صحيفة المثقف

عملية هروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة (1)

بمناسبة مرور 51 عاما على عملية الهروب الكبيرة والشهيرة للسجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967، سننشر قصة ذلك الهروب على شكل حلقات يومية  وبقلم الوالد الفقيد حسين سلطان صبي / أبو علي

الحلقة الاولى: قصة قصيرة لحدث كبير.. قضية النفق والهروب من سجن الحلة المركزي في عام 1967

وقعت عدة محاولات هروب من السجون والمواقف السياسية في العراق واتخذت أشكالا متنوعة من الطرق والأساليب. مثلا كسر شباك والهروب منه. أو ثقب جدار والخروج منه. أو إغفال حارس والافلات منه أو إستخدام مكياج والخروج مع الناس القادمين للقاء بالمساجين. وهذا يتطلب عملا من داخل السجن للتضليل في عملية التعداد ولو لمرة واحدة. وهناك نوع آخر من طرق الهروب، وهو حفر الأنفاق  تحت الأرض  من داخل السجن الى خارجه. وعن هذا الطريق حدث أول هروب جماعي من سجن الكوت عام 1951. وتلاه سجن بعقوبة في الخمسينات أيضا. وأعقبه سجن الفضيلية في الستينات ومحاولة لم تكتمل من سجن نقرة السلمان. وأخيراً في سجن الحلة المركزي.

ان كل محاولة هروب تتطلب عملا فيه الكثير من الدقة وضبط الأعصاب ولكن حفر الأنفاق يتطلب الكثير من الدقة في رسم الخطة وضبط الأعصاب عند المفاجات، والصبر وطول النفس في العمل والاختيار الدقيق للعاملين في النفق. ومتابعة سرية العمل. وإتقان أساليب التضليل للأعداء والأصدقاء معا بحيث تكون جميع الحركات والأعمال طبيعية ولا تثير الشك أو الشبهة لدى الآخرين. ومن التجارب ذات الأهمية الكبيرة ماحصل في نفق سجن الكوت وكذلك في نفق سجن بعقوبة وطريقة الهروب وأخيراً تجربة نفق الفضيلية. ان التجارب الثلاث كانت عظيمة من حيث النشاط والفعالية للمنظمة داخل السجن لأنها قامت بعمل جبار للغاية بضبطه ودقته في انجاز حفر الأنفاق. ولكن الاخفاق يحدث بعد خروج الرفاق من السجن لأسباب غاية في البساطة وقد يأسف المناضل كثيرا على تلك الجهود المضنية والمتواصلة لعدة أشهر ويحبطها

سبب صغير يمكن أن يقوم به إنسان بسيط وبدون عناء كبير، مثل تحضير سياره في مكان ما أو نوع الملابس في وقت الهروب بحيث تكون متماثله مع ملابس سكان المنطقة وكذلك إختيار وقت الخروج وكيفية السير فرادا....الخ. انها قضايا صغيره الا انها مهمة جدا في نجاح العملية.

أما موضوع نفق سجن الحلة المركزي في عام 1967 والهروب منه فلو لم يقع الإنشقاق في ذات الفترة، والمنظمة باقية على وحدتها السابقة، كان بالامكان إخراج أكثر من مائة سجين خلال الليل وحتى الصباح دون أن يشعر أحد بذلك. الا ان الإنشقاق غيّر الوضع تماما إنفقد الضبط والإلتزام في لحظة الهروب.

بعد عودتي الى الوطن عام 1964 كُلِفت بمهمة العمل في منطقة الفرات الأوسط وعند ذهابي الى مقر لجنة منطقة الفرات الأوسط في النجف كان قوام اللجنه يتكون من الرفاق :

1) عدنان عباس قائد اللجنة

2) حمد ألله مرتضى عضو

3) ساجد حماده عضو

4) علي نور مرشح لعضوية المنطقة

5) شهاب حمد الكوماني مرشح أيضا

6) محمد رضا القصاب مرشح أيضا

التحق الأخير بعد نقل عدنان الى بغداد. كان هؤلاء أعضاء ومرشحو المنطقه في ذلك الوقت.

وفي إجتماع اللجنه المركزية في نيسان من عام 1965 أبلغنا بهاء الدين نوري حيث كان مسؤول المركز أثناء غياب عزيز  قال لاتوجد لدينا إمكانية لمساعدتكم، يجب أن تعتمدوا على أنفسكم  ودفع لي مبلغ (400) دينار لشراء سيارة إلا ان هذا المبلغ ساعدنا في تسديد العجز الحاصل لكل شهر. مع الضغط على المصروفات الى الحد الأقصى. وبناءا على هذا الوضع المالي، فكرنا في الغاء بعض البيوت الحزبية، حيث ان واردنا لا يتحمل ذلك العدد من البيوت، كان عندنا ثلاثة بيوت حزبية في النجف وبيت في الديوانية، وآخر في الحلة وكان الاتجاه أن نقلص بيوت النجف الى بيت أو بيتين فقط. وكنت في بيت حزبي يسكن به المناضل نجم أبو اللول وزوجته نعيمة أبو اللول وهم من عائلة ثورية ملتصقة بالحزب، ومعروفة على نطاق واسع في الفرات الأوسط.

وكنا كما ذكر في أعلاه نعاني أزمه مالية، مما جعلنا في شظف العيش وكنت أسمع أحاديث عن وقت المرحوم الرازقي وكيف كانت عيشتهم، وكنت أذكر مازحا المثل المعروف  العين بصيرة واليد قصيرة  الا ان استمرارية الشحة خلق وضعا من الضجر لا يشعر به الا صاحب الخبرة فما العمل، كنا في بعض الأشهر نأخر مخصصات الأرامل واليتامى، لان أول مانبدأ به هو تسديد ايجارات البيوت الحزبية التي لا تقبل التأخير، ويبقى العيش ( على ناقوط الحب) ما يلينا أول بأول.

وفي أواسط أيلول عام 1965 كنا الأربعه العائلة وشهاب وكاتب هذه السطور جالسين عصرا في البيت، وكان وضعي الصحي غير جيد وعندي ارتفاع في درجة الحرارة، واقترحت نعيمة أن تهيء لي شوربة من العدس عسى أن أستطيع الأكل منها، وخرجت أكثر من مرة الى البقال وبسبب هذه الطلعات حدثت مشادة كلامية بين شهاب ونعيمة، وعلى أثر تلك المشادة خرجت نعيمة ولم تعد للبيت، وبعد ما يقارب الساعة سألت نجم الى أين ذهبت نعيمة، قال على مايبدو ذهبت الى أهلها أو بيت أخيها، حيث أخو نعيمة وأخت نجم يسكنون في بيت حزبي آخر في النجف، أما أهل نعيمة فهم في ضواحي مدينة الكوفة. ونظرا للفكرة السابقة عن الغاء أحد البيوت الحزبية، فرأيت من المناسب أن نلغي هذا البيت، وأنتقل مع الرفيق محمد رضا القصاب ويبقى شهاب معنا الى حين موعد سفره الى الخارج على أن ننفذ هذه الفكرة في اليوم التالي، ومن أجل تسلسل الأحداث، وكيفية وقوعنا في شرك الأمن. علمنا في أوائل أيلول من عام 1965 ان أحد الرفاق النشطين في ريف الشامية ألقيَّ القبض عليه، وعلى أثر سماع الخبر أرسلت نجم الى ريف الشامية لمعرفة سير الأحداث على حقيقتها. وبعد يومين عاد نجم وأكد اعتقال الرفيق ومعه سلاحه، الا انه قال وضع الريف طبيعي ولم تقع أية إعتقالات أخرى والحادث مضى عليه مايقارب عشرة أيام. وانتقلنا من البيت فورا لان الرفيق المعتقل جاء الى بيتنا بمهمة حزبية قبل ثلاثة أشهر وشاهد نعيمة أبواللول في البيت ولما خرجت نعيمة من بيتنا، كان الوقت عند غروب الشمس لذا لم تذهب نعيمة الى بيت اهلها وانما ذهبت الى أحد بيوت معارفها وعند الفجر ذهبت الى أهلها. وهنا وقعت الصدفة، ويالها من صدفة كريهة. نعيمة تحركت من النجف نحو أهلها ومفرزة شرطة أمن الشامية يوجهها الشخص الذي ألقيَّ القبض عليه وإنهار أمام ضغط شرطة الأمن، متوجها الى بيت أبو اللول، وبلحظة دخول نعيمة بيت أهلها دخلت الشرطة، واذا بها وجها لوجه مع نعيمة، فصاح الشخص المنهار هذه هي نعيمة تعرف كل شيء عن منظمة الحزب في النجف وعندما قبضت عليها الشرطة قالت لهم وبسرعة تعالوا معي سأدلكم على البيت، وكان ذلك نتيجة لغضبها الشديد على شهاب بالاضافة الى عوامل الخوف والرهبة وبينما كنا جالسين صباحا نتناول الفطور في الساعه الثامنة إلا ربعا واذا بباب دارنا تكسر بالقوة وثلاثة رشاشات تلعلع نحونا، وكنت جالسا على مقربة من سلم السطح فتناولت السلم وتبعني شهاب، ولم يتمكن نجم من الهرب بسبب كثافة النيران وبعد مطاردة تزيد على نصف ساعة، ألقيَّ القبض علينا ونقلنا جميعا الى مركز شرطة النجف، ومنها نقلنا الى شرطة الديوانية. وفي عصر ذلك اليوم جاء الى بيتنا محمد رضا القصاب وكان في بيتنا كمين من الشرطة فألقت القبض عليه وعند التحقيق مع محمد رضا القصاب انفتحت علينا ثغرة، حيث كشف أسماء أعضاء المنطقة ومرشحيها والمدن المتواجدين فيها واعتقل اربعة أشخاص من منطقة النجف التي كان يقودها القصاب. والحقيقة ان محمد رضا القصاب، كان يعرف الكثير في النجف وكربلاء حيث كان يقود محلية المحافظة، ومنها الوحدة العسكرية في النجف، الا انه لم يكشف الا جزءا صغيرا مما يعرف. وبعد انتهاء التحقيق، نقلنا الى النجف، أثر مجيء وزارة عبد الرحمن البزاز. ومن هناك استطعت أن أراسل المنطقة، وأخبرتها بتفاصيل الثغره التي حصلت عندنا وحذرتهم من التحرك الزائد، ريثما تهدأ الأمور، وأشرت لهم عن نشاط أمن الديوانية، وخاصة نشاط مفوض الأمن  محمد خضر العاني  وطلبت منهم إبدال المراسل وإخفاءه بالريف. ومنذ أن نقلونا الى مركز شرطة النجف، وضعونا في سرداب كبير. كانت فكرة الهروب لا تبتعد عن ذهني مطلقاً، بحيث لا تمر حركه أمامي إلا وفتشت فيها عن إمكانية الهروب. وفي نهاية عام 1965 طلبني الأمن للحضور في دائرته ولما دخلت وجدت مدير أمن كربلاء، ومعه عدد من المعاونين جالسين وبعد أن سمح لي بالجلوس، أخذ يحاججني عن مضمون رسالتي التي بعثتها الى المنطقة، وقال لأسباب انسانية خففنا عنكم، الا انكم لا تكفون عن عمل التخريب. فأنكرت الموضوع أصلا وأخذت أناقشه بأي يد كتبت الرسالة وأنتم تعلمون ان يداي مشلولتان وكيف أمسك القلم، فرد عليَّ قائلاً : سنعرف من هو كاتبها، ولكن أنت أمليت نصها، وبعد نقاش طويل، خاطب أحد المعاونين قائلا : لاتطلع نتيجة من هذا الصلف إجمع كل الوثائق وإدفع بها الى المحاكم وهي تتفاصل معه، وأشار خذوه.

يتبع

 

خالد حسين سلطان

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم