمكنه ان يصل الى الايمان الحقيقي اذا لم يتفاعل عقله وقلبه للوصول الى الايمان ولكي يمتليء قلبه بالايمان يجب ان يتخلص من شكوكه وللتخلص من الشكوك يجب مناقشتها وتحليلها في العقل .الأصوليون الدينيون من النقليين والرواة والاخباريين والسلفيين لا يؤمنون بذلك ولكن المتصوفة والعارفين يعرفون معنى وأهمية ذلك وأغلبهم مر به ولذلك نرى مدى إيمانهم العميق ومدى زُهدهم وإبتعادهم عن ملذات الحياة لوصولهم ألى اسرار إلايمان الحقيقي .

المنظومة المضادة للتدين ورعاتها من الملحدين واللادينيين تحاول تسفيه الاديان وتستخدم كل التقنيات ووسائل التواصل وخصوصا مع الشباب لاقناعهم بترك الدين ويبدو أنها اكثر اصولية وتعصبا من المنظومة الدينية الاصولية التي تنتقدها وتصفها بالتطرف والتعصب . التعصب هو المشكلة لدى المتدينين واضدادهم لانهم يتحولون بعقائدهم من (البحث عن الحقيقة) الى (أدعاء امتلاك الحقيقية) مما يؤدي بهم الى الانتماء الى الفئة او الطائفة وليس الانتماء الى الايمان بالحقيقة التي يجدها الانسان في رحلته للبحث عنها وانا هنا لا اتحدث عن البسطاء من الناس والذين يُستخدمون كادوات للمتعصبين من المنظومتين ولكن عن الباحثين الذين استغرقوا بالبحث والتفكير.

لا استطيع ان اجد تفسيرا لانسان ملحد او لا ديني في ان يحاول ان يغري الآخرين بترك التدين، ويخوض نقاشات على الفضائيات ووسائل التواصل وينزّل محاضرات على اليوتيوب سوى تعصبه لمشروعه الالحادي او اللاديني وتحوله الى اصولي متعصب يتبنى مشروعا. والمشكلة أن الكثيرين منهم لا يعرفون هم انفسهم دوافعهم لحربهم ضد المتدينين، خصوصا اذا لم يكونوا أي المتدينين متعصبين وكانوا أناس بسطاء يعبدون ربهم بهدوء وبساطة .قد نجد تفسيرا لحربهم ضد رجال الدين المتعصبين ولكن لن نجد تفسيرا لحربهم ضد الدين لأن جزءا مهما من منظومة الدين (أيُ دين) تدعو الى الاخلاق والقيم الرفيعة.

لماذا لا استطيع ان اجد تفسيرا؟. لان الملحد او اللاديني لايحتاج لاقناع الناس بعدم وجود الدين ولا معنى لذلك لان الايمان بالفكرة غير عدم الايمان بها .اي يفترض ان عدم الايمان يعني عدم وجود مشروع بينما الايمان يفترض وجود مشروع كالرسالات التي بشر بها الانبياء.

المتدينون المتعصبون ورجال الدين لديهم مشروع وهم لا ينكرون ذلك لان اغلب الاديان تبشيرية وكل الاديان لها مبشرون او دعاة ولها برامج وفضائيات ومطبوعات تبشيرية او دعوية وهو واقع يدافعون عنه .فالاديان بطبيعتها هي مشروع هداية للناس ومن الطبيعي أن تدعو الناس الى الايمان بها، وتخوض جدالات ومناظرات لاقناع الناس بصحة وجود الدين، خصوصا ان الاديان هي غيبية والاثبات على وجودها يحتاج الى اقناع فكري وليس مادي . اغلب المناظرات بين المتدينين والملحدين تتم من خلال استخدام ادوات لا يؤمن بها الطرف الآخر فالمتدينون يستخدمون الاقناع الغيبي والملحدون يستخدمون الاقناع المادي وكلاهما لا يؤمنان بأدوات الخصم المستخدمة مما يجعل الجدال بلا جدوى.

انا هنا اقوم بتفسير ووصف للسلوكيات، ولا اريد ان اضع نفسي في جبهة ولكني ضد التعصب والتطرف بكل اشكاله من المتدينين ومن الملحدين، لان ميزة الانسان المفكر هي حرية التفكير، وحرية التفكير وعدم وضع قيود عليه هي التي قادت البشرية الى ما وصلنا اليه من تقدم . مفاهيمنا الدينية وتفسيراتنا للنصوص الدينية ستخضع للتطور لامحالة لان التطور سمة الحياة على هذه الارض وسنرى مفكرين متدينيين ومؤمنين حقيقيين يعيدون ترتيب الكثير مما نؤمن به على أساس التقدم العلمي للبشرية وما سيتوصل اليه العلم، وعلى مدى الاجيال القادمة وينزعون عن الاديان الكثير من الخرافات التي ألصقت بها بسبب الجهلة والمتعصبين من رجال الدين والعامة، ولو عدنا الى بداية القرن العشرين لوجدنا الكثير من رجال الدين المسلمين لم يكونوا مقتنعين بأن الارض كروية (وكانوا يعتقدون بأن الفكرة دينية ومقدسة وغير قابلة للنقاش) ولكن مع دخول المدارس وانتشارالتعليم اصبحت حقيقة كروية الارض غير قابلة للنقاش ولن تجد رجل دين حاليا يقول بعدم كروية الارض وألا تعرض للاستهزاء.وكما حدث للعالم غاليلو غاليلي الذي قال إن الأرض كوكبٌ صغير يدور حول الشمس مع غيره من الكواكب، وشكا بعض أعدائه إلى سلطات الكنيسة الكاثوليكية بأن بعض بيانات جاليليو تتعارض مع أفكار وتقارير الكتاب المقدس، وذهب جاليليو إلى روما للدفاع عن نفسه وتمكن بمهارته من الإفلات من العقاب لكنهُ انصاع لأمر الكنيسة بعدم العودة إلى كتابة هذه الأفكار مرة أخرى، وظل ملتزماً بوعدهِ إلى حين، لكنه كتب بعد ذلك في كتاب آخر بعد ست عشرة سنة نفس الأفكار، وأضاف أنها لا تتعارض مع شيء مما في الكتاب المقدس. وفي هذه المرة أرغمته الكنيسة على أن يقرر علانية أن الأرض لا تتحرك على الإطلاق وأنها ثابتة كما يقول علماء عصرهِ، ولم يهتم جاليليو لهذا التقرير العلني.ولكن هل يستطيع رجل دين الأن أن يرفض افكارغاليلو لا اعتقد أنه يوجد هكذا رجل دين .

 

احمد مغير - طبيب وباحث

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم