صحيفة المثقف

مامـا "ميركـل"

وداد فرحانلم تكن مدججة بالسلاح ولا تلوّح بالعصا، امرأة استطاعت ان تخرج من صلادة الازمات بثمرات ناضجة طرية. عاشت طفولتها تحت خيمة النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية، درست علم الفيزياء وابدعت به، وحصلت على شهادة الدكتوراه لتعمل خبيرة في الكيمياء في كلية العلوم.

هي امرأة لاتشبه الا نفسها، تجاوزت المألوف وخطت المسار المختلف عن مسارات نساء التاريخ، ورغم زعامتها لألمانيا الموحدة، ودورها في الاتحاد الأوروبي وإعادة صوت ألمانيا القوي الذي بذلت لأجله الغالي والنفيس والوقت الثمين، إلا انها لم تترك هوايتها في الشعر الغنائي ولا في الطبخ ومشاهدة مباريات كرة القدم. هي القائدة التي تركب دراجتها الهوائية بلا ضجيج ولا مواكب من الحمايات ولا الجكسارات!.

هي القلب الذي فتح مصاريع أبواب انسانيته أمام الهاربين من الجحيم، فكانت الأم التي احتوتهم، بين ذراعي عطفها، ضمتهم من لهيب ألسنة النار ومثقاب الاغتيال، ومسحت على رؤوس اليتامى والأرامل، وهدهدت عليهم كي ينعموا بإغفاءة أمان، حتى أطلق عليها آلاف اللاجئين لقب "ماما ميركل".

امرأة ولدت من رحم المعاناة وشهدت تمزيق بلدها حتى سقط جدار برلين الذي توحدت بسقوطه الألمانيتان، فقطعت الوعد على نفسها، بأن يكون لها دور في هذا البلد العظيم. ارتقت المناصب لتصل إلى منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي، ومنذ عام 2005، أصبحت أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية، فتغيرت صورة ألمانيا الهتلرية الى ألمانيا الميركلية، صورة الأنوثة والجمال والحكمة.

لم تتشبث بحكم البلاد والعباد، ولا تؤمن بنظرية "ما ننطيها"، فأعلن حزبها أنها لن تترشح مجددا لرئاسة الحزب الذي أمضت 18 عاما في رئاسته، ولن تترشح في انتخابات البرلمان الاتحادي.

إنها امرأة النجاحات والقيادة والحكمة التي يفتقدها زعماء شرق البحر الابيض المتوسط.

تودع المناصب بابتسامة الرضا وبياض كف نهض بالوطن ولم يدنسه الزلل.  لتترك للزمن نسج مناديل حرير ذكراها، ونقش تاريخها، كما نقشت انسانيتها في قلوب اللاجئين محبتها.

فهل يبتسم الحظ لألمانيا مجددا في ميركل أخرى، تقود الشمس في حالك ظلمات السياسة؟.

 

وداد فرحان - سيدني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم