صحيفة المثقف

سِرُّ المباحثات التي دارت بين الجنرال ديغول والحبيب بورقيبة

علجية عيشلم تترك فرنسا الفرصة لإجهاض أي مخطط يخدم القضية الجزائرية ومساعي الدول في الإعتراف بها، فراحت تنشر الإشاعات لتأخير مناقشة القضية الجزائرية في الأمم المتحدة والقائلة بوجود مفاوضات سرية بين الجزائر والولايات المتحدة، في الوقت الذي تحاول فيه إخفاء ممارساتها القمعية من تعذيب وتقتيل ضد السكان، ويذكر بعض الباحثين مساعي فرنسا في إنشاء حلف البحر الأبيض المتوسط ولكن المشروع قوبل بالرفض، خاصة بالنسبة للحكومة التونسية بقيادة الحبيب بورقيبة التي وقفت إلى جانب الجزائر، وقدمت لفرنسا تنازلات من أجل استقلالها

ارتبطت الجزائر بجيرانها من الشمال الإفريقي، فمنذ عهد نجم شمال افريقيا وحتى اندلاع الثورة الجزائرية، أعطت حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية بعدا مغاربيا لكفاحها السياسي إيمانا منها بوحدة نضال الشمال الإفريقي، وتحقيق وحدة شمال إفريقيا في إطارها الطبيعي العربي الإسلامي، وكان موقف جبهة التحرير الوطني أن الحركات في الجزائر وتونس ومراكش ماهي إلا تعبيرا عن وطنية إفريقية الشمالية، وستحاول الثورة الجزائرية الوصول إلى وحدة الكفاح ضد سياسة فرنسا في الشمال الإفريقي، الرامية إلى التفاوض مع تونس طمعا في إخضاع ثورة الجزائر، كان اجتماعا قد عقدته الكتابة العامة للمغرب الكبير في 15 أكتوبر 1958 بالرباط، حضرها ممثل عن المغرب وتونس، أما الجزائر فقد مثل جبهة التحرير الوطني كل من أحمد بومنجل وأحمد فرنسيس، وكانت أهم نقطة أدرجت في جدول أعمال الندوة تطور القضية الجزائرية بعد إعلان الحكومة المؤقتة ومضاعفة التعاون بين شعوب وحكومات المغرب العربي، كان مؤتمر طنجة الذي انعقد في أفريل 1958 قد رسم مضمون واضح لوحدة المغرب العربي بإنشاء وحدة فدرالية بين الأقطار الثلاثة، لكن المشروع واجهته عدة عراقيل ولم يعرف سبيلا إلى التطبيق، خاصة بعد مجيئ ديغول بسياسته التقسيمية.

وليس من السهل أن يتنكر أحد للجهود التي بذلتها دول المغرب العربي وبخاصة تونس أيام الرئيس لحبيب بورقيبة، وما قدمته من تنازلات من أجل القضية الجزائرية، وفي مقدمتها التنازل على مدينة بنزرت السياحية لفائدة فرنسا، رغم أنها تحتل موقعا استراتيجيا، مقابل الاعتراف بحق الشعب الجزائري بتقرير مصيره ووضع حدا للحرب الجزائرية، لم تقبل فرنسا بالعرض الذي تقدم به بورقيبة، فاضطر هذا الأخير إلى تدويل القضية الجزائرية والتوصل إلى مفاوضات بين الحكومتين الفرنسية والجزائرية بقيادة فرحات عباس وكريم بلقاسم، كما عقد اجتماع بين فرحات عباس والرئيس بورقيبة بحضور لخضر بن طوبال وعبد الحميد مهري، وخرج المجتمعون بمشروع إنشاء وحدة تونسية جزائرية، وذلك في إطار التنسيق التونسي الجزائري.

وبالنظر إلى ما قامت به الحكومة التونسية من دعم للثورة الجزائرية بقيادة الحبيب بورقيبة، إلا أن هناك رأي آخر مناقض للرأي الأول، إذ يرى أن الموقف السياسي للحكومة التونسية لم يرق إلى مستوى أهداف ومبادئ الثورة الجزائرية، نظرا لإختلاف التوجهات السياسية وتباين طبيعة القضية الجزائرية من طبيعة القضية التونسية، وقال بعض الباحثين أن المشكل الجزائري في نظر الحبيب بورقيبة ينم عن تجاهل لحقيقة الثورة الجزائرية، إذ لم يكن بورقيبة يسلم بأن الجزائريين أدرى بخلافاتهم وأعرف بحلول قضيتهم، خاصة وأن بورقيبة أنه حاول تسوية المشكلة الجزائرية في إطار الجامعة الفرنسية-الشمال افريقية، التي تمخضت عنها ندوة تونس، كان بورقيبة ومحمد الخامس ياملان في عقد لقاء ثلاثي، لكن كانت النتيجة القرصنة الجوية للطائرة المقلة للزعماء الجزائريين الخمسة وهي في طريقها إلى تونس، وفيها تم اعتقال أحمد بن بلة ورفاقه، وعلى إثرها قامت احتجاجات شعبية عارمة في تونس، ولجأت الحكومة التونسية إلى استدعاء سفيرها في باريس.

لم يقف الجنرال شارل ديغول موقف المتفرج وهو يتابع تحركات الدبلوماسية التونسية لنصرة القضية الجزائرية، خاصة بعد البرقيات التي كان الحبيب بورقيبة يرسلها للأمين العام للأمم للمتحدة ورؤساء الدول بالتركيز على الولايات المتحدة لشرح تطورات القضية للجزائرية، فقد قام بدعوة بورقيبة لزيارة فرنسا، والتقى الطرفان، ودارت بينهما مباحثات ومشاورات، وفي رده على بورقيبة عندما طالبه هذا الأخير بالتخلي عن الغرور والكبرياء والدخول في مفاوضات مع الحكومة الجزائرية والإفراج عن أعضاء الحكومة الجزائرية المؤقتة الخمسة الذين قدموا للمشاركة في ندوة تونس، وغلق المحتشدات قال ديغول: إذا لم يتسن التعايش بين العرب والفرنسيين بعد التحرير فإنه مستبعد إجلاء الأوروبيين والفرنسيين، ومما لا شك فيه أن اختطاف القادة الجزائريين الخمسة كان بهدف إفشال ندوة تونس التي انعقدت في قصر السعادة بالمرسى في شهر أكتوبر كما تم ذكره آنفا، والقضاء على الثورة الجزائرية، رغم أن الندوة كانت بموافقة فرنسا، وقد نددت جبهة التحرير الوطني بقوة ضد إيقاف القادة وطالبت برد فعل إيجابي وحاسم وإقرار السلم والأمن في الشمال الإفريقي، وهو ما أكده أحمد فرنسيس في تصريح له بأن الجزائر جزء من شمال إفريقيا وإفريقيا وحدة لا تتجزأ، وقد أعرب عن أمل الجزائر في إنشاء اتحاد فدرالي لدول شمال إفريقيا، علما أن الندوة تمخضت على نتائج ذات أهمية لربط المصير المشترك بين الجزائر وتونس والمغرب وتوثيق روابط الدين والثقافة والتاريخ والمصير المشترك.

لقد أعطت ندوة تونس القضية الجديدة دفعا جديدا، المشار هنا أن فرنسا ارتكبت جرائم بشعة في حق الشعب الجزائري من قتل وتعذيب ولم تكتف بذلك بل قامت بهدم سكناتهم، واغتصاب أراضيهم، وتهجيرهم، والحقيقة أن مأساة اللاجئين بدأت منذ 1955 بعد إنشاء المناطق المحرمة، وما تزال قضية اللاجئين مطروحة ولا تنزع منها الضبابية إلى اليوم، تشير الأرقام أن عدد اللاجئين الجزائريين يتراوح بمئات الآلاف موزعين بين تونس والمغرب، وقد عانوا آلام التشتت والضياع بسبب الإجراءات القمعية التي تعرضوا لها من قبل الفرنسيين، بيوم واحد بعد مجزرة 17 أكتوبر 1961 عندما خرج الجزائريون في مظاهرات سلمية تنديدا بقرار فرنسا المتضمن حظر التجول على الجزائريين في باريس عام 1961، كانت لرئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس لقاءات مع رؤساء الدول ومنهم ليوبولد سنغور رئيس السينغال، وكان هذا الأخير قد قام بزيارة إلى تونس بحضور سعد دحلب وأمحمد يزيد تناول الطرفان المفاوضات الفرنسية الجزائرية، والملاحظ أن تدخل تونس يدخل في إطار وحدة شمال افريقيا، والتي تضم تونس، المغرب والجزائر.

 

قراءة علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم