صحيفة المثقف

نشرات الأخبار

محمد العباسيلا بد لي كمتابع للنشرات الإخبارية أن ألتفت لنقاط يلاحظها كل من يتتبع الأخبار ويتابع المذيعات والمذيعين وهم يتحاورون مع ضيوفهم الكرام.  للأخبار أصول وفن ومدارس وقد تختلف الأساليب من مذيع إلى آخر.. فلكل مذيع ومقدم (كاريزما) يمتاز بها وبها ينجح في جذب المتابعين.. ويبقى الأمر مرهوناً بالنجاح في جذب إنتباه المشاهدين والمستمعين وكسب إهتمامهم بالمواضيع المتناولة والمتداولة .

لكن هنالك دائماً مذيعين يطرحون نوع من الأسئلة الغير واقعية.. أسئلة ربما تعكس الجهل ببعض جوانب وأصول فن الحوار وأحياناً حتى من قبل بعض المذيعين المتمرسين.. مثلاً أن يتم سؤال أحد الضيوف العسكريين عن الخطط العسكرية قبيل معركة متوقعة قريباً!! أسئلة في سياق (أين ومتى وكيف ستتم عملية عسكرية ما؟) .. كيف بالله تتوقعون أن يتم إفشاء الأسرار العسكرية على الهواء مباشرة؟  هل من المعقول أو المقبول أن يفضح مسئول عسكري خططهم وخطواتهم التالية على الهواء مباشرة؟!  هل من المتوقع أن يفضح.شخص عاقل معلومات عن عدد وعدة ومنطقة الانطلاق ونوع الأسلحة؟ .. أي استخفاف وأية سذاجة هذه العقلية الغير متمرسة في فن التحاور؟

ثم نجد الكثير من المذيعين تقريبا يسألون الضيوف أسئلة مباشرة ولمجرد المثال (لماذا فعل باراك اوباما كذا أو كذا؟) .. بينما الأصح هو قول (لماذا تعتقد ...) أو (كيف تحلل ...) أو (برأيك، لماذا ...) وهكذا .. فالأسئلة المباشرة كأنما توحي بأن الضيف على علم تام بالأمور ويجالس ساسة العالم كل يوم!! فما هؤلاء سوى محللين ومفسرين يعتمدون على التحليلات المنطقية حسب سير الأحداث وتتابع الأمور.. والآراء تتضارب وتختلف من محلل إلى آخر ومن يوم للذي يليه.  الضيف يفسر ويحلل ويستنبط الأمور حسب متابعاته للأخبار وخبرته تتحكم في مدى نجاعة تحليلاته.. قد يصيب وقد يخيب.. لكنه في نهاية الأمر يبني أفكاره على المعطيات المطروحة أمامه وكم المعلومات المتوفرة عبر الأخبار والأحداث وربما عبر مصادره الخاصة..  والمُجّد فيهم من تكون آراءه منطقية وتحليلاته عقلانية وردوده عامة تحتمل الخطأ والصواب دون إحراج!!

ثم لا يجب طرح أسئلة أطول من الإجابات المتوقعة وكأنما المذيع يقوم بالتلقين وتوجيه دفة الحوار في إتجاه جامد.. ثم تتم مقاطعة الضيف بعذر ضيق الوقت كلما لم تعجبهم الإجابات! .. بعض المذيعين يتمادون في سرد الأسئلة ويكررونها ولا يقبلون إلا بتلك الردود التي يريدونها هم.. بينما الأصول تفرض عليهم الحياد وتقبل اختلاف الآراء ووجهات النظر.. البعض كأنهم محققين إستخباراتيين وجل أسئلتهم هجومية ويقاطعون الضيف عشرات المرات.. بينما الأجدر بالضيف المحسوب علينا كخبير إستراتيجي أو محلل عسكري أو أكاديمي في الشئون الدولية أن يتم إعطائه المساحة الكافية لأن يثري الحوار بخبرته وتحليلاته . 

أما أعجب ما يثيرني غيظاً عندما يقول المذيع مثلاً (و قد قُتل في القصف "حوالي" واحد وثلاثون شخصاً ..) أو (أكثر من واحد وثلاثون ..)  .. فمع هكذا رقم محدد لا يجوز قول مصطلحات كـ "حوالي" أو "أكثر من" ومثل هذه المصطلحات التقريبية .. فهذه المصطلحات لا تتوافق مع الأرقام المحددة بالعدد الصحيح.. بل الأصح هو قول (حوالي ثلاثين) أو (أكثر من ثلاثين).  ثم نسمع جملة مثل (و قد قتل في القصف عدد كذا من القتلى .. ) .. فهل القتيل يُقتل؟  والأصح قول (قُتل عدد كذا من الأشخاص) .

وأيضاً نجد عبارات تتكرر في كافة الأخبار عن القتلى وكلها تنتهي بذات الصياغ مثل (قتل في القصف عشرون شخصاً من المدنيين.. بينهم أطفال ونساء) وكأنما القتلى من المدنيين الرجال والشباب ليسوا بذات الأهمية !! لكن من الواضح أن من يصيغ الخبر يرى ان النساء والأطفال يمثلون إضافة تدل على أن الضحايا من المدنيين الأبرياء.. مع أن كل الضحايا هم ضحايا والقنابل والبراميل المتفجرة لا تستثني أحداً.. هكذا ظاهرة تتكرر كثيراً في نشرات الأخبار وهي مثيرة للسخرية ويدفع ثمنها مذيع الخبر.. بينما هو خطأ من قد كتب وصاغ الخبر!!

أما التناقضات والأكاذيب في الأخبار فقد باتت تمثل فضائح لبعض المحطات حتى لم نعد نثق بأخبارها.. بل بتنا نقاطعها لكثر الزيف وعدم الحياد.. المحطات التي تمثل الأنظمة الظالمة والشخصيات المارقة والأحزاب السياسية الخارجة عن الشرع والقانون باتت تملئ الفضائيات.. وجل أخبارها كذب ونفاق وزيف وأبعد ما تكون عن المصداقية.. مئات القنوات الطائفية أو تلك المدعومة من ملالي المذاهب الدينية والإسلام السياسي يشوهون ويختلقون الأخبار.. وبعد التدخل الروسي في قضايانا بتنا نكتشف مدى الزيف وكم الكذب من الجانب الروسي أيضاً .. بعد أن كنا نلاحظ التوجهات الآحادية والإستفزازية من القنوات الغربية مثل (فوكس) و(سي إن إن) وأخواتهما .. حتى باتت القنوات الإخبارية في عصرنا هذا مجرد ترسانة جديدة من الأسلحة المستخدمة ضد كل من يختلفون معهم.. يقتلون البشر ويختلقون الأعذار لمجازرهم دون حياء أو خجل .

وأخيراً .. باتت بعض المحطات تعتمد على سلاح المذيعات الفاتنات!! .. جل مؤهلاتهن هو الجمال وحسن المظهر.. حتى بات الوجه الجميل عنصر جذب لبعض المشاهدين أكثر بكثير من المواضيع الإخبارية أو قدرات المذيعات في فن الحوار والتقديم.. ومثل هذه المحطات لها متابعين و"مغازلين" ومعجبين بالوجوه المغرية.. ولا أظن أن من يتابعها بالضرورة يتابع الأخبار!!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم