صحيفة المثقف

سأعود بعد ساعة

صبيحة شبرحلق زوجي ذقنه، ارتدى ملابسه الجميلة وتعطر، وخرج قائلا انه سيعود بعد ساعة، انقبض صدري، أحسست أن الغرفة تصغر شيئا فشيئا حتى تضيق علي، لم اطلب مرافقته في الخروج إذ أني اعلم مسبقا انه سيرفض قائلا:

- وهل تعدين علي أنفاسي؟

رتبت الغرفة، جمعت الصحون، غسلتها، فتحت التلفاز، رأيت برنامجا سخيفا، أغمتني مشاهدته، ثم أغلقت الجهاز، أدرت مفتاح المذياع على مقطوعة موسيقية تعجبني،رقصت على أنغامها، عملت فنجان قهوة، وبعد أن شربته وقرأت الفنجان لنفسي عرفت الأمور التي أتوقعها في حياتي، نظرت في ساعتي فوجدت أن زوجي قد غاب أكثر من أربع ساعات، سيطر علي قلق شديد، وخفت أن زوجي ذهب في زيارة صديقه المريض وكان عند ذلك الصديق رفاق آخرون، وتحدث الجميع في بعض أمور الساعة وأوضاع الوطن , واختلف معهم زوجي في وجهات النظر وكعادته في كل اختلاف أخذ يضرب رأسه بالحائط، نظرت إلى زوجي وإذا بالدماء تسيل من رأسه وجبهته، وأصدقاؤه غارقون في مناقشتهم، فلا أحد ينجده أو يأخذه إلى الطواريء، فكرت أن أذهب إلى بيت ذلك الصديق، لكني لا أعرف أين يقع، كل ما أعلمه أنه يسكن في شقة تقع خلف مقهى الباليمة الواقعة في شارع محمد الخامس الكائن في الرباط، زاد قلقي وتضاعف، توقعت أن يتصل بي أحدهم ويخبرني عن الحدث الأليم، جلست قرب الهاتف، لكن خوفي المشتد لم يدعني أستطيع الجلوس، فوقفت قرب الجهاز انظر إليه بجزع متوقعة أن يرأف لحالتي وينقل إلي النبأ الحزين، طال انتظاري، ذهبت إلى الشرفة، عل أحدهم يأتي بسيارته ويراني، كنت اطل من الشرفة ناظرة الى جميع الجهات، آملة أن تأتي السيارة، وفيها أحد الأصدقاء لأخباري، ولكن دون جدوى، كان أحد المتطفلين يطيل النظر إلي، فالتفت إليه فغمز فلجأت إلى داخل الغرفة، فكرت في الخروج من الشقة والوقوف أمام العمارة، فطال وقوفي دون طائل، خشيت أن يكون الهاتف قد رن أخيرا، وان وجودي بالخارج قد يحرمني من سماع النداء، فصعدت مرة أخرى

 ألحت علي الفكرة من جديد،  استولى علي باعث قوي أن أقف في الشرفة لعل أحدا يخبرني بما حدث، الرجل المتطفل ما زال في مكانه ينظر إلي بلا حياء، اضطررت إلى الدخول، توسلت إلى الهاتف أن يرن ولكن عبثا يبدو انه غادر الحياة فلم يعد يشعر بمعاناتي، فكرت من جديد وعاودتني الفكرة السابقة بأن أذهب إلى منزل الصديق، ولكن كيف؟ راودتني فكرة جديدة وجدتها جديرة بالتطبيق، وهي أن أذهب إلى مقهى الباليمة وأعرج على الشارع الواقع خلفها، وهناك أعثر على المنزل

خرجت من الشقة وأنا أسرع الخطا، لحقني الرجل، ضحكت إحدى العجائز وكانت تسير بالقرب مني، خفت أن يعود زوجي مهشم الرأس  معصوب الجبين والعينين خلال خروجي ويجد الباب  مقفلا، عدت أدراجي، عاد الرجل ظنا أن عودتي من أجله، أسرعت صاعدة إلى شقتي، وضعت المفتاح في القفل، وانا لا أقوى على الوقوف، أقفلت الباب على نفسي وقلقي قد بلغ أوجه، بقيت أتنقل بين الشرفة والهاتف حتى عطف علي أخيرا ورأف بحالي

- الو سهام أنا في منزل احمد صحبة أصدقائي سأتناول كأسا آخر وأعود...

 

صبيحة شبر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم