صحيفة المثقف

منطق الجهل في التقليد

محمد العباسيكثيراً ما نتهم الآخرين بالذات في تلك الدول المسماة حسب موقعنا وموقعهم الجغرافي بالدول الغربية بأنها تحيك لنا المؤامرات وتتمنى لنا التخلف والانشغال بتوافه الأمور في الحياة.. لكننا كثيراً ما نكون نحن من نضع أنفسنا في مواقع وظروف لا يجب أن نلوم فيها إلا أنفسنا بالدرجة الأولى والأخيرة. كيف لنا الرقي في الحياة وكلنا مقلدون لهذا الغرب في كافة الأمور السلبية ولا نستفيد من تجاربها وإخفاقاتها وبالتالي لا نتعلم منهم ما يفيدنا من دروس الحياة. نترك أبنائنا لقمة سائغة مثلاً للتجرع من كافة السلبيات المشحونة في الأفلام الأجنبية وعبر أثير الشبكات العنكبوتية دون حسيب ولا رقيب.. ثم نتباكى على اللبن المسكوب.. نقلد سيئاتهم في الملابس والمشارب والعادات الوقحة وكأن ذلك هو عنوان التقدم والرقي وجل ما يأخذنا من مستنقعنا القذر إلى مستنقعات آسنة وطبائع فاسدة مفسدة بلا أدنى مراعاة لرقي حضارتنا وسمو ديننا الحنيف الذي يسمو بنا فوق كافة الحضارات البائدة المليئة بالظلم والموبقات.

حين ننظر قليلاً إلى الهنود مثلاً ونرى شغفهم بلعبة "الكريكت" هل نرى في ذلك حتمية تشّبه الهنود بالإنجليز ومحاولة منهم مجاراة أسيادهم المستعمرين و"الرقي" إن جاز القول لمرتبة الإنجليز منذ كانوا هم الأسياد في الهند وتوابعها؟ أما آن لهؤلاء أن يخلعوا أثواب الخنوع والتبعية ويستحضروا من حضارتهم العظيمة أنشطة تحفظ ماء وجوههم بدلاً من الإصرار على التشبه بهؤلاء الإنجليز المستعمرين المفسدين؟ الشعب الأمريكي المنحدر من المستعمرين الإنجليز للقارة الأمريكية أخذوا ذات اللعبة وحولوها إلى "البيسبول" وطوروا لعبة "الرغبي" الإنجليزية إلى لعبة "كرة القدم الأمريكية".. وكأنهم يصرون على الانسلاخ من أصولهم الإنجليزية لتكون لهم شخصيتهم الخاصة بهم.. رغم أنهم في الأصل من الإنجليز.. بل من اللصوص والمجرمين ممن كانت بريطانيا تبعدهم عن الوطن الأم إلى المستعمرات الجديدة !!

 وعندنا نحن تقليد أعمى حتى في الأكلات المحرمة علينا كمشتقات الخنزير والمشروبات الكحولية.. كيف؟ لقد صنعنا أنواعاً من البيرة الخالية من الكحول.. بل وضعناها في زجاجات تشبه المنتجات الكحولية وبذات الطعم والرائحة.. وكأننا نقول لشبابنا لا بأس بالتشبه بهم.. ولا ضير في التعود على الشرب من زجاجات البيرة والنبيذ.. وقمنا بصنع أنواع "النقانق والسلامي والبسترامي" ومنتجات من اللحوم الحلال على أشكال منتجات من لحوم الخنزير.. هي في مجملها حلال ولكنها دعوة مفتوحة للتعود على تقبل مثل هذه المنتجات وعدم استهجانها.. بل ربما حتى تقبل أكل المنتجات "الخنزيرية".. وكثيراً ما يتناول العرب النقانق (هوت دوغ) والهامبرغر المصنوعة من لحوم الخنزير دون وعي ودون تردد في شوارع لندن وباريس .. بل لنقل دون تفكير أو تمعن فيما يطلبون.. فقط لأنهم تعودوها في بلدانهم على أنها مسلمات مقبولة.. رغم أن كلمة "هام" في الهامبرغر تعني لحم الخنزير.. والأجدر بنا أن نتعلم كيف نطلب الـ "بييفبرغر" .. فكلمة "بييف" تعني لحم البقر.

بل حتى "الشاورما" في بلدان الغرب كثيراً ما قد تكون من لحوم الخنزير أو خليط من اللحوم.. العرب والمسلمون كثيراً ما يطلبونها دون وعي أو سؤال في المطاعم الأوروبية.. وكثير من اللحوم المستخدمة في صنع البيتزا قد تكون أيضاً من منتجات الخنزير.. والعرب "هات" وهل من مزيد !! .. فقط لأنهم تعودوا أكلها في أوطانهم.. وصارت من المسلمات بأنها حلال. فما أحلى "باجة الكراعين والراس" .. بل حتى هذه الوجبة باتت تشكل لمن لا يسأل مشكلة.. فلي قريب تناول من "الكراعين (الكوارع)" الطرية حتى الشبع في بانكوك قبل أن يكتشف حقيقتها الخنزيرية.. بعد العديد من الوجبات التي كان يجلبها لعائلته كل صباح !!

و التقليد الأخرق عندنا بات في كافة الأمور.. في الملبس والتصرفات والعادات البذيئة وفي تطاول الأبناء على أولياء الأمور.. وحماقات نستقيها من الأفلام والقصص التي بالتأكيد لا تناسبنا.. بات الشباب يتشبهون بالبنات والبنات تتشبهن بالأولاد.. وزادت عندنا حالات الشواذ بكل علانية.. و"البويات" و"السحاقيات" و"المخنثين".. وظهرت لدينا أنواع الملابس الممزقة الأطراف وقصات الشعر الغريبة كالطواويس والببغاوات.. فلم نعد نفرق بين هذا وتلك وما بينهما.. وبعض النساء المحشورات في ملابس ضيقة تكاد تتفتق.. وأزواج يتمشون مع زوجاتهم وبناتهم وهن شبه عراة.. كافة المفاتن تستصرخ العيون "للتمقل" فيها.. كاسيات عاريات.. بلا قطرة حياء.. والزوج العربي المسلم "فرحان قوي".. تحت مسميات الموضة.. الحرية.. الر قي والانفتاح.. التقليد الفج.. وكثيرة هي مسميات "الدياثة" هذه الأيام !!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم