صحيفة المثقف

أيقونة عماد

عقيل العبودلم يكن يكترث لآلام ظهرهِ التي تدعوه لأن يكون طريح الفراش، بحسب توجيهات الطبيب المختص بأمراض المفاصل والعظام، ولم يكن يهمه ايضا هذا اللغط الذي يحيط به بخصوص انقطاعه وعدم تواصله مع الاخرين- المقدس، هو هذا الذي من خلاله يشعر كأنه يتنفس اوكسجين ثقافات،  يمتد حاضرها عبر عصور تناحرت أجزاؤها، لتنسج بقعة من الارض، مفرداتها البشرية تحتاج لأن تنهض من ركام موتها المدفون في وجدانه، أملاً بإحياء عالمها القديم.

الكنوز التي بين يديه  تكاد ان تجعل منه أقوى من شروط هذا الطاغوت الذي يفرض جبروته على جميع أفراد النوع الأنساني، مجرجرا خطواتهم صوب مملكة كبريائه؛ هو الخواء نفسه هذا العفن الذي اصاب معظمهم، ليجعل منهم مطية سهلة الانقياد.

لذلك، المهمة التي يشعر انها أنيطت به، تكاد ان تفوق في انتمائها جميع تلك المخططات التي تكتسح الان مفردات عالم تم تطويق وجوده قسراً، طمعا بتغيير مساراته التي رُسُمَت ابعادها من قبلهم، اولئك الذين صنعوا دساتير  المعرفة، والفن، والاخلاق، وعلى نهجهم، تلك الأصوات التي لم تمت.

الحاضر تم اغتصابه، لِتـُمَزَق اشلاؤه هكذا على قارعة الطريق، اما الماضي فقد بقي حيّا بهم اولئك الدعاة الى مستقبل مشرق- أعلام السياسة؛  مارتن لوثر، مشاهير الفن والتمثيل، كاري كوبر، ابطال الرياضة، وعلى غِرارِهم ذلك الصنف الذي به تبددت دهاليز الظلام.

لذلك تازرا معهم جميعا، عماد وجد نفسه ليس كغالب اقرانه الذين يعيشون معه في تلك البقعة من المكان،  إنما تلازما مع قوانين رؤيته، عمله الدؤوب امسى متعلقا بعقارب هذه الساعة التي تمضي وهي تحثه للبحث عن ارشيف جديد.

التاريخ بالنسبة اليه احداث تصطف، تتداخل مع بعضها كالنواة،  ترتبط على شاكلة شجرة، أغصانها تقرر لها ان تتفرع وفقا لترنيمة هذا الارث، الذي هكذا صار واقفا يغفو بين سطور الأوراق المتآكلة، وتلك الرسائل، لعله يقدر ان يمسح تلك الذرات الترابية عن رموش اجفانها، لتعاد الى أصحابها تلك الانفاس.

الصباح والمساء والليل بالنسبة اليه زمن، عقاربه تلك الألبومات التي تفتح صفحاتها كل يوم، لتستقبل صورا، واحداثا تتلهف لإن تعود الى مفاتن نكهتها  الفائتة، وعلى أنماطها مجلات، وقصص ومخاطبات.

الزمن، مفاتيحه هو هذا النوع من الإمتلاء.

اما الخواء، فهو ذلك الإبتلاء الذي يستهلك الاخرين، يستفزهم كل يوم، يستقر في مشاعرهم وأحاسيسهم، مثل فايروس يبحث عن مكان ينمو بين خلاياه، ثم يقصف بهم جميعا عند دوامة هذا اللهاث المفرط، طمعا بالمزيد من الترف، والموائد، والثراء.

هو العبث اذن هذا الذي يسرق الناس أوقاتهم  وأعمارهم، يقودهم بتلك الخطوات، مثلما أخطبوط يبحث عن فريسته لينال منها دون عراك.

لذلك، عند مخزّن يشبه غرفة بلا نوافذ، ركام حقائبه، وصناديقه، وعلبه الكارتونية، تم تصنيفها إسوة بلوحات رحل عنها أصحابها- كنوز  لمقبرة يستغيث أبطالها أملاً بإحياء اصواتهم،

الفضول اذن هو المنقذ الذي راح يحمل إصراره عبر مسافات ليس لها فواصل بين تشعبات هذا العالم الفسيح، ذلك بحثا عن موضوعات جديدة.

هي مقتنيات لم يتم تصنيفها ضمن متحف الاثار،

تلك الأرواح التي دُفِنَت أشلاؤها على شاكلة خطوط أنتجتها ملامسات استقطبها الضوء، ليبقى هكذا حيّا معها طوال هذه الحقبة من السنين.

 

عقيل العبود

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم