صحيفة المثقف

الثرثارة

صبيحة شبرلم أظن يوما ان تهديدهم لي سوف يكون حقيقة، حين اقول شيئا، لايتفقون معي في جدواه، او صحته

- سنقطع لسانك، نشويه ونرميه للكلاب السائبة...

لم احمل وعيدهم ذاك على محمل الجد، مضيت اقول ما اعتقد بصحته، واعمل ما ارى انه يوافق نفسي، ويتلاءم مع شخصيتي، ولم تكن اقوالي بتلك القوة، التي تجعلهم يقدمون على تنفيذ ما وجههوه لي  من وعيد.

- سوف نرغمك على الصمت.

ورغم كل شيء فأنا احبهم، واجدهم قريبين جدا من نفسي، وليس لي أحباب آخرين سواهم، وان كانت كلماتهم الموجهة لي، تحمل بعض المداعبة القاسية، فاني سرعان ما أتناساها ، فكيف يمكن للأحبة ان يسيئوا الى من يحبهم، ويحمل لهم في قلبه العواطف الجياشة،والمشاعر الرائعة، ومضت الايام تصاحبني، وتبدي حيادها الشديد نحوي، فلم اكن أحلم  أن تريني وجها مبتسما دائميا، ولقد قنعت بما  يمنح لي من فتات الحنان، ومن برودة، وطنت عقلي على القبول بها، لم أتوقع مزيدا، لم أناقش او ابدي اعتراضا على قول معين، او اشارة يبدو منها الهجوم القاسي، كل ما افعله هو الابتسام بقوة،أمام الادعاءات الكثيرة التي توجه ضدي، 

وجهت لي التهم المختلفة،  وحيكت الدسائس ونظمت الأقاويل ، ودبجت المزاعم، وما كانت تلك الادعاءات بقادرة على زعزعة نفسي، والإساءة الى اطمئناني الداخلي، فانا اعرف نفسي تمام المعرفة، وأدرك ان اللائمين لا يتطلعون الى الصدق، في مزاعمهم المتنوعة، والى الحقيقة فيما ذهبت اليه ظنونهم المتضاربة، كل ما يطمحون اليه ان يروني لقمة سائغة في أفواههم، يشكلونها وفق تطلعاتهم وبما يتناسب مع رغباتهم الكثيرة، في سلب الثقة من النفوس، وجعل الإنسان يبدو صغيرا في نظر نفسه، ليسهل عليهم إرغامه على فعل ما تشاء عقولهم..

انظر الى من يتهمني، ويصفني بصفة بعيدة كل البعد عن حقيقتي، نظرة  ثابتة ، يجد التهام من يقف أمامه، قويا، واثقا،  ليس من اليسير افتراسه بشتى التهم، والنعوت النائية عن المنطق، سرعان ما تظهر عليه علائم الخيبة والشعور بالإحباط، ان ما خطط له من إثارة الآخر والانقلاب عليه، لم تأت اكلها ومرت كما تمر كل عاصفة هوجاء، فتهدأ الأمور ويعود كل شيء الى نصابه، وكثيرا ما كنت اسمع ذلك التبرير الذي لايقنع طفلا:

- عذرا، لم اصدق المزاعم الباطلة

وحين اطيل النظر إليه، عله يفصح عن السبب  الواضح،الذي حدا بمثله الى اطلاق التهم جزافا، يسارع الى القول وكأنه يقرا دخيلة نفسي :

- انهم يزعمون بما قلت لك، ولولا الصداقة الحميمية بيننا لم انقل لك ما يفترونه

وكل مرة ارى نفسي قوية، لايمكن للاقاويل المختلفة ان تنال من عزيمتها، ولا تقدر الاكاذيب ان تنطلي على كل الناس الذي احبهم، واجد نفسي حريصة على الدفاع عن ذاتي امامهم، و ألفي علامات التكذيب واضحة على محياهم،اكتفي بان براءتي ظاهرة، وان التهم مهما بلغت قوتها، فإنها غير قادرة على  تبديد الثقة التي يمحضها الأصدقاء الأعزاء لي..

ولكن هذه المرة، أجدها  تختلف كثيرا عن المرات السابقات، تهمة بسيطة توجه لي، فانفعل أمامها وأثور، ويرتفع صوتي محاولة الدفاع، دون أن أتمكن من احسان اقناع الاخرين بسلامة موقفي:

- انت ثرثارة وماجنة

من يعرفني يدرك، ان التهمتين بعيدتان عني كل البعد، فلماذا اثور بهذا الشكل الفظيع، واجد الغضب مسيطرا على انفاسي، سالبا منها هدوء اليقين، والقدرة على الكلام، وغالبا ما كنت أجابه بانني قليلة الكلام كثيرة الصمت،  لااحسن الحديث الا بعد اعمال الذهن، والتفكير جليا في عواقب الامور وتبعاتها، فانصرف الكثيرون عن صحبتي ومل الاصدقاء عن معاشرتي

اجد نفسي اليوم مندفعة في محاولة نفي التهمة، والتي لم تكن  من التهم الجسام،التي تسيء الى المرء او تفقده المروءة والعزيمة وحب الناس..

- انتم كاذبون تعساء، تكيلون التهم للنفوس البريئة،وتتعدون على من يؤثر السلامة منكم،محاولا النأي عن اسالبيكم الجهنمية

تتدفق الكلمات ولا اجد في نفسي،مقدرة على الإمساك بلساني الراكض، او الحيلولة دون انطلاق الزمام الفالت، فأحاول السيطرة على ما بدر مني من ضعف وتصحيح الحال، وجعله ينقلب الى صالحي، لكن الأمر بدا أكثر صعوبة، مما كنت أظن

تنطلق دعوة سريعة

- انها تهذي، هاتوا اللجام

ماذا جرى؟ هل يمكن ان تكون الكلمات، ذات مضمون حقيقي هذه المرة ؟، هل يسخرون مني؟ أم إنها دعوة جادة هذه المرة؟

-  اللجام ؟ ولي أنا؟ قبحكم الله و أبعد عنكم الرحمة، هل اللجام لي؟

تتسارع الايدي، يضعون اصابعهم على فمي، يخرج احدهم  ابرة كبيرة من جيبه،وضعت في خيط طويل .

اسمع نداء اتيا من خلفي

- اخيطوا فمها، عليها اللعنة، كم تحب تزويق الكلام .

وقبل ان اتمكن من الدفاع عن نفسي، من أياديهم الكثيرة المسرعة الى تكبيلي  اسمع صوتا صارخا

- عليك اللعنة، تسكتين دهرا لتنطقي  كفرا

 

صبيحة شبر

1 شباط 2009

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم