صحيفة المثقف

أنت ok؟

قصي الشيخ عسكر"قد تكون أسوأ الأمور أجملها"

من حسن حظي أن رجلي لم تنكسر .. هناك فقط بقعة دم حول ركبتي وتمزق في السروال!   

كنت أعرف أني محل اختبار وأن حفيدتك وعدتني بشغل إضافي في مكان آخر .. مع ذلك لاأدري لم أضحك حين أمر بدراجتي من المكان الذي سقطت فيه، في الوقت نفسه يطل عليّ من مكان مشرف على كبوتي الأولى وجه عبد الله كاشفا لثته الدرداء الصفراء .. ابتسامة صوفيا لورين. . لاأعرف لم َ يلاحقني في كوبنهاغن أكثر من صورة أبي وأمي ومعارفي. يبتسم من خطأي، لم أتبين من اصطدم بي غير أني سمعت آنسة تهتف من خلفي بلسان إنكليزي حيث ظنّتني من اللاجئين الجدد:

- لم توقفت من دون إشارة!

ماذا أقول؟: كنت سارحا .. أرد وقد غالبت بعض الألم :

- معذرة الخطأ خطأي هل أصبت بضرر؟

- كلا ابدا.

 - أنت ok؟

- جرح بسيط.

ثم عدلت هيئتها وركبت دراجتها وواصلت وعلامة سخط أو ابتسامة سخرية بانت على وجهها.

لماذا نسيت الإشارة؟ هل أقول أني رأيت تيرينا التي انتشلتني من شرودي واقفة عند مدخل محطة الاستر بورت فلوحت لها عن بعد الأمر الذي جعلني أنسى إشارة الوقوف .. كنت على وشك أن أجتاز المقبرة التي تجاهلتها طوال هذه المدة. لا أدري .. ولا أظن أن سقطتي تدل على علامة شؤم. لاشك أني رأيت غربانا على الأرصفة والمتنزهات المحيطة بالشوارع تلتقط الحب مائلة بنظراتها نحو أي عابر، وعندكم قرأت في السنة الأولى من تعلمي للغة والتاريخ أنكم تحبونها وأنها حكيمة ساعدت آلهتكم يوما ما .. رأيت البوم على مشروباتكم الوطنية وإعلاناتكم البوم والغراب .. عدوانا القديمان نحن العرب .. مع ذلك ركبت دراجتي وبحلقت بعيون الغربان. كان أمامي وقت طويل على الموعد المنتظر .. يوميا أفطر في البيت. فنجان قهوة وقليل من الكعك .. اليوم نشوتي بالعمل اقتلعتني من جذوري، فأفطرت في "سكالا" والقيت من زجاجها نظرة طويلة على مدينة الألعاب .. المحلات الراقية .. الملاهي .. مدن اللهو .. القبة السماوية .. معرض الأسماك كل المعالم ذات الرسوم الغالية التي صحبتني إليها المدرسة ومراكز اللجوء سيكون بإمكاني الذهاب إليها .. بدأت أتخيلك .. رسمت صورة لك مستوحاة من حفيدتك وعندما حضرت صورتك إلى ذهني نسيت ابتسامة عبد الله صوفيا. قد يكون كبرك والمرض هما اللذان حثا ذهني على أن أبتعد عن السخرية. غير أني سقطت. عثرت وأنا في طريقي لملاقاتها قبل أن آتي إليك:

- انتهي من عملي في سفنة مولن الثانية عشرة إنه من السهل علي أن التقيك عند محطة استرت بورت.

لو حدث شيء ما لرجلي لما كان بإمكاننا أن نلتقي أبدا ولعله من سخرية القدر أني لم أسقط إلا هذا اليوم فيتمزق سروالي وتنخدش ركبتي. طوال سنتين ركبت الدراجة كي أوفر نفقات التنقل في القطار والحافلة. أول يوم انبسطت فيه كوبنهاغن لعيني قالت لي إن جمالها في هدوئها، أجرة النقل غالية والضرائب على السيارات مرتفعة. الدراجات أنضف وأرخص، الأسبوع الأول مر بسلام .. كنت أركب الدراجة إلى المدرسة كلّ يوم، ولم يكن في دراجتي مبدل سرعة مدينتي تخلو من حقل خاص بالدراجات .. أحمل عليها كل شيئ . وفي أوقات الفراغ، أدلف بين الأشجار، وعلى الارصفة ولاأعرف شيئا عن الإشارة التي كانت السبب في عثرتي بعد كل تلك السنين رأيت تيرينا تسند دراجتها إلى قضبان الرصيف المعدنية وتنحني علي فتلمس ركبتي بأناملها:

- هل حدث لك مكروه!

مثل طفل يرى أمه من بعيد فيندفع نحوها غير مبال بأخطار الطريق:

- انشغلت بالتلويح لك فنسيت أن أرفع يدي منبها سرب الدراجات خلفي !

- ها تشعر بألم؟

- كلا

- من حسن حظك أن راكبة الدراجة خلفك تداركت توقفك المفاجيء فحذرت من خلفها وانحرفت نحو الرصيف وإلاّ كان من الممكن أن تنقلب فوقك جميع الدراجات التي خلفك!

تطلعت في يدي، وقلت متجاهلا بعض الألم في ركبتي:

- ليس هناك من أمر ذي بال.

ردت بابتسامة واسعة:

- يمكنني أطلب معقما أمسح به الجرح من المقهى القريب.

- آسف إن كنت سببا في إزعاجكك.

- أبدا هذه أمور طبيعية تحدث لنا جميعا!.

اقتدت دراجتي خلفها. وسمعتها تقول:

- أعتقد أصبحت لديك معلومات كافية عن الجد يوهان وظروفه الصحية وطبيعة عملك معه.

- انت تعرفين أن المشرفة الاجتماعية أعطتني نبذة عن طبيعة العمل ثم زودتني بصورة عن موجز لتقرير فيه بعض المعلومات العامة قرأته الليلة الماضية قبل أن أخلد إلى النوم.

فقالت كأنها تشجعني على اهتمامي:

- يعجبني مثل هذا الحماس!

سألت نفسي: هي علامة خير .. كان بإمكانها أن تتصل منذ اليوم الأول للقائنا بمسؤولة العمل من دون أن أدري فتعتذر عن قبولي على أقل تقدير تطلب عاملا دنماركيا لتلك المهمة بالتالي أفقد فرصة عمل تكميلية انتظرتها بفارغ الصبر!على مايبدو سلوكها معي في تضميد الجرح واهتمامها بي كان على النقيض مما توقعت وربما على عكس سلوك عبد الله الذي لم يكف عن ملاحقتي بابتسامته الساخرة .. الدنماركيون منذ عرفتهم فهمت أن كلمتهم واحدة لاتتغير قط. لو اعتذرت تيرينا. ولم أجد فرصة عمل تكمل لي نصاب الساعات لبحثت عن مكان آخر قد أعمل منظفا أو في أحدى المؤسسات ثم لو استغنت دار العجزة عن عملي الحالي فما علي إلا أن أبدأ من جديد .. دورة أخرى .. وحقل اختصاص جديد .. ماذا أعمل . حلاقا .. بائعا .. نجارا .. بستاني حدائق .. لابد من دورة دراسية جديدة .. ما علي إلا أن أرجع إلى العشرين عاما السابقة .. أوغل مرة أخرى من عصر اللاوصاية إلى عصر الوصاية فأنتظر كل شهر مساعدة المشرفة المالية .. قلت متعجلا ارتياحها لهمتي في العمل:

- هذه نسخة مصورة لموجز التقرير لم أعد بحاجة إليها.

- أستطيع أن أقول إنك الآن متفهم لطبيعة عملك!

- هل أنت مقتنعة بي؟

- المهم أن يقتنع جدّي فهو صاحب الشأن.

ورشفت آخر قطرة من قهوتي وقلت:

- هل نغادر الآن؟

- مثلما تحب

3

"دائما نلتفت إلى الاشياء الجميلة بعد فوات الأوان"

لم يخطيء خيالي حولك ..

هناك شبه كبير بين يوهان والحفيدة .. كنت أدلف معها من بوابة لبناية قديمة تقع على بعد خطوات من مكتبة البلدية في شارع الأستربورت. عند الطابق الثاني أطل علي من أحدى الشقق وجهك المتعب الذي اختلط بياضه بصفرة توشي أن شيئا ما سيحدث .. كنت جالسا على كرسي طويل. جنبك فوق منضدة صغيرة بعض الأدوية وعلى رأسك صورة قديمة لعسكريين طيارين تنم وجوههم عن حيوية وإشراق .. انتقلت عيناي بين وجهه والصورة فلم أتبين أي واحد هو فيهم وعن اليمين رسالة باللغة الإنكليزية فاتني أن أنتبه إلى محتواها أو أفكر بقراءتها عن قرب. صورة العسكريين والرسالة وملامح السيد يوهان نفسه شغلتني لحظات عن صورة كبيرة له مع سيدة تبدو أنها ذات ابتسامة تنم عن طيبة وعينين تصفوان بالبراءة. كانت تيرينا تحمل بعض ملامح جدتها لكن قسماتها بدت أكثر شبها بالجد .. هدفي هو السيد يوهان نفسه وقسمات وجهه تعني لي الكثير أما ابتسامته في تلك اللحظة فكانت هي المقياس الذي أستشف منه فيما إذا يمكنني أن أباشر العمل معه أم لا .. ذلك ماجعلني أتجاهل كليا عبد الله لورين. ليس من باب المصادفات أن أسمع عنك من حفيدتك تفاصيل كثيرة قبل أن أباشر فعلا عملي. لقد ارتاحت لي كثيرا وأنت الوحيد الذي لم يلتبس عليك بلدي فلم تلحقه بإيران. يوم التقينا ظننتك طيارا مثل الذي قتل ستة في الصحراء الكبرى وآوى أخيرا في دار العجزة، وكانت حفيدتك رقيقة معي شرحت لي كثيرا من التفاصيل عنك وبعضا من النتف عن العائلة .. الدنماركيون مغلقون يتحسسون من الأجانب لكن عائلة السيد يوهان بدت منفتحة أكثر من غيرها. بادرت بالحديث عن نفسي أمام تيرينا كي أشجعها على الانفتاح معي. ذكرت لها عن عائلتي .. في البدء ترددت أن أسألها عن أمها وتركت الأمر للمصادفة وفي اللحظة المناسبة أخبرتني أنّ أنها متزوجة في أسبانيا من دبلوماسي، وإن أقرب الناس إليها بعد جدها خالة أمها المرأة العجوز المتمردة التي خرجت عن العادت والعرف والتقاليد عام 1920 ومازالت تحتفظ بذاكرتها وقوتها. تعيش وحدها في شقة صغيرة وفي نية تيرينا أن تحصل لي على موافقة البلدية فأذهب للعمل عندها ساعتين كل أسبوع. راودتني رغبة أن أعرف تلك المرأة عن قرب واسمع منك وأنت تتحدث عن الموت والمقاومة والاحتلال النازي وأنا واقف أمام المقبرة التي هزتي منظرها الجديد من الأعماق. هناك بالقرب منك ألقيت نظرة من النافذة عبر الشارع العريض من جهة اليسار .. كان العلم الأمريكي يرفرف عند حافتها مع انعطاف الطريق العريض باتجاه البحيرات وفيما يشبه النائم هتفت من دون أن يسمعني أحد هل يعقل هذا؟ كانت عيناي تستديران نحو الأفق عبر النفق والجسر من ناحية اليمين نحو المحطة لأرى بناية عليها العلم السوفيتي. كنت أنظر للمقبرة وأنا على الرصيف فلم التفت إليها. رأيت العلم الأمريكي وتجاوزت عنه. لم تستفزني السفارة الأمريكية شأنها شأن أية سفارة في كوبنهاغن .. قد يقع بصري على سفارات مصر وإيران وكوبا وجنوب إفريقيا واليابان فلا تثير في نفسي أي إحساس. كل يوم أعبر بدراجتي محطة استر بورت فألمح من جانب الرصيف المقابل العلم السوفيتي فأتجاهله ولا أحس بل لاأدرك أن بينهما مقبرة كبيرة .. سنتان مرتا كل يوم أعبر المكان .. اللعنة .. ياعبد الله لورين كيف برزت الآن لتحصر نظري في مكان ضيق بعيد عنك لم تره وأنت تدري أني لم أر مقبرة في حياتي بل سمعت عن مقبرة تمتد في عمق الصحراء وسط الرمال ندفن فيها موتانا الذين يأكل أجسادهم الدود والحيات والعقارب بعد كل ذلك لايحاسبهم الله لأنهم في وادي السلام لكنك تختار اللحظة المناسبة لكي تشاكس وتسخر:

- لماذا لاتهاجر؟

- ولم أهاجر؟

- تذهب بصفتك خبيرا هناك الخارج في أمس الحاجة إليك؟

- أين يرحل؟

- إلى اليابان!

اليابان البلد الذي يصدر العلماء هاجر إليه .. إنك دائما تنسى نفسك .. حلقة الشباب افتعلت الحديث فجعلوك تبتسم كل هذا من أجل أن نرى جانب شفتك ونتمتع بفمك اللوريني .. أظنك الآن في الجبهة ومازلت تبتسم أما أنا فلم أرحل بل هربت وأقف هذه اللحظة في شقة أطل من نافذتها على الفضاء الرحب المنبسط أمامي بأناسه وسياراته ودراجاته وأشجاره فأرى مقبرة واسعة تنحشر بين علمين كبيرين : الأمريكي وعلم الاتحاد السوفيتي ثم صوت تيرينا التي قدمت من المطبخ:

- سوف أترككما وأذهب الآن!

والتفتت إلي مؤكدة:

- سأتصل بك حول الموضوع.

أدرك بفراستي أنها ترغب في أن تمنحنا فرصة للتعارف والحديث، وسألني الجد وهو ينتقل من مكانه قرب الصورة إلى موضع عند النافذة:

- أين تعمل الآن؟

- ياسيدي في دار للرعاية قرب محطة سفينة مولن؟

- عمل دائم؟

- أجل لكنه ناقص النصاب عشرون ساعة إلى خمسة وعشرين في الأسبوع!

- مرتاح في عملك!

- بلا شك وهو على أية حال أفضل من البطالة!

- أتحب هذا العمل؟

أخيرا أمام السيد يوهان .. محقق من نوع آخر لكني لاأستطيع أن أكذب أمامه . بعض الكذب لذيذ له مفعول الشاي الدافيء في مكان مغلق خلال يوم مفعم بالصقيع. سيدي المحق . أنا محكوم بالإعدام كوني هاربا من الحرب. سجنت؟ نعم. عذبت؟ نعم. اخلط الصدق بالكذب. هكذا نفعل كلنا. سيدتي المشرفة. ليس عني حذاء جديد. ولا سروال .. تنقصني الملابس لكني أمامك ياسيد يوهان لاأستطيع أن أكذب مثل أي لاجيء يهم أن يخلط الواقع بالخيال إلا في بعض الحالات:

- نعم فقد اعتدت عليه.

- لم اخترت هذا العمل بالذات؟

مع فاقدي الذاكرة أحس بالزمن يتناثر من حولي ومع تنظيفي النتانة أحتقر العالم وأصادق الجراثيم والفيروسات لعلي أتجنب شرها، فاسخر مني أيها اللوريني، فأنا الآن في موقف لايجعلني أرد عليك:

- عمل إنساني يرفعك إلى درجة ملاك!

- درست هنا؟

- أجل سنتين .. سنة درست اللغة وأخرى بين دراسةٍ للرعاية وتطبيقٍ عملي!

رد بابتسامة تنم عن ارتياح وإعجاب:

- يبدو من حديثك معي أن لغتك جيدة!

وانقضت فترة صمت كانت عيناي تدققان في الصورة لتستلا منها أيهم هو لكني عبثا حاولت أن أجد صلة بينه وبين أي واحد من الطيارين:

- أتسمح لي بسؤال خاص؟

- طبيعي يمكن أن تسأل.

- هل كنت تعمل طيارا؟

كلا أبدا.

- عندنا في دار الرعاية طيار شارك في الحرب العالمية الثانية ذكرتني الصورة هذه به فظننتك كنت طيارا!

غلط فضيع ارتكبته .. سذاجتي الشرقية وربما الطيبة .. ماكان علي أن أذكر الطيار الالماني ولا تبجحه بقتل ستة جنود بريطانيين في العلمين فأهتك أسرار العمل. أسرار ماذا يأكل العاجزون الراحلون .. ماذا يشربون كيف يفكرون وربما فات يوهان أن يلتفت غير أن اعتراضه جاء بصيغة أخرى ليصحح خطأي:

- لم يكن هناك من طيارين دنماركيين ساهموا في الحرب كانت الدنمارك محتلة حينذاك!

- الواقع هو ألماني الأصل هاجر بعد الحرب وتزوج من دنماركية واستقر في كوبنهاغن.

فصمت لحظة كأنه يتأمل في الماضي البعيد وقال:

- هؤلاء طيارون أمريكان هبطت طائرة النقل التي تقلهم بسبب عطل طرأ عليها في مزرعتي. فأخفيتهم وتلك قصة طويلة سأحدثك عنها فيما بعد!

إذن قبل بمساعدتي له .. تلميح عن ارتياحه :

- يسعدني أن أسمع ذلك منك!

فرفع عينيه باتجاه الحائط:

- أما تلك فهي رسالة شكر من الرئيس آيزنهاور .

أنا أقف أمام تحفة من تحف التاريخ. أخدم شخصا شكره السيد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية . توقيع الرئيس آيزنهاور .. الدنمارك ذلك البلد الصغير الذي قال عنه هتلر كناري صغير يكشف لي عن وجه آخر من أوجهه لم يتقدم بي ذلك العجوز خطوة إلى الأمام ولم يجعلني أتحرر من رقابة المساعدات الشهرية فحسب بل نقلني للتاريخ والحرب:

- ذكريات جميلة!

تلك اللحظة دنوت منه أكثر فأصبحت أقرب إلى النافذة المطلة على الشارع، وحانت مني نظرة خاطفة إلى المقبرة الكبيرة التي تمتد باتجاه شارع استر بورت وتتوغل بالعمق نحو النورد هاون، ولم يكن من باب المصادفة أن أرى العلم فوق السارية، فقلت كمن يكتشف شيئا جديدا:

- كنت أمر يوميا على دراجتي إلى المدرسة فلم أنتبه إلى المقبرة فلعل أي عابر يلتفت نظره العلم الأمريكي فينشغل به عنها ثم يطالعه العلم الآخر فينسى أن هناك مقبرة ما بينهما!

فنظر إلي نظرة غريبة:

- هنا سوف أدفن "وأضاف "أشتريت قبرا منذ سكنت في هذه الشقة عام 1960.

المحقق هو الذي يسأل وأنا أجيب لكني معك أستطيع أن ألتقط تداعياتي عن الماضي:

- زوجتك السيدة بيكيت متى توفيت؟؟

- 1979

مدفونة في مكان آخر؟

- سأريك ذات يوم المكان لكني أحتفظ ببعض من رمادها في هذا الوعاء على الرف .

"قال عبارته وأشار إلى قارورة ضيقة العنق تنتصب جنب مزهرية من ورد السناتي" وبعض منه دفن في القبر عند الزاوية اليمنى قريبا من موضع رأسي "ثم التفت إلي متسائلا بعد لحظات صمت":

- هل يزعجك ذلك؟

- لماذا؟ الموت حق " ثم باهتمام " كلنا نموت غير أني لم أفهم لم اشتريت قبرا مادمت القضية قضية حرق يكفي مكان رمز يوضع فيه الرماد.

بيكيت أوصت أن تحرق هي من أصول بروتستانتية من الذين يؤمنون بحرق الجثث يرون أوروبا صغيرة المساحة والنفوس في ازدياد كل قرن أترانا نقطع الغابات فنحولها إلى مقابر لكن أصل عائلتي من جنوب الدنمارك صحيح أنا لاأعنى بالدين. لست مؤمنا ولاكافرا وليست هناك مساحة في ذهني وتفكيري لله .. من خلق الكون ؟ أين نذهب بعد الموت؟ماهي الحياة الأخرى لايهمني ذلك. ليست تلك مشكلتي .. لكن تراثي كاثوليكي ثم إني لاأعقل أن أتصور نفسي أتحول إلى رماد والنار تشتعل في جثتي!

يا لتلك القدرة على التشبث بالحياة والجسد حتى في حالة الموت فكان بصري يتحول عنه إلى الصورة الكبيرة التي تضمه مع زوجته ثم غيرت الموضوع فجأة:

- سأخبر تيرينا عن ساعات عملي في الرعاية لكي نتفق على أيام الساعات عندك!

- تذكر أني غالبا ما أحتاج إلى ساعتين يوم السبت يمكن أن تجمع ملابسي وتنزل إلى الغسالة في القبو. المنظفات محظورة علي. هل يهمك أن تعمل السبت؟

- لن يكون ذلك عائقا لي.

- إذن تبقى ساعتان أخريان تستطيع أنت أن تحدد وقت زيارتك لي فيهما متى تشاء .

وهو كذلك!

 

د. قصي الشيخ عسكر

 .....

حلقة من رواية: واقبل الخريف مبكرا هذا العام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم