صحيفة المثقف

التطرف في الدين يغتال التطرف في الجمال

قاسم حسين صالحالواقعة: لقيت أربع نساء عراقيات شهيرات في آب/ اغسطس وأيلول/سبتمبر 2018 حتفهن، اثنتان منهن اغتيلتا برصاص مسلحين هما رفيف الياسري الملقبة بـ"باربي" نسبة إلى اسم مركزها التجميلي، والثانية هي رشا الحسن صاحبة مركز «فيولا» التجميلي، وآخرهن مقتل وصيفة ملكة جمال العراق وعارضة الأزياء تاره فارس (22سنة).

وتلقت عارضة الأزياء والأعلامية شيماء القاسم تهديدا بالقتل اضطرها الى مغادرة العراق لتصرّح بان اللواتي اصبحن مشهورات في السوشيال ميديا سيكون مصيرهن القتل، لأننا اصبحنا في نظرهم (عاهرات) .. يحق لهم ان (نذبح مثل الدجاج).

وقد اثار اغتيال تارة فارس جدلا فاق القدح والمدح الذي كانت تثيره صورها الجريئة، وتوزع الناس بين من ادان قتلهن وبين من قال عنهن انهن (قاذورات) على حد وصف نائب في البرلمان العراقي.

تحليل سيكولوجي

تنسب تهمة قتل مشاهير الفتيات في وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) الى جهات دينية متطرفة، ولا يعنينا هنا ما اذا كانت وراءه دوافع سياسية، بل تفكيك الدوافع في قراءة سيكولوجية للحدث.

كانت الدراسات قد توصلت الى ان فكر (التطرف) يتغذى على معتقدات مفبركة واحداث تاريخية مزورة، يشيع بين جمهور محدود الوعي يسهل توجيهه واقتياده حتى إلى الهلاك، فيما توصل السيكولوجيون المعاصرون الى ان التعصب يعدّ هوسا مرضيا بالهوية، سببه ان المتعصب لهويته يعتقد، او جعلوه يعتقد، بوجود تهديد يستهدف القضاء على هويته وشحنه نفسيا بآلية التخويف من الآخر وتصويره مصدراً لتهديد دائم يستهدف انهاءه الذي قد يكون التهديد حقيقياً، أو مبالغاً به، أو مفتعلاً، او وهما من نوع البرانويا .. او هوسا دينيا.

والعلّة الفكرية في المتطرّف (المتعصب) ان عقله مصاب بالدوغماتية التي تعني الجمود العقائدي، اخفها التمسك باقوال مطلقة من غير دليل، صعودا الى مقاومة الافكار الجديدة، وصولا الى الاعتقاد الجازم اليقيني المطلق بأن الآخر باطل دون نقاش .. وانتهاءا بفرض السلطة على الآخر .. وافنائه ان عارض او تحدى .. فيما التطرّف في الدين يزيد عليها بأن يزّين لصاحبه الزعم انه وحده على حق، وينعت من يخالفه الرأي: بالكفر، والمروق، والزندقه، والفسوق.

ومن متابعتنا لما جرى في العراق وجدنا ان الجهة الراعية للتعصّب (للتطرف) تضفي على نفسها هالة القداسة إن كانت دينية، والقوة والرهبة والبطش إن كانت دنيوية. وفي كلتا الحالتين تكون المؤسسة في حالة حرب لا نهاية لها، أو إنذار بحرب وشيكة الوقوع مع آخر. وكان الباحث في علم الاجتماع السياسي (جيرارد) توصل الى أن التعصّب (التطرّف) يكون معدياً في المجتمعات المحبَطة، وأن الفرد الذي يفتقد الفرصة الإيجابية قد يجد في الجماعات المتعصِّبة بديلاً من الممكن أن توفر له وظيفةُ ما، ومكانةً ما، ودوراً ما.وهذا ما حصل في العراق.

وسواء كانت الجهات التي قتلت شهيرات السوشيال ميديا الأربعة مرتبطة او مدفوعة او مدعومة من احزاب او كتل اسلامية، او لا علاقة لها بها فان السبب السيكولوجي الرئيس هو ان سلطة الآسلام السياسي تريد ان تكون هي مركز الشهرة والاستقطاب الجماهيري:في الجامع، المدرسة، الشارع، الاعلام وفي .. الفيسبوك وتويتر والانستغرام.

والسبب الرئيس الثاني، ان هذه الجماعات ومن يؤيدها بالسر اوالعلن، لا تتحمل المنافسة، ولأنها وجدت ان لهذه (القاذورات .. الفاسقات) رصيدا كبيرا من المتابعين في السوشيال ميديا(تارة فارس لوحدها زاد عدد متابعيها على المليونيين في الانستغرام)، فانهم خشوا ان يسحبن منهم اوسع واهم شريحة في المجتمع .. الشباب لا حرصا على اخلاق الشباب بل خوف سيكولوجي من اثارة استياء اهم واخطر واكبر قوة في المجتمع .. حاضرا ومستقبلا.

والسبب السيكولوجي الثالث انهم يعدّون هذه الشهرة نوعا من التحدي الذي يهدد قيمهم ودعوتهم الى قيام مجتمع تكون فيه المراة محتشمة بالمعنى الذي يفهمونه عن الحشمة، والذي يعني عندهم اخفاء كل معالم الجمال في المراة، ولأنهم يضعون المرأة في مكانة أدنى من الرجل، فأنهم يرون انه من العار عليهم ان تحصل فتاة بعمر العشرين (مره!) على اكثر من مليوني متابع في السوشيال ميديا وهم في صحفحاتهم لا يحصلون على مئات.

من جانب آخر .. ان اظهار جمال المرأة بشكل متطرف في مجتمع محافظ، تحكمه نفس سيكولوجيا التطرف الديني .. بمعنى ان التطرف في الجمال يرى في من يلتزم بالدين بأنه رجعي ومتخلف .. يعيش خارج عصره، وأنه يحصر وظيفة المرأة في الانجاب وامتاع الزوج جنسيا، ولها ان تتبرج وتتوشم وتظهر مفاتن جسمها لزوجها فقط.والذي حصل ان تارة فارس ورفيقاتها دفعتهن سيكولوجيا التحدي الى التطرف في اظهار الجمال بتتفنن في رسم وشوم وصور باغراءات جنسية مبتذلة.

ويحتضن كل هذه الأسباب سبب سيكولجي عام هو ان السلطة اذا تضاءلت هيبتها وكانت ضعيفة في تطبيق القانون وفرض النظام، فانه يجري التعبير عن الكراهية بين الجماعات باساليب العنف والعدوان يكون ابشعها لدى المتطرفين دينيا الذين خبروا العنف خمسة عشر عاما تراجعت فيه قيمة الحياة وصار قتل الانسان عندهم اسهل من شربة ماء، فيما المولع بالجمال لا يستطيع رؤية ذبح دجاجة .. ما يعني ان التطرف في الدين والتطرف في الجمال ضدان لا يلتقيان .. وان الغلبة فيه تكون لمن خبر العنف وامتلك القوة والقدرة على افناء الآخر.

وتبقى ثمة مفارقة.

صار يوم الخميس مرعبا لعارضات الأزياء وخبيرات التجميل، لأن كل الاغتيالات التي استهدفت نساء عراقيات شهيرات حدثت يوم الخميس! .. ولحضراتكم نترك التفسير .. والتفليس!

 

ا. د. قاسم حسين صالح

16 /10/ 2018

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم