صحيفة المثقف

البعد الأخلاقي وأثره المجتمعي

حسن زايدحين يُدعي المرء للتجول في حديقة غناء، ويتجول بين أشجارها علي اختلاف أطوالها، وأغصانها، وأوراقها، وأزهارها، وثمارها، فإذا امتدت يده إلي زهرة من الزهور أو إلي ثمرة من الثمرات، بحسب ما تلذ عينه، أو تشتهي نفسه، لوجد في الزهرة رائحة تترك لذة في خياشيمه، يستقيم بها مزاجه، وتروق لها نفسه، ولوناً تطيب له النفس، وتستريح له العين، ويسلم به الإدراك. ولوجد في الثمرة لوناً ورائحة ومذاقاً، لوناً تستريح له العين، ورائحة يطرب لها الأنف، ومذاقاً يستلذ به اللسان.

ويرجع ذلك إلي أن في هذه الأشياء مظاهر الحياة، من نمو وإزهار وإثمار، وما فيها من لون ورائحة وذوق، ذاتي الوجود فيها، يصعب تغييره أو تعديله أو إلغاءه. وقد جعلت صالحة للأغراض البشرية.

أما الألوان الصناعية التي قد تبهر العين بشدة لمعانها وكثرة مشتقاتها وتنوع درجاتها فلا تجد لها في النفس أثراً من وجدان أو إدراك أو نزوع. ولا تجد لها في النفس شهوة، ولا في اللسان ذوقاً، ولا بين الأضراس مضغاً، ولا من الفم بلعاً. ومرد ذلك إلي كونها مصنعة مخلقة من مواد وأشياء ليست الروائح والألوان والطعوم ذاتية فيها.

ومثل الأخلاق كمثل الروائح والألوان والطعوم. فالطبيعي من الأخلاق كالطبيعي من الأشياء، والصناعي المخلق من الأخلاق كالصناعي المخلق من الأشياء.

والأخلاق الطبيعية هي تلك التي يتم بذر بذرتها من الصغر، بداية بالأسرة، مروراً بالمدرسة، مصاحبة لجماعة الرفاق، انتهاءًا بالجامعة. وبعد البذرة تجد لها الساق والجذور والنمو الخضري والفروع والأغصان. الأصل ثابت في الأرض، والفروع في السماء.

وإذا كان الفرد هو نواة الأسرة، والأسرة هي نواة المجتمع. فإن الفرد الذي هو الوعاء الذي تصب فيه المنظمومة الأخلاقية التي توارثتها الأسرة عبر أجيال، هو الناقل الأمين لتلك المنظومة إلي أسرة جديدة، وهكذا تتماسك المجتمعات أخلاقياً في إطار ما تعارفت عليه من معروف أو أنكرته من منكر. والأخلاق هي منظومة القيم التي تجلب الخير للإنسان، وتدرأ عنه الشر. وهي تمثل ضوابط للسلوك الإنساني. ومصدر الإلزام فيها هو الضمير أو الله عز وجل. وهي تنقسم من حيث مصدرها إلي أخلاق غريزية موروثة، وأخلاق مكتسبة من البيئة المحيطة. وتتم الممارسة الأخلاقية مع الله، ومع النفس، ومع الغير.

ومن مكارم الأخلاق: الصدق،الأمانة، الحلم،الأناة، الشجاعة، المروءة، المودة، الصبر، الإحسان،   التروي، الاعتدال، الكرم، الإيثار، الرفق، العدل، الحياء، الشكر، حفظ اللسان، العفة، الوفاء، الشورى،    التواضع، العزة، الستر، العفو، التعاون، الرحمة، البر، القناعة، الرضا.

ومن سوء الأخلاق عكس كل ما تقدم، أي الإتيان بمسالك تناقض مسالك مكارم الأخلاق.

ولا ريب أن مردود مكارم الأخلاق علي المجتمع يختلف عن مردود سوء الأخلاق. فالأولي مردودها إيجابي، والثانية مردودها سلبي، ويعد ذلك من نافلة القول. وتتم المعالجة المجتمعية لسوء الأخلاق عن طريق المجتمع بالإلتزام برادع اجتماعي عام يجري تطبيقه علي سيئو الطباع أو سيئو الأخلاق، فيجري تقويمهم إجتماعياً. والمجتمع السوي هو المجتمع الحامل لجينات التقويم الذاتي.

والإشكالية الأخطر في مسألة الأخلاق، ليست في الإتيان بفعل السوء المنافي والمناقض لمكارم الأخلاق، ولا في الإمتناع عن الإتيان بمكارم الأخلاق وسوءها، وهو فرض نظري جدلي يُساق من باب صيانة الإحتمال، وإنما الخطورة تتبدي في أمرين : الأول  في سكوت المجتمع عن فعل السوء دون تقويم، وفقدان المضادات الحيوية المقاومة لفيروسات أفعال السوء لديه. الثاني  في قيام مقترفو سوء الأخلاق بالتدثر بمكارم الأخلاق، أي أن سيء الأخلاق يظهر أمام الناس بمظاهر مكارم الأخلاق، وهو في الأصل يمارس سوء الأخلاق علي نحو أو آخر، وهو مستخفياً.

وهذه الفئة تمثل السوس "داء يأخذ الدَّابَّة في قوائمها أو يكون في عَجُزِها بين الوَرِك والفَخِذ يورثُ ضعفَ الرِّجل  قاموس المعاني" الذي ينخر في قوائم المجتمع وعظامه. مما يفضي بالضرورة إلي ضعف المجتمع وهزاله. وقد ظهرت هذه الفئة في المجتمع. والمجتمع مندفع في هذا الإتجاه بقوة دون أن يوقفه أحد. فهل إلي إيقافه من سبيل؟.

 

حسن زايد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم