صحيفة المثقف

اكتساب اللغة الإنجليزية وسيكولوجية تعلم اللغات

محمد العباسيكيف نتعلم ونكتسب المعلومات ونستفيد مما نكتسب في الحياة؟ فالشكوى العامة لدى الكثيرين من طلبة العلم تتعلق بمفهوم خاطئ جداً، ويكررها الطلبة في أغلب المراحل التعليمية، بأن ما نتعلمه لا يمت بعلاقة بما تتطلبه الحياة.. أو أن المعلمين بشكل عام لا يجيدون فن توصيل المعلومات وإيضاح كيفية علاقتها بحاجاتنا الحياتية.. ويفشلون في رفع مستوى دوافعنا لتلقي المعلومات والعلوم والمهارات والإستفادة الفعلية منها في واقعنا وحياتنا اليومية.. ويتكرر التعليق بأن أغلب المعلومات لا صلة لها بالحياة الفعلية وغير ضرورية.. وهكذا يكرر المتعلم ذات المقولة ويجعلها "شماعة" يعلق عليها الفشل في الربط بين كم المعلومات ومجالات الإستخدام الفعلي لها.. فيفقد التعليم أهم ركائزه وكأنه مضيعة للوقت والجهد والتحصيل.

كانت دراستي لنيل شهادة الدكتوراة حول "سيكلوجية تعلم اللغات"، ومجال رسالتي كان حول مفهوم "الدوافع" التي تدفع المتعلم نحو قبول تعلم اللغة الإنجليزية وتقدير فوائدها ومجالات إستخدامها في كافة مناحي الحياة.. وقد بينت الدراسة بشكل عام أن أغلب الطلبة يقدرون مدى أهمية اللغة الإنجليزية، حيث أنها قد باتت اللغة المطلوبة لأغلب التخصصات الجامعية، سواء في الجامعات المحلية أو العالمية.  ومثل هذا الإيمان بضرورة اللغة الإنجليزية يُعتبر من أقوى الدوافع التي من المفروض أن تدفع بالجميع نحو بذل أقصى الجهود الممكنة لإكتسابها وإتقانها.. غير أن نتائج الطلبة عادة تكون مخيبة للآمال.

الحاجة موجودة ومعلومة، لكن يعيبها الجهد الكافي من جانب المتعلم، كما تفتقد للتذكير الدائم والتركيز من جهة المعلم بضرورة تعلم اللغة وشرح مجالات إستخداماتها في الحياة العامة وفي الدراسة وكمتطلب أساسي للتوظيف ومدى فوائدها في السفر والترحال.. وهذه المشكلة لا يتم علاجها والإهتمام الكافي بها في المراحل التعليمية الأولى.. لذا لا يعاني منها الصغير كثيراً، حتى يكبر ويعمل على إجتياز إختبارات القبول في الجامعات مثلاً.. ليكتشف كم أضاع من وقته في المراحل التعليمية الأولى، في حين تقول المقولة "التعليم في الصغر كالنحت في الحجر"!

أنا شخصياً درست اللغة الفرنسية في مرحلة البكالوريوس، لكنني أعترف بأنني لا أجيد الفرنسية اليوم، حيث أنني لم أجد لها مجالاً للممارسة طوال حياتي الماضية، حتى لم أعد أذكر لأحد بأنني درستها ذات يوم.. وربما ينطبق هذا على طلبتنا الصغار، حيث أن غالبيتهم العظمى لا يمارسون اللغة الإنجليزية خارج الفصل، وأجزم بأن أغلبهم لا يحظون بفرصة كافية للممارسة حتى أثناء دروس اللغة بسبب إكتظاظ الفصول بالطلبة وقصر نظر المدرسين، ممن يتعاملون مع اللغة الإنجليزية كمادة ضمن منهج ممل وليس كمهارة لا بد من الإلمام بها لمستقبل الحياة.

لماذا التركيز هنا على اللغة الإنجليزية دون سواها من لغات الأرض؟  ففي جوانب أخرى من الوطن العربي نجدهم مهتمين باللغة الفرنسية مثلاً، ربما بسبب موقعهم الجغرافي أو بسبب تاريخهم الإستعماري، مثل الجزائر وتونس والمغرب.  لكننا في شرق العالم العربي فقد عايشنا التواجد الإنجليزي ولو بدرجات مختلفة، فتداخلت لهجاتنا المحلية وبتنا نتحدث بلهجات هجينة حتى لم نعد نتعرف على أغلب المصطلحات الأجنبية في لهجاتنا الخليجية مثلاً.   ورغم ذلك لا نزال نعاني من ضعف الإهتمام الكافي بأهمية إكتساب اللغة الإنجليزية رغم معرفتنا بمدى أهميتها وضرورتها.  ويبقى السؤال:  لماذا اللغة الإنجليزية بالذات؟

اللغة الإنجليزية تُصنّف اليوم كإحدى أكثر اللغات انتشاراً، من حيث عدد المتحدثين بها.. سواء كلغةٍ أساسية (اللغة الأم)، أو كلغة ثانوية أو كلغة أجنبية تُستخدم في أغلب المجالات العامة.  فقد باتت اللغة الإنجليزية تُساهم في توفير العديد من الفرص للأفراد، مثل مساعدتهم في الحصول على فرص التوظيف وفرص الترقي في العمل.. إذ أن أغلب المقابلات الوظيفية باتت تعتمد على الإلمام باللغة الإنجليزية كشرط أساسي في قبول الباحث عن العمل في الوظيفة التي قد يتقدم لها.. وقد باتت اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للعديد من أنواع المجالات الدراسية الجامعية، كالعلوم، والطب، والهندسة، والإقتصاد، وإدارة الأعمال، وغيرها من المجالات التعليمية الأُخرى التي يسعى العديد من الطلبة الجامعيين لدراستها.. وعلينا الإعتراف بأن اللغة الإنجليزية تُساعد في زيادةِ القدرة على التحصيل المعرفي من خلال قراءة الكتب والمطبوعات، والمجلات المتخصصة، وأغلب الأبحاث المنشورة الحديثة، والتي تدعم تنمية العلم والمعرفة والثقافة الشخصية عند المتعلمين والدارسين.. بل وتقدم اللغةُ الإنجليزية مجموعةً من وسائل الإتصال بين الشعوب المختلفة، مما يساهم في التواصل بين الشعوب والتعرّف على العادات، والتراث، والتقاليد الشعبية العالمية.. ونجد اليوم كيف يتم تُستخدم اللغة الإنجليزيّة بشكلٍ كبير جداً للخوض في المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت؛ حيث أن تعلمها بات كأداة ضرورية تساهم في مساعدة الأفراد في التعرّف على طبيعة المواقع الإلكترونية، والولوج في أغوارها وتصفح المحتويات المنشورة في صفحات مواقعها المختلفة (موقع موضوع الإلكتروني).

لقد كتبت في مجالات متعددة واصفاً اللغة الإنجليزية بأنها لم تعد مُلكاً للإنجليز، بل أنها باتت لغة عالمية يتحدث بها القاصي والداني.. وأن كل ملة من شعوب الأرض قد أضافت لها وعليها وجعلتها خاصة بها.. فنجد مثلاً شعوب شبه القارة الهندية يتحدثون بها كلغة مميزة بهم ويستخدمون مصطلحاتها بحكم نطقهم وبتأثير لغاتهم الأصلية.. وكذلك تفعل شعوب شرق آسيا بشكل عام.. وللفرس إنجليزيتهم الخاصة، كما للعرب طرقهم في لفظ الأصوات وتراكيب الجُمل الغريبة التى ربما تعتمد على الترجمة والخلط  بين القواعد اللغوية.. ولشعوب أوروبا ألفاظهم ومخارج ألفاظهم.. لكن الجميع أصبحوا يتفاهمون فيما بينهم ويتواصلون بهذه اللغة العالمية الموحدة في تجاراتهم ودراساتهم ومراسلاتهم ونشر علومهم ومعلوماتهم حول العالم.

قد يسيسها البعض وينسبها للتاريخ الإستعماري في بلدانهم.. قد يصفها البعض بأنها تحمل في طياتها شروراً ونوايا خبيثة للتأثير على الثقافات الأخرى، بل لزعزعة الوازع الديني واللغوي، وغير ذلك من مشاعر التقوقع المجتمعي الذي يخشى التغريب والأجندات الخفية.. وفي الحقيقة لا يمكن أن ننكر أنه ربما من أحد أهم أسباب الإنتشار الواسع للغة الإنجليزية قد تكون بسبب الرقعة الشاسعة للمستعمرات الإنجليزية من أقصى شرق آسيا حتى أمريكا الشمالية.. لكن حاجة العالم اليوم لتوفر لغة عالمية توحدهم وتسهل عليهم التواصل وتبادل الخبرات جعلت من اللغة الإنجليزية "نعمة" (إذا صح التعبير) جاءت للعالم على صحن من ذهب!!

و أخيراً، إذا إتفقنا من حيث المبدأ بأهمية هذه اللغة، فيجب علي كل الأطراف المساهمة في العملية التربوية التعليمية أن يقوم بواجبه وأن تتضافر الجهود من قبل كافة هذه الأطراف لخلق الظروف المثالية المناسبة لتعلم وإكتساب اللغة الإنجليزية عن طريق توفير الجو المناسب وتحفيز التلاميذ علي المبادرة لإكتساب المهارات اللغوية المناسبة والإنخراط الفعلي فيها بما يعود بالنفع والفائدة علي المتعلم، ومن ثم علي مجمل الناتج التربوي المرغوب والمطلوب من أجيال المستقبل، والتي تشكل عماد وروح هذه الأمة ورصيدها الصعب والثمين في مقبل الأيام.. وبعد، فإن اللغة ليست مجرد مادة دراسية تحتوي علي قواعد وكلمات وأنشطة قرائية وكتابية، لأنها أشمل من ذلك كله.. فهي تمثل طريقة تواصل مع الآخرين وهي عبارة عن مهارة عقلية تحتاج إلي الوقت والصبر والجهد.  فالدافع الحقيقي للتعلم ينشأ من إلمام المتلقي بأهمية دور ومجالات إستخدام هذه المهارة المميزة ومدى تأثيرها على حياته المستقبلية !!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم