صحيفة المثقف

آفات مواقع التواصل الإجتماعي

حسن زايدقد تأتي الإشاعة من مصادر عدة تختلف باختلاف الغرض من إطلاقها، فقد تأتي عن طريق أجهزة استخباراتية تابعة لجهات أو دول أجنبية، أو لجهات وجماعات تعمل لحساب هذه الأجهزة أو لحساب نفسها. أو لحساب فرد أو أفراد بقصد ممارسة الألعاب العدوانية .

ويكون الغرض من الإشاعة ضرب مجتمع ما أو دولة ما أو جماعة ما في معلوماتها، بقصد إحداث نوع من الإرتباك والبلبلة وعدم الثقة في القرارات والسياسات، والطرائق والسبل والوسائل والتوجهات، وإشاعة حالة من عدم اليقين . وإحداث انشقاقات مجتمعية بين المجموعات العرقية أو الطوائف الدينية، أو داخل المجموعة أو الطائفة الواحدة، بقصد إحداث الفتنة أو جلب أسباب الوقيعة فيما بينها، علي نحو يؤدي إلي هدم بنيان المجتمع، وتقويض أركانه، وتكسير أعمدته، وإتيان بنيانه من القواعد، فيخر عليه سقفه، ويندثر ويموت، ويصير إلي العدم .

وأسرع وسائل الإشاعة في التداول، ومعدلات دورانها، هي وسائل التواصل الإجتماعي، ووسائل الإعلام التي تستسهل الإعتماد عليها كمصدر ميسور للمعلومات . حيث يتحول كل مشارك في هذه المواقع إلي وحدة إعلامية مستقلة تعمل كمحطة بث للمواقع عن طريق المشاركة . ويصبح كل مشارك بؤرة اشتعال، ككرة مشبعة بالبنزين المشتعل، معلقة في ذيل قطة يطاردها الموت، قد أطلقت في حقل قمح حان وقت حصاده، والنتيجة معروفة، وهي أنها تفعل فيه فعل النار في الهشيم .

وغالباً ما تكون الإشاعة في الأصل مفبركة قد تم اختلاقها كلها من الكذب، أو جزء من الحقيقة، وأجزاء من الكذب . ويتم غزل خيوطها، وصباغتها، ونسجها، وحياكتها  بعناية ودقة ومهارة، حتي تكون لافته جذابة، فيدرك الإنسان وجودها، محدثة لديه حالة إشباع وجداني جاذب، تفضي إلي السلوك النزوعي .

هذا السلوك النزوعي مرده الرغبة المتولدة لدي المشارك في المدح والإعجاب والتميز عن الغير، والتشبع بمتعة نقل المعرفة إلي الغير عن طريق المشاركة . وعلي قدر المشاركة الفعالة تكون المتعة الحاصلة .

والإشاعة غالباً لا يتم تصديرها إلي وسائل بثها ونشرها ككلمات مسطورة وحسب، لأن الكلمات المسطورة وحدها لا تكفي كوسيلة جذب وشد انتباه، وإنما يتم الإلتجاء إلي وسائل تقنية أخري مستحدثة من قبيل تقنية الصوت والموسيقي والألوان بمشتقاتها والجرافيك وخلافه . وكل تقنية من هذه التقنيات تتسلط علي نحو مهيمن علي حاسة من الحواس، فيستغرق الإنسان في الإشاعة استغراقاً لا يدعه إلي الإنشغال بأمر آخر من الأمور . وبذلك تصل الرسالة / الإشاعة إلي المرسل إليه، وتملك عليه حواسه .

وتحل غالباً الإشاعة محل الحقيقة، لأن الإشاعة تجد من يعمل لها، وينفق عليها، ويدفعها إلي صدارة المشهد، ويروج لها، ويدافع عنها . وهو ما لا تجده الحقيقة غالباً، اعتماداً علي كونها كذلك . وهنا مكمن الخطورة ومصدرها، متمثلاً في انقلاب الأمور والقناعات داخل الشخص، حيث ينقلب الحق باطلاً والباطل حقاً، والصدق كذباً والكذب صدقاً، وتختل الموازين التي توزن بها المنظومة القيمية الحاكمة .

تلك آفة من آفات مواقع التواصل الإجتماعي . وهناك آفات أخري لم نأت علي ذكرها . وليس معني ذلك أن تلك المواقع ليس لها حسنات وفوائد، أي أنها شر محض، وليس فيها خير، وهذا غير صحيح، إذ أن لها جوانب خير، ولها جوانب شر . وآفة الأشعة ليست مجرد كونها آفة، وإنما تمتد إلي اعتبارها أخطر الأسلحة المعلوماتية وأشدها فتكاً، إذا أخذنا منها قاعدة بيانات تتخذ بها القرارات، وتتحدد من خلالها المواقف، وينبني عليها التوجهات .

فهل يمكن تفادي الإشاعة كمرض فتاك ؟ .

 

حسن زايد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم