صحيفة المثقف

نـصٌّ مـفـتـوح

يحيى السماوي

بَـلـغـتُ مـن الـنـدامَـةِ أنَّ قــلـبـي

بـهِ مـن صـخــرِ مـنـدمـةٍ جـبـالُ

 

 

أيـتـهـا الـجـمـيـلـة كـرغـيـف خـبـز فـي عـيـن جـائـع  ..

الـرشــيـقـةُ كـرمحٍ سـومـريّ ..

الـمـنـتـصـبـة كـمـئـذنـة  ..

*

الـعـذبـة كـطـعـم  أوّل قُـبـلـة  ..

الـواضـحـة كـغـضـون جـبـيـنـي  ..

الـغـامـضـة كـخـطـوطِ راحـةِ يـدي  ..

الــهـادئـة كـالـتـبـتُّـل  ..

الـصـاخـبـة كـالـشـبـق:

*

شَـفـةً واحـدةً كـنـتُ

وحَـرفـاً مُـبـهَـمـا

*

وطـريـقـاً  مُـشـمِـسـاً مُـعـشـوشِــبَ الـصـخـرِ

ولـكـنـي خُـطـىً تـشـكـو الـعِـمـى

 

ضـائـعـاً أنـزفُ طـيـشـاً

لا  دَمـا

*

ثـمَّ لـمّـا أرضَـعَـتـنـي

مـن نـدى وادي زهـور الـلـوزِ إيـنـانـا:

تَـحَـوَّلـتُ فـمـا

*

وبَـيـانـاً أتْـعَـبَ الأوراقَ فـي الـركـضِ

وأضـنـى شـفـتـي والـقَـلَـمـا

*

رسَـمَـتْـنـي مَـطـراً

يـهـطِـلُ تِـسـكـابـاً عـلـى صـحـراءِ صـمـتـي نَـغَـمـا

*

وحـبـوراً

يـســتـفـزُّ الـحُـلُـمـا

 

فـأعَـرْتُ الـكـهـفَ شـمـسـاً

ودهـالـيـزَ الـمـنـافـي  أنـجُـمـا

*

لـم  يـعـدْ يـعـرفُ قـامـوسـيَ " يـا  لـيـتَ "

ولا مـعـنـى " عـسـى "

أو " ربَّـمـا "

 

***

(هناك سعادة واحدة فقط في هذه الحياة: أنْ تُحِبّ ، وأنْ تكون محبوبا)

"جورج صاند"

لـكِ الألـقُ الـبـهـيُّ ولـيْ الـظِـلالُ

فـنـحـنُ مـعــاً صَــلاةٌ وابــتـهــالُ

 

ونـحـنُ إذانُ مِــئـذنـةٍ تــمـاهـى

بـهــا قـلــبــاً وأحـداقـاً " بـِـلالُ "

 

بَـلـغـتُ مـن الـنـدامَـةِ أنَّ قــلـبـي

بـهِ مـن صـخــرِ مـنـدمـةٍ جـبـالُ

 

تــبـاعَـدْنـا فـصـرتُ الـى مـحـاقٍ

وعـدتِ إلـيَّ فـاكـتـمــلَ الـهــلالُ

***

هـذ الـبـحـرُ الـهـائـجُ  كـيـف أعـبـرُهُ

إذا كـانـت الـمـيـاهُ مـن لـهـيـبٍ وزرقـي مـن وَرَق  !

بَـوْصَـلـتـي عـمـيـاء ولـيـس مـن شـمـسٍ أو قـمـر:

*

شـفـيـعـي  لـو جَـنـحـتُ عـن الـصَّـوابِ:

جــنــونُ الــشــوقِ لا نَــزَقُ الــشـــبـابِ

 

مَـحَـضـتُـكِ فـي الـهـوى قـلـبـاً وعــيـنـاً

وحـرفـاً ـ فـي الــصَّـبـابـةِ ـ لا يُـحـابـي

 

أنــامُ عــلــى ســـريــرٍ مــن هــــيـــامٍ

وبـيْ شــوقُ الـضـريـرِ الـى الـشِـهـابِ

 

لــئــنْ أنـجـيْــتِــنـي مـن جَـمــرِ يـومـي(*)

لأغــدوَ كــالــصَّــلاةِ مــن الــثــوابِ

*

جـسـدُكِ لـيـس سـفـيـنـة نـوح

فـكـيـف جـمـعـتِ فـيـه زوجـاً مـن كـلِّ لـذة

وبـتـلـة نـجـومٍ مـن كـلِّ ســمـاء؟

***

أذكـرُ يـومـاً سـألـتـنـي إيـنـانـا:

مـاذا تـطـلـبُ  حـيـن تـمـوتْ؟

 

قـلـتُ: سـأطـلـبُ أنْ يُـوْسَـعَ قـبـري شِــبـرَيـنِ

وأنْ يُـنـسَـجَ  لـيْ كَـفـنٌ خُـوصـاً  (**)

ومـن الـجِـرِّيـدِ الـتـابـوتْ

 

ويُـعَـطِّـرَنـي مـنـكِ زفـيـرٌ

وهـديـلٌ يُـلـبِـسـنـي ثـوبَ سـكـوتْ

*

قـلـمـي  ـ  لـمـاذا يُـعـلـن الـعـصـيـانَ عـلـى أصـابـعـي

والـسـطـورُ تـهـربُ مـن الـوَرَقـة  ..

والأفـكـارُ تـتـحـجَّـرُ فـي رأسـي :

حـيـن أعـتـزمُ الـكـتـابـة عـن غـيـرك؟

ومـحـراثـي : لـمـاذا لا يُـجـيـدُ تـقـلـيـبَ الـجـمـر

إلآ فـي تـنُّـورك؟

 

وحـشـانِ يـقــتــتـلانِ فـي جــســدي:

نـدمي عـلى أمـسـي ورعـبُ غـدي

 

لــو كـانَ  يُــرجِـعُ مُــتْــلَــفــاً نــدَمٌ

لَـعَـضَـضْـتُ قـلـبي لا فـمي ويـدي

 

مـولايَ تــوبَــةَ صــادقٍ فــأغِــثْ

مُــتــبــتِّــلاً مــا عــادَ ذا فَـــسَـــدِ

 

أنـا خـيـمـةٌ عـاثَ الــزمـانُ بــهـــا

فــغــدتْ بــلا حــبــلٍ .. ولا وَتــدِ

 

*

أكـلُّ مـا هـطـلـتُ بـه عـلـيـكِ مـن أمـطـار

ومـا قـدتُـهُ إلـيـكِ مـن يـنـابـيـع

 

وأرضُـكِ الـخـصـبـةُ لـم تُـنْـبِـتْ عـشـبـةً واحـدة

لها سُـمـرةُ رغـيـفـكِ  وبـيـاضُ طـحـيـنـي   !

وحـدُهُ واديـكِ مـا يُـغـوي سـيـولـي بـالـتـدفّـق  ..

ولا كـبـئـر أنـوثـتـك مـا يـمـلأ دِلاءَ رجـولـتـي نـمـيـرا  ..

وحـدُهـا تـفـاحـتـك  تـسـتـحـقُّ أنْ أُطـردَ بـسـبـبـهـا مـن الـجـنـة  ..

مـنـذ أدخَـلـتِـنـي فـردوسـكِ وأنـا لا أمـنـيـة لـي

فـالـمـقـيـمـون فـي الـفـردوس لا يـتـمـنـون شــيـئـا    ..

 

بُـعْـدَ الـضـلـوعِ غَـدَوتِ مـن أثـوابـي

فــتــقــرَّبـي كـالـجـفـنِ مـن أهــدابـي

 

لـيْ يـا زهـورَ الـلـوزِ لـهــفـةُ نـاسِــكٍ

لِــبـخـورِ  مـحــرابٍ وخــبــزِ كــتـابِ

 

تـدريـنَ أنـكِ مـن حـديـقـةِ مُــقــلــتـي

كالــمـاءِ مـن كـأسـي ومـن أعـشـابي

 

وهَــبَـتْـكِ فـاخِـتـةُ الـفـراتِ هَـديـلَـهــا

وأنـا وهَــبْــتُــكِ مـن جــنـونٍ مـا بـيْ

*

أيـتـهـا الـشـجـرة أريـنـي جـذورَك

لأعـرفَ سِــرَّ تـسـاقـطـي عـلـيـكِ جُـوعـاً جَـنِـيـّـا

وأنـا أتـسـلّـقُ جـذعَـكِ قـبـلـةً قُـبـلـة

 

لأقـتـطـفَ تـفـاحـتـكِ الـمُـحـرَّمـة

سـريـري وطـنٌ أنـتِ عـاصـمـتـه

وأنـتِ مـلـكـةٌ أنـا شـعـبـهـا

أتـرتـديـن الـمـرايـا؟

 

جـسـدُكِ أعـشـى عـيـنـيّ ..

مـذ نـامـتْ مِـكـحَـلـتُـكِ ومِـروَدي  فـي سـهـاد  ..

حـرائـقـي الـوحـشـيـةُ الـنـيـران

هـل كـانـت سـتـنـطـفـئ لـولا  نـيـرانـك؟

 

وشـيـاطـيـن ظـنـونـي

مـن كـان سـيُـخـرجـهـا مـن جـسـدي

لـولا مـلائـكـة يـقـيـنـك؟

 

فـبـأيِّ آلاءِ نـورنـا يُـكـذّبُ الـظـلام؟

 

إلـيَّ بـحـزنـك لأغـسـلـهُ بـفـرحـي

لا بـأسَ مـن دخـولـي الـجـحـيـم إذا كـان سـيـفـتـح لـك بـاب الـجـنـة

 

أنـا الـواقـفُ عـلـى أعـتـاب سـمـائـك الـسـابـعــة

وقـوفَ شـحّـاذٍ عـلـى عـتـبـة مـسـجـد

بـاســطـا راحـة قـلـبـي

مُـسـتـجـديـاً خِـدرَكِ صـدَقـة !

 

مـن سـتـةِ أنـهـارٍ

وصـحـارايَ مـلاذٌ لـلـواحـاتِ

تُـطَـرِّزهـا أسـرابُ ظِـبـاءْ

 

حـيـن تـكـونُ لـهـيـبـاً

أغـدو مـاءْ

 

وأنـا حـيـن أكـونُ ظـلامـاً

تـغـدو نـهـرَ ضـيـاءْ

 

نـقـتـسـمُ الـضَّـراءَ نـشـاوى

قـبـلَ يـواقـيـتِ الـسَّـرّاءْ

***

يحيى السماوي

ملبورن 2/11/2018

..........................

(*) إشارة الى قوله تعالى: (لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)

(**) الخوص: ورق النخل .. والجرّيد: السعفة بعد  نزع أوراقها .

 

 

 

 

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم