صحيفة المثقف

القوة الناعمة رؤية مصرية

حسن زايدالأمر يتعدي حدود المعرفة النظرية التي يلتجيء إليها رواد المقاهي أو الصالونات الثقافية أو مراكز الأبحاث المتخصصة أو في قاعات الدرس في الجامعات للثرثرة، إزجاءًا لوقت الفراغ، وطرداً للملل. إذ المعرفة النظرية في هذا المجال وحدها لا تجدي، والثرثرة فيها بعيداً عن المجال الحيوي لها درباً من دروب العبث؛ لأنها تمتد بتشعباتها داخل مسائل استراتيجية متعلقة بالأمن القومي لأي بلد ومن بينها مصر.

الأمر يتعلق بما أصبح متداولاً، وربما معروفاً، في الأوساط الثقافية، وهو مصطلح القوة الناعمة. والقوة الناعمة ببساطة، ودون الدخول في شبكة التعريفات المعقدة والإصطلالاحية، هي القدرة علي التأثير علي الغير، لتحقيق الأهداف العامة المرجوة، والمخطط لها، دون الحاجة إلي اللجوء إلي استخدام القوة الخشنة أو الصلبة لتحقيق هذه الأهداف.

والأصل في اختراع هذا المفهوم وصناعته وصياغته يرجع إلي الولايات المتحدة الأمريكية، بعدها أصبح المصطلح أكثر تردداً في العلاقات الدولية. فقد صاغه ووضعه الدكتور جوزيف س ناي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ووكيل وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاجون " في عهد الرئيس الأمريكي ألأسبق / بيل كلينتون. ولم يكن ذلك بمفرده، وإنما برفقة عدد من أساتذة الإستراتيجية، الذين تم تكليفهم من قبل مركز الدراسات الإستراتيجية والسياسية بإعداد تقرير لمراجعة "مفهوم القوة". وقد استغرق البحث واعداد التقرير سنة كاملة.

وقد قام جوزيف س ناي بعد ذلك بتطوير المفهوم، وتقديمه في كتابه: "القوة الناعمة"، والذي نقله إلي العربية مترجماً الأستاذ / محمد توفيق البجيرمي. فأصبح المصطلح ملكاً له، ويعزي إليه.

ويبدو أننا في عالمنا العربي لا نفترق كثيراً في التعامل مع المصطلح عن دونالد رامسفيلد ـ السياسي الأمريكي المخضرم ـ الذي قال في معرض إجابته عن تساؤل قد وجه له عن مفهوم القوة : " أنا لا أعرف ماذا تعني ". والفرق بين فهمنا وفهمه فرقاً ظاهرياً. فإجابة رامسفيلد تعني عدم القناعة بهذا المفهوم، لأنه يتصور القوة الناعمة نوعاً من الضعف في مواجهة الغير، والضعف يحرض الآخرين عليك. وتصوره هنا لا يخلو من منطق، إلا أنه ربما غاب عنه أن القوة تأتي بمظاهر كثيرة من حولها، وأن القوة الناعمة ليست ضعفاً، وإنما هي شكل من أشكال القوة.

بينما رؤيتنا تقف عند حدود رؤية رامسفيلد، دون التوغل في أبعادها، وقد عبر عنها أسامة ابن لادن، آخر من استخدم القوة الخشنة ضد الهيمنة الأمريكية، وذلك بقوله: "إن الناس يحبون الحصان الأقوي" غير مدرك للقوة الناعمة التي يحملها الإسلام بين جنباته. ولا يفهم الأهمية الحساسة للقوة الناعمة.

وقد كان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أكثر إدراكاً ووعياً وفهماً وحصافة في فهمه لمصطلح: "القوة الناعمة"، حيث قال في معرض رده علي سؤال عن سبب تركيز الولايات المتحدة علي القوة الصلبة فقط بدلاً من القوة الناعمة : "إن الولايات المتحدة قد احتاجت إلي قوة صلبة لتكسب الحرب العالمية الثانية". وقد استدرك قائلاً : " ولكن ما الذي أعقب القوة الصلبة مباشرة؟. هل سعت الولايات المتحدة للسيطرة علي أمة واحدة في أوروبا؟. كلا. فقد جاءت بالقوة الناعمة في خطة مارشال. وقد فعلنا الشيء نفسه في اليابان ".

وقد نجح باول في إبراز أهمية " القوة الناعمة "، حيث أبرز أن الولايات المتحدة الأمريكية وإن كانت قد استخدمت القوة الصلبة الخشنة لمرة واحدة، فإنها قد استخدمت " القوة الناعمة " ثلاث مرات: الأولي ـ الإمتناع عن احتلال الأمم الأوربية المنهزمة، كما كان يجري في نظام الإستعمار القديم. الثانية ـ عمل خطة لإعمار الدول الأوربية التي خربتها الحرب فيما عرف اصطلاحاً بمشروع مارشال. الثالثة ـ عمل نفس الشيء مع اليابان.

وربما لا تعد الولايات المتحدة الأمريكية النموذج الأمثل في تطبيق القوة الناعمة علي طول الخط واستقامته، فقد سقطت في فخ استخدام القوة الصلبة ـ بإرادتها ـ في بعض مناطق الصراع، وتناست تماماً فكرة القوة الناعمة. الأمر الذي دفع رئيس مجلس نواب، سابق في معرض تعليقه علي نهج إدارة بوش الإبن في العراق إلي القول: " : أن المفتاح الحقيقي ليس في عدد الأعداء الذين أقتلهم، بل إن المفتاح الحقيقي هو عدد الحلفاء الذين أكسبهم، وهذا مؤشر مهم لا يفهمونه أبداً ".

فما هي القوة الناعمة ؟.

القوة الناعمة هي القدرة علي الحصول علي ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال. وهي تنشأ من جاذبية ثقافة بلد ما، ومثله السياسة، وسياساته. فعندما تبدو سياستنا مشروعة في عيون الآخرين، تتسع قوتنا الناعمة.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية؛؛؛؛

 

 حسن زايد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم