صحيفة المثقف

التأمين على الحياة

محمد العباسيالتأمين عقد يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدي إلي المؤمَّن له أو إلي المستفيد، الذي اشترط التأمين لصالحه، مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو تعويضاً مالياً ،  في حالة وقوع حادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له للمؤمِّن (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس ص 365) .

أنا من عشاق البرامج الوثائقية المتعلقة بالجرائم والقضايا الجنائية على محطات "فوكس كرايم" و"ديسكفري ID" وغيرهما من محطات وقنوات.. ونلاحظ وفرة الجرائم في العالم وفي الولايات الأمريكية بالذات المتعلقة بالقتل والاحتيال بدافع الطمع في الحصول على تعويضات مالية متعلقة بالتأمين على الحياة !!  لماذا في أمريكا بالذات فهذا لا يرجع بالضرورة لكم المشكلات الأخلاقية المتفاقمة بقدر ما هو بسبب وفرة البرامج التلفزيونية والإخبارية التي تتناول كافة المواضيع ضمن الحريات الممنوحة لهم هناك.. فلا نجد في أغلب الدول الأخرى من يسلط الضوء على فضائحهم وفضائعهم مثل الولايات المتحدة والغرب بشكل عام !!

تخيلوا مثلاً رب أسرة يؤمن على حياته من أجل أن يحمي أفراد أسرته في حال وفاته.. لكن ينقلب السحر على الساحر.. يتعرض هذا الأب للخيانة الكبرى من أقرب الناس إليه.. من زوجته.. من أبنائه.. من أحفاده.. ممن ظن المسكين أنه يوفر لهم الأمن والأمان.. فيكيدون له مكيدة خسيسة تودي بحياته من أجل حفنة من النقود !!  بل لكم أن تتصوروا أن يقوم بالتأمين فرد على فرد آخر في ذات الأسرة ويكيد للضحية في غفلة من أمره بعد مرور فترة محسوبة حسب بنود عقد التأمين للحصول على التعويض المرتقب .

و كم من قصة لنساء قتلن عدة أزواج بالزرنيخ.. فهن تتزوجن مرة تلو أخرى في مدن مختلفة.. وتعملن على تسميم الزوج المغدور به عبر جرعات خفيفة من السم في الأكل على مدى شهور طويلة.. من أجل المال وبدافع الطمع.. وحالات أخرى تكون فيها "زوجة الأب" قد أمنّت على حياة ابن أو ابنة زوجها من أجل الاحتيال على شركات التأمين لصالح الزوج المؤمن له.. فتقتل المؤمن عليه أولاً وتنتظر حتى يحصل الزوج الغافل عن حقيقة الأمر على قيمة التأمين.. ثم تغدر به لترثه بعد ذلك!!  ومن القصص الموثقة إعلامياً أبناء قتلوا آبائهم وأمهاتهم من أجل تعويضات التأمين على الحياة أو الإرث.. ربما من أشهر القصص تلك التي تتعلق بالأخوين "منديز".. فقد قتلا والديهما في قصرهم في "بيفرلي هيلز".. كم هي قاسية قلوب كل هؤلاء وكم هي قذرة رائحة النقود الملطخة بالدماء!!

لربما كانت بعض القصص أشبه بالخيال .. فمثلاً ذاك الشاب الذي ظل يبحث عن الضحية المناسبة ليوهمها بالحب ويتزوجها.. وهو في باطن مخيلته المريضة يخطط لقتلها منذ البداية بعد أن أوهمها بأنه يفكر في مصلحتها حين جعلها توافق على طلبات التأمين على حياتها.. وفعلاً أمّن على حياتها مرة بعلمها، ومرات دون علمها لدى عدة شركات تأمين وصل عددها إلى أكثر من عشر شركات.. ثم قتلها قبل اكتمال السنة الأولى لزواجهما.. جاعلاً الأمر يبدو كحادثة وقوع من فوق صهوة جواد !!

قصص القتل من أجل تعويضات التأمين على الحياة كثيرة.. زوج أمريكي دفع بزوجته من أعلى جرف شاهق من أجل أكثر من أربعة ملايين دولار.. في حين الزوجة  المغدورة لم تكن على علم بالتأمين على حياتها.. وآخر افتعل حادثة بالسيارة من أجل 200 ألف جنيه إسترليني وبعدها بسنوات حاول تكرار نفس الخدعة مع زوجته الثانية من أجل 750 ألف جنيه.. والزوج النيوزيلندي الذي أغرق زوجته في بحيرة في كندا.. والزوج الإنجليزي الذي قتل زوجته بافتعال حريق في مسكنهما في بلجيكا من أجل نصف مليون جنيه إسترليني !!

الحمد لله كثيرا أن موضوع التأمين على الحياة في عالمنا نحن أمر نادر.. لربما سمعنا عن بعض قصص محاولات خداع شركات التأمين لدينا من أصحاب السيارات القديمة أو المشاريع التجارية الفاشلة بالحرق أو افتعال الحوادث من أجل الحصول على تعويض مناسب لا أكثر!! على الأقل في الحديد والحجر وليس في البشر!!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم